شفق نيوز/ عندما ينبلج صباح الثالث من تموز من كل عام على الايزيديين، سيكونون مجددا أمام ذكرى احدى أبشع حملات الابادة التي تعرضوا لها على مر تاريخهم، لا بل اوسع حملة في القرن الحالي. والتي جربت التخلص من وجودهم بالكامل كأقلية دينية عرقية خاصة تعيش بسلام في مجتمعاتها الخاصة كما اعتادت ان تفعل منذ مئات السنين.
وليس في غموض هذه الاقلية التي تسكن العراق وبعض أنحاء سوريا وتركيا، في معتقداتها وطقوسها، ما يبرر ما فعلته عصابات داعش قبل ستة اعوام بالتمام، عندما اقتحمت حياتهم في قضاء سنجار والمناطق المحيطة به، للتنكيل بهم ومن عاش بينهم ومعهم.
ذلك ان هذا الغموض والخصوصية الايزيدية لا يجب ان تكون سببا للكراهية والحقد والموت، ولا يجب ان تجعل أي ايزيدي، كوردي او عراقي عموما، ينسى ان سفاحي التنظيم الارهابي لم يتعففوا في جرائهم فوزعوها، قتلا وسبيا وأسرا، على كل من خالفهم الرأي، المعتقد، المذهب والدين.
لكن الايزيديين كان لهم، لسوء حظهم، استهداف خاص، جرب اقتلاعهم من أساس وجودهم، بخطف ارواحهم وسبي نسائهم واطفالهم، فيما وقف العالم بطيئا في مد العون لهم، قبل ستة أعوام في ذلك اليوم الأسود من شهر أغسطس/آب 2014.
وكأن التاريخ كان يكرر دمويته عليهم مجددا. وعلى الرغم من فظاعة الإبادة التي تعرضوا لها، وموجة التعاطف العالمي التي أثيرت معهم متأخرة، الا ان كثيرين حول العالم ما زالوا لا يعرفون عمق الكارثة التي ألمت بهم.
وللدلالة على عمق المأساة، يقول مدير عام شؤون الايزيدية في وزارة الأوقاف بحكومة إقليم كوردستان خيري بوزاني لوكالة شفق نيوز ان عدد النازحين بسبب غزوة الدواعش تلك، نجم عنها نحو 360 ألف نازح.
ولم تكن جرائم الدواعش هذه الوحيدة التي تعرض لها الايزيديون عبر مئات السنين، ولم يثنيهم ذلك عن معتقداتهم وانتمائهم الى هويتهم.
ويروي التاريخ ان الحملات ضدهم والتي يسمونها "فرمان" باللغة التركية التي تعني "القرار"، للدلالة وفق مفهومهم لعبارة "الابادة الجماعية" التي كانت تنفذ بتعليمات من السلطان العثماني، كانت كثيرة عبر القرون الماضية. لكن الخليفة العباسي المعتصم سبقهم في القرن التاسع الميلادي، ثم مرورا بالحملات العثمانية وهي كانت كثيرة، وصولا الى قوات الملكية العراقية في الربع الاول من القرن العشرين، ثم وصولا الى حملات الانفال الصدامية.
ولهذا، فان هجمة الدواعش على الايزيديين في قراهم وبلداتهم، وفظاعتها، كانت فصلا دمويا جديدا في درب جلجلتهم الطويل الذي ما زادهم الى رغبة في الانزواء بهويتهم.. وحياتهم.
وهذه الأقلية المسالمة، غالبا ما يشار إليهم بغير وجه حق أنهم "عبدة الشيطان"، وعمدوا إلى عزل أنفسهم في مجتمعات صغيرة انتشرت في مناطق متفرقة في شمال غربي العراق، وشمال شرقي سوريا، والمناطق الواقعة جنوب غربي تركيا.
ومن الصعب تقدير أعدادهم الحالية، التي تتراوح ما بين 70 ألفا و500 ألف. ومع ما يواجهونه من مخاوف واضطهاد وتشويه لصورتهم، فإنه ما من شك أن أعدادهم تناقصت بصورة كبيرة على مدار القرن الماضي.
وإحدى المفاهيم المغلوطة من قبل المتشددين عن الإيزيديين أن هذا الاسم يرجع إلى يزيد بن معاوية، ثاني حكام الدولة الأموية (647-683 ميلادية). إلا أن الحقيقة هذه التسمية مشتقة من الكلمة الكوردية القديمة "إيزيد" والتي تعني الملاك أو الإله. ولذا فإن اسم الإيزيديين يعني "عبدة الرب"، وهو ما يعمد الإيزيديون من خلاله إلى وصف أنفسهم.
وفي حديثه الى وكالة شفق نيوز، يوثق مدير عام شؤون الايزيدية في وزارة الاوقاف بحكومة اقليم كوردستان خيري بوزاني نتائج جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبته داعش بحق الإيزيديين في ذلك اليوم المشؤوم في الثالث من اغسطس/اب 2014.
وبعدما يشير الى ان هذه الإحصائيات معتمدة لدى الأمم المتحدة وهي لاتشمل الخسائر المادية في الاملاك والاراضي والثروة الحيوانية والزراعية والسيارات والمعامل وغيرها، يقول بوزاني ان من نتائج الابادة، بالاضافة الى تهجير ونزوح 360 الف شخص، في حين بلغ عدد الذين هاجروا الى خارج البلد يقدر تقريباً بأكثر من 100 الف شخص.
وفيما يسجل سقوط 1293 شهيدا في الايام الاولى من المجازر، فانه بحسب بوزاني، بلغ عدد المقابر الجماعية المكتشفة في شنگال- الاسم الكوردي لسنجار- حتى الان 83 مقبرة جماعية، إضافة الى العشرات من مواقع المقابر الفردية.
ولا تتوقف المأساة هنا. ففي حين بلغ عدد الايتام التي افرزتها الجريمة 2745 يتيم ويتيمة، بلغ عدد المختطفين 6417 منهم 3548 من الاناث، و 2869 من الذكور.
واشار بوزاني الى ان عدد المزارات والمراقد الدينية المفجرة من قبل داعش بلغ 68 مزارا ومعبدا.
كما ان أعداد الناجيات والناجين من قبضة داعش بلغ 3530 شخصا، اي انهم كانوا في الاسر وتم تحريرهم، بينهم 1199 من النساء، و339 من الرجال. اما من الاطفال، فهم 1041 من الاناث، و951 من الاطفال الذكور.
وما زال في عداد المفقودين 2887 شخصا، بينهم 1308 اناث، و1579 من الذكور.
هذا في عالم الارقام. الا ان مئات الاف القصص من المعاناة لم تروى حتى الان، برغم ان المجتمع الدولي أظهر بعض الاهتمام بقضية ابادة الايزيديين خلال السنوات الماضية، وحاول ابراز العديد من قصص معاناتهم في وسائل الاعلام والبرلمانات الاوروبية، لكن ذلك لم يحقق العدالة لهم حتى الآن.
وما زال الاف الايزيديين خارج ديارهم حتى الان برغم مرور ستة اعوام على الابادة، وبهذه المناسبة قال الرئيس العراقي برهم صالح "من المعيب فعلاً القصورُ والتقاعسُ الخطير في تلبية متطلبات أهلنا في سنجار"، مؤكدا "ضرورةِ تجاوز العراقيل السياسية والإدارية".
اما رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني،
شدد على ان فاجعة الأيزيديين وكارثة قضاء سنجار التي تمر ذكرى استباحتها من قبل تنظيم داعش الارهابي لم يكن ليصدقها احد وصدمت العالم، مؤكدا الاستمرار في بذل الجهود من أجل توفير الاستقرار وإعادة الأمان وإعمار سنجار وتحويلها إلى محافظة.