شفق نيوز/ منذ 66 عاماً وناحية "بصيه" التابعة إلى قضاء السلمان بمحافظة المثنى بلا شبكة للكهرباء الوطنية، بل تعتمد على مولدات الديزل في توفير الكهرباء، وفي الوقت نفسه يواجه سكانها مخاطر إنسانية جراء تواجد المخلفات الحربية والقنابل العنقودية التي تنتشر على مساحة 150 كم من بادية السلمان إلى حدود الناحية.
بصيه.. منفى للمعارضين الكورد
تأسست ناحية بصيه عام 1958، في قلب الصحراء بموقع محاذٍ للحدود العراقية السعودية، وتبعد عن مركز المحافظة حوالي 300 كم، وتعد من أكبر نواحي البلاد بمساحة 48 ألف كلم مربع، ومنذ تأسيسها لم تشهد توفير الكهرباء لسكانها الذي يتجاوز 10 آلاف نسمة.
وينقسم سكان هذه الناحية إلى قسمين، منهم الحضر وهم مركز المدينة، والبدو الرحل في عموم البادية، والجزء الأغلب بادية تعتمد على رعي الحيوانات والأبل، وفق مدير ناحية بصيه، توفيق جابر علك الحساني.
ويضيف الحساني لوكالة شفق نيوز، أن الناحية كانت سابقاً قبل عام 2003 منفى للمعارضين وكل من تصدى للنظام السابق، حيث وجد فيها معتقلات للكورد البرزانيين، وتم العثور على رفاتهم في 4 مقابر عامي 2005 و2010، وتقدر أعدادهم بنحو 400 شخص، كما كان ضمن هذه الناحية أيضاً معتقلين من الدجيل وبلد بعد حادثة محاولة اغتيال صدام حسين عام 1982.
نشاط خجول يعود إلى "بصيه" بعد 2004
وبعد عام 2003 بدأت الناحية إلى الظهور مرة أخرى وبدأت مشاريع الإعمار فيها رغم قلّة التخصيصات، وكذلك نشطت الزراعة فيها، منها زراعة القمح والذي تصاعد في السنوات الأخيرة حتى تجاوز 600 ألف دونم، ويعتمد كلياً على المياه الجوفية.
والنشاط الصناعي ليس غائباً عن الناحية - بحسب الحساني - ومؤخراً تم منح 4 إجازات استثمارية لإنشاء معامل أسمنت لوفرة المواد الأولية في البادية.
وتحتوي الناحية أيضاً على مدارس للمراحل الابتدائية والمتوسطة والاعدادية، ولا يوجد فيها جامعات، لذلك يلجأ الطلبة فيها للدراسة في المحافظات القريبة.
كما تفتقر الناحية أيضاً للعديد من المشاريع، أهما شبكة الطرق التي تربطها بالمحافظات المجاورة، كما هناك مشروعان وزاريان لكنهما متلكئان، أما الكهرباء فهناك مشروع ربط الناحية بالطاقة الكهربائية (الشبكة الوطنية) عبر خط ناقل (132 كي في)، وهذا سيمثل قفزة نوعية لتطور الناحية، وفق الحساني.
ويطلق مواطنو الناحية باستمرار مناشدات واستغاثات لايصال الكهرباء إليهم والتي ستسهم بإحياء مئات الآلاف من الدوانم الزراعية، فضلاً عن تنمية الثروة الحيوانية وتعزيز الأمن الغذائي في المحافظة، وفي الوقت نفسه، تخليصهم من الألغام المزروعة على طول تلك المناطق وصولاً إلى الحدود مع السعودية من مخلفات الحروب السابقة.
شهران فقط وتبصر الناحية النور
ووضعت وزارة الكهرباء ومحافظة المثنى في تموز 2022 حجر الأساس لمشروع مد الكهرباء إلى قضاء السلمان وناحية بصيه، بطول 220 كم، فيما تبلغ كلفة المشروع أكثر من 80 مليار دينار، وبمدة إنجاز تتجاوز السنة.
وقال وزير الكهرباء عادل كريم في حينها، إن وزارته خطت خطوات جدية لإيصال الكهرباء الوطنية إلى قضاء السلمان وناحية بصيه، بعد مرور أكثر من 60 عاماً على تأسيسهما كوحدات إدارية، مبيناً أن المنطقتين المذكورتين تعتمدان على مولدات الكهرباء الحكومية.
وفي هذا الجانب يوضح معاون محافظ المثنى لشؤون الطاقة، حامد جهادي الحساني، إن "الخط طوله 92 كم، وعدد الأبراج 291 برج، والطاقة التصميمية 500 MVA، وإن نسبة الإنجاز حالياً أكثر من 75%، ومن المؤمل إدخاله للعمل في 15 آذار 2024".
ويؤكد الحساني لوكالة شفق نيوز، أن "العمل مستمر حالياً بلا توقف لإيصال الكهرباء إلى ناحية بصيه وقضاء السلمان اللذان لم يريا الكهرباء الوطنية منذ تأسيسهما بل يعتمدان على المولدات التي تديرها الحكومة والتي أصبحت بدلاً من الكهرباء الوطنية".
يذكر أن مديرية الدفاع المدني في المثنى أعلنت في كانون الثاني 2023، المباشرة بحملة لتطهير مسار مشروع مد خطوط الكهرباء لناحية بصيه الصحراوية من المخلفات الحربية، وتسليمها للشركة المنفذة للمشروع لتقوم بنصب القواعد الإسمنتية للأبراج.
"الأكثر تلوثًا" بالمخلفات الحربية
تعد محافظة المثنى أكثر المحافظات العراقية تلوثاً بالألغام، حيث تنتشر أعداداً كبيرة منها على مساحة 150 كم من بادية السلمان إلى حدود ناحية بصيه، بحسب إحصاءات مديرية بيئة المثنى.
وتسجل السلطات المحلية حوادث عديدة في هذه البادية - التي تشكل 90% من مساحة المحافظة الإجمالية - يذهب ضحيتها مربو الأغنام والسكان، ومن البدو الرحل والصيادين الذين يجهلون أشكال هذه المخلفات العنقودية، فيما وصل عدد ضحايا هذه المخلفات الحربية إلى 3700 شخص في الفترة الممتدة بين العام 1991 وحتى العام الماضي 2023.
ويبلغ التلوث بالمخلفات الحربية 25% من مساحة ناحية بصيه، في حين تتركز الألغام في مناطق (أبو غار، الخط السريع، بصوت، الهبارية، بصيه، الجدعة، العظامي، أبو خويمة، خرانج، الشريط الحدودي، مغيزل، عادن، الشيحيات، لية، العطشانة، شليهبات، والابطية)، وفق تصريح صحفي سابق لنائب رئيس منظمة حماية البيئة والتنوع الأحيائي بمحافظة المثنى، أحمد حمدان تابعته وكالة شفق نيوز.
وفي هذا السياق، يقول المواطن جميل نافع من أهالي بصيه، إن "الناحية تمتاز بتربية الحيوانات والزراعة، لكن منذ حرب الـ90 والناحية ملوثة بالكثير من الألغام والذخائر العنقودية والذخائر المنفلقة وغير المنفلقة، وهي لا تزال موجودة إلى يومنا هذا، رغم خطورتها المباشرة على الأفراد".
ويضيف نافع لوكالة شفق نيوز، أن "الدفاع المدني والهندسة العسكرية ومنظمة مساعدات الشعب النرويجي NPA يعملون جاهدين لحل هذه المشكلة التي تودي بحياة أكثر من 10 أشخاص سنوياً".
ويصنف العراق من الدول الأكثر تلوثاً نتيجة انتشار الألغام والعبوات الناسفة، بسبب الحرب العراقية الإيرانية إبان ثمانينيات القرن الماضي وآثار احتلال تنظيم داعش لمناطق عراقية، بحسب تصريح سابق للوكيل الفني المخول بصلاحيات وزير البيئة العراقي جاسم الفلاحي لوكالة شفق نيوز.