شفق نيوز/ تمر اليوم الذكرى الثالثة والأربعين لتهجير أعداد هائلة من العراقيين من أراضيهم وبيوتهم بذرائع عنصرية وطائفية، إذ شهد شهر نيسان من عام 1980 بدء أبشع عملية تهجير جماعية بدأت منذ الرابع من الشهر وتواصلت طيلة المدة اللاحقة.
وبدأت تلك الجرائم منذ عام 1969، حين شنت حكومة حزب البعث التي تسلمت السلطة بانقلاب عسكري في عام 1968 حملة ترحيل ونفي قسري استهدفت الكورد الفيليين لأسباب عرقية ومذهبية، اذ جرى في عام 1970، ترحيل أكثر من 70 ألف فيلي إلى إيران وسحبت جنسيتهم العراقية، وجرى الإبلاغ عن كثير من حالات الاختفاء والإعدام بين عامي 1970 و1973.
وقد تم توثيق العديد من هذه الجرائم خلال الفترة الماضية بعد سقوط النظام عام 2003 لكن عمليات التوثيق لم تصل حتى الآن الى مستوى الجرائم التي ارتُكبت بحق الكورد الفيليين.
إذ لا يزال يعاني الكورد الفيليون والذين ينتشرون في بغداد ووسط العراق من مشاكل عديدة، أبرزها مسألة الشهداء ونزاع الملكية والتعويضات، فضلا عن استمرار التعامل "غير المنصف" من بعض الدوائر الحكومية، ما يتسبب بتأخر انجاز معاملاتهم، فيما يدعو مختصون إلى ضرورة تحرك البرلمان لتشريع قوانين أو معالجة بعضها بما يُسّهل نيل حقوقهم.
محكمة خاصة للكورد الفيليين
رغم مرور أكثر من 40 سنة على التهجير القسري والابادة من قبل النظام البائد، لا تزال الإجراءات تتسبب في عدم حصول الكثير من الكورد الفيليين على حقوقهم، وفي كل ذكرى تتجدد المطالبات بإنصاف ذوي الشهداء، أبرزها تشكل محكمة خاصة لشؤون الكورد الفيليين للنظر بقضاياهم واحتسابهم ضمن مؤسسة الشهداء، لمنحهم الحقوق التي نص عليها قانون مؤسسة السجناء رقم 2 لسنة 2016، بحسب مدير عام دائرة شهداء ضحايا الإرهاب في مؤسسة الشهداء، طارق المندلاوي.
ويطالب المندلاوي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، الحكومة العراقية بـ"اتخاذ اجراءات فورية لانصاف الفيليين وحسم قضاياهم العالقة، خاصة وان الدستور العراقي نص على تكفل الدولة رعاية ذوي الشهداء والسجناء السياسيين والمتضررين من الممارسات التعسفية للنظام البائد".
ويلفت إلى أن "هناك الكثير من الشهداء غير مسجلين في مؤسسة السجناء، لذلك من الضروري انصافهم من خلال إصدار حجة وفاة لهم من قبل المحاكم المختصة، واعتبار سنة اعتقالهم هي ذاتها سنة استشهادهم، ويكونوا ضمن نطاق أحكام قانون مؤسسة الشهداء".
وتشير الوقائع التاريخية المدونة الى ان اضطهاد الكورد الفيليين في عهد النظام المباد كان قمعا منهجيا لهم وقد تعاظم الاضطهاد وتصاعد الى مديات كبيرة عندما تعرضوا بصورة جماعية لحملة كبيرة من قبل النظام المباد؛ الذي قام بتنفيذ عمليات إعدام نظامية منذ عام 1979 امتدت إلى مناطق عراقية وكوردية واسعة.
ثم أصدر النظام المباد قرار رقم 666 في عام 1980، الذي حرم الكورد الفيليين من الجنسية العراقية وعدهم ايرانيين، كما مورست أبشع الجرائم الانسانية ومنها اجبار الرجال المتزوجين من كورديات فيليات على تطليق زوجاتهم مقابل مبالغ مالية في حال طلاق زوجته أو في حال تهجيرها إلى الخارج؛ وتهجيره معها أو تعرضه للاعتقال في حال الرفض.
وتشير الأرقام إلى انه جرى ترحيل نحو نصف مليون كوردي فيلي إلى إيران نتيجة حملات الاضطهاد، واختفى ما لا يقل عن 15 ألف كوردي فيلي، معظمهم من الشباب، لم يتم العثور على رفاتهم بعد ذلك، وجرى استهداف التجار والأكاديميين الكورد الفيليين البارزين ورفيعي المستوى في بغداد على وجه التحديد.
وكان الكورد الفيليون من اثرياء العراق وخصوصاً في العاصمة بغداد إضافة الى تبوئهم مناصب عليا نتيجة إقبالهم على الدراسة.
الفيليون رهائن قضية سياسية
لكن علي حسين فيلي عضو برلمان كوردستان السابق يرى أنه بعد عشرين عاماً من بقاء ملف الكورد الفيليين معلقاً، يتضح جلياً أن القضية سياسية 100٪ وليست قانونية وإنسانية، بدلالة إذا كان القانون والمحاكم قد اتخذوا قراراتهم ولم تنفذها الأطراف المعنية مثل الحكومة، فمن الواضح أنه لم يكن هناك اتفاق أو دعم سياسي كاف".
ويقول لوكالة شفق نيوز، "الكورد والشيعة يقولون إنهم يريدون تنفيذ قرار المحكمة والقرارات الأخرى ولا مانع من أطراف أخرى، ولكن الحقيقة أن هذه القضية تراوح عند المطالبات التعاطف، فالجاني واضح، لكن السؤال هو، من هي الإرادة السياسية والحكومية لإنهاء هذا الاضطهاد بشكل نهائي، بالنسبة لأولئك الذين تأثروا بشكل مباشر بهجمة القمع، لا يزال عدد قليل منهم على قيد الحياة، والمناسبات السنوية هي تذكير وليس علاجًا، ويجب أن تكون ترسيخاً للقضية، إذا كنت تريد أن تُعرف بشخص مظلوم، فيجب أن تصبح فيليًا، الفيلي هو الشخص الذي يتعرض للقمع باستمرار ويمكن أن تقول إنه مدان على الاضطهاد الأبدي. لذلك يصعب على الفيليين المظلومين تجنب عواقب تكرار هذه الجرائم. في رأيي، يجب أن تكون رسالة هذه الذكرى هي منع حدوث هذه المآسي مرة أخرى".
معالجات قانونية
يدعو مستشار شؤون الكورد الفيليين في مجلس النواب العراقي، فؤاد علي أكبر، "البرلمان العراقي إلى تشريع أو تعديل بعض القوانين لمعالجة الإشكالات التي يعاني منها الكورد الفيليون، حيث يصطدم الكثير من ذوي الشهداء عند مراجعتهم للمحاكم بإجراءات معقدة تعرقل نيل حقوقهم".
ومن أبرز تلك الإشكالات، يوضح أكبر في حديث لوكالة شفق نيوز، "هي مطالبة ذوي الشهداء بمقتبس حكم، إذ لا يزالون في سجلات النفوس أحياء، والمطالبة بالحقوق يجب أن يتوفى الشخص أولاً، إلّا أن هذه الآلية لا تصلح مع الفيليين، حيث ان مقتبس الحكم غير متوفر عند عوائل الشهداء، نظرا لعدم عرض الشهداء على المحاكم أصلاً، وإنما جُمعوا وسُجنوا وغيُبّوا دون محاكمة".
ويشير إلى أن "المغيبين في القانون العراقي في حال بلّغت الزوجة عن فقدان زوجها يعطيها قاضي الشرع فترة 4 سنوات بعد إعلان الفقدان في الجريدة، وعند انقضاء المهلة تُعطى شهادة الوفاة من تاريخ الفقدان، وقضية الكورد الفيلي جرت منذ أكثر من 40 سنة، لذلك من المفترض اعتماد هذه الآلية مباشرة، فمن غير المعقول مرور طوال كل تلك المدة ولا زال الشخص حياً".
وكان النائب الثاني لرئيس مجلس النواب شاخوان عبدالله، عدّ في 27 أيار 2022، قضية إعادة حقوق الكورد الفيليين وإنصافهم "مسؤولية وطنية كبيرة"، فيما ابدى تعهده بمتابعة ملفاتهم في قانون الجنسية ونزاعات الملكية.
وبرغم سقوط النظام المباد فان الكورد الفيليين لم ينالوا حقوقهم الكاملة بحسب القرائن المتحققة التي تشير الى أن معظم الذين عادوا إلى العراق من الكورد الفيليين واجهوا صعوبات في التقدم للحصول على الجنسية، أو لاسترجاع جنسيتهم العراقية الاصلية.
وفي عام 2010، أفادت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية أنه منذ عام 2003، جرت استعادة الجنسية لنحو 100 ألف كوردي فيلي، وهو رقم قليل طبعا مقارنة بالذين هجروا الذين تعاظمت اعدادهم حتما بفعل الولادات وتكوين أسر جديدة طيلة 43 عاما؛ إذ يشكل منحهم جنسية بلدهم الأصلي حقا واجبا لهم ولأجيالهم.
الكورد الفيلي أجنبي!
على الرغم من تعرّض الكورد الفيليين إلى شتى أنواع الظلم في عهد صدام حسين، واستخدامه اسلوب "الجينوسايد" الابادة الجماعية ضدهم بقرار المحكمة الجنائية العراقية العليا، الا ان "الكورد الفيليين يعاملون لحد هذه اللحظة معاملة الأجنبي عند مراجعتهم لدوائر الجنسية، وهذه كارثة، وكأن صدام حسين لم يتغير"، وفق القاضي منير حداد.
ويشير حداد خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "اكثر العوائل الفيلية لديهم أملاك في العراق، وبعد تسفيرهم بيعت تلك الأملاك عبر دائرة عقارات الدولة في وزارة المالية العراقية، وبعد عودتهم إلى البلاد وجدوا املاكهم قد بيعت لاخرين، لذلك يضطرون إلى طلب تعويضات من الحكومة، وقد يفارقون الحياة دون الحصول عليها، بتقصير من الحكومة التنفيذية ومن هيئة حل نزاعات الملكية العقارية".
ويبين، ان "هناك الكثير من القوانين صدرت في عهد المالكي أنصفت شريحة الكورد الفيليين من السجناء والشهداء وما يتعلق بالنزاعات الملكية، إلا أن المشكلة في التنفيذ والتأخير الذي يحصل، لذلك يجب النظر إليهم بعين الوطنية كونهم ضحوا للعراق وللتشيّع ولكوردستان وللشعب الكوردي".
يشار إلى أن القاضي منير حدّاد كان نائباً لرئيس محكمة التمييز عام 2006، وهو من صادق على قرار إعدام رئيس النظام السابق صدام حسين، بعد استجوابه للمرّة الأخيرة، وهو من رافقه في اللحظات الأخيرة إلى حبل المشنقة.
وكانت الحكومة العراقية أصدرت في الثامن من كانون الأول 2010، قرارا تعهدت بموجبه بإزالة الآثار السيئة لاستهداف الكورد الفيليين فيما أعقبه قرار من مجلس النواب في الأول من آب عام 2010، عد بموجبه عملية التهجير والتغييب القسري للفيليين جريمة إبادة جماعية.
وتشير تقديرات حكومية إلى أن أعداد المفقودين بين العامين (1980 و1990)، بلغت نحو 1,3 مليون شخص، بين من أعدم أو فارق الحياة في السجون، وآخرون مغيّبون.
وصوت مجلس النواب العراقي في عام 2011، على الإقرار بجرائم عام 1980 ضد الكورد الفيليين في ظل نظام صدام حسين على أنها إبادة جماعية.
ظلم مترسخ
يقول الباحث والأكاديمي، الدكتور عصام الفيلي، "تحل ذكرى الإبادة ولا يزال من تعرضوا لها أو اولادهم أو احفادهم لم يأخذوا أبسط حقوقهم، فيما تترسخ معالم الظلم في تعامل الكثير من المؤسسات لقضيتهم، كما أن القوى السياسية ما زالت تستخدم ورقة الذكرى لاستدرار عطف الكورد الفيليين في الانتخابات".
ويتابع الفيلي لوكالة شفق نيوز، "وعلى الرغم من توصيات المحكمة الاتحادية بتساوى مقاعد الكورد الفيليين مع المكونات الاخرى في الانتخابات، الا ان مجلس النواب العراقي فشل في ذلك، وما زال مقعد الكورد الفيليين واحدا، ما يعطي انطباع عدم الاهتمام بهذه القضية"، مؤكداً أن "الطبقة السياسية الحالية تتحمل الجزء الأساسي من تشظي الكورد الفيليين".