شفق نيوز / كعادة الحروب حين تترك آثارها، يستذكر ثلاثة من صاغة سوق الصاغة في الموصل، أو ما تبقى منه حالياً، الحركة التجارية والمارة والازقة الضيقة التي كانت تعج بالمتبضعين وهم يمرون من هنا او يعبرون الى شارع النجفي الملاصق لسوقهم من هناك، ويبدو ان آلام وذكريات هذا السوق اعادتهم لافتتاح محالهم مجدداً رغم الدمار الذي حل بها وعزوف الناس وأقرانهم عن ارتيادها مرة أخرى، ولكنها تبقى، بحسب هؤلاء الصاغة، رحلة تحدٍ، لجذب الناس وإعادة زملاء المهنة للعمل.
ويعود تاريخ سوق الصياغ الى بدايات القرن الماضي ويرتبط تاريخها بالشارع النجفي الملاصق لها، وكانت تختلط محال الصاغة فيه بمحال بيع الحلويات والمعجنات ايضاً ، واشتهرت هذه السوق في شمال العراق لان أمهر صاغة الذهب كانوا يتواجدون فيها، وكانت أعمالهم متميزة وتباع في مدن اخرى وحتى في بلاد الشام.
رحلة تحدٍ
يستذكر العم اليفان عبد العزيز حميد أيامه عندما دخل السوق لأول مرة في العام 1971 برفقة والده الذي كان صائغاً، ويقول في حديث لوكالة شفق نيوز "انه لم يتمكن من البقاء بعيداً عن السوق وعاد متمسكاً بإرث آبائه واجداده".
ويضيف قائلا "لم يعد الى السوق سوى ثلاثة صاغة فقط كنت انا اولهم في حين ما يزال المئات منهم متفرقين في جانبي الموصل الأيمن والايسر وقد وجدوا اماكن بديلة لهم ولم يعد يرغبون بالعودة" مبينا أن "من يريد العودة منهم يشكو من إهمال السوق ومشاهد الخراب والدمار الموجودة فيها".
ويشكو اليفان الحكومة المحلية قائلاً ان "احدى المنظمات الدولية أرادت إعمار المحال التجارية هنا لكن إدارة المحافظة أبلغتها بأن صاغة السوق متمكنين مادياً ويمكنهم إعمار محالهم بأنفسهم فانسحبت المنظمة وبقي الوضع على حاله".
وأما عن سبب عودته رغم تلك الظروف يوضح اليفان "عدت هنا لأنني لا أستطيع الاستغناء عن المكان وهي خطوة اولى في تحدي المصاعب التي تواجهنا وعسى ان تكون تحفيزية للآخرين من أجل العودة، وسأبقى حتى لو لم يكن هناك زبائن لكن اريد ان اترك أثراً في عودة هذا السوق الرئيسي والمهم لما له من هوية تاريخية".
رسالة من أجل العودة
أما عمر عبد الرحمن وهو شاب في الثلاثينات من عمره عاد أيضا وفتح محل صياغته وسط مشاهد الخراب والدمار، مبيناً أن "عودته هي رسالة الى الاخرين للتكاتف والعودة من اجل اعمار السوق و فتح محالهم مرة أخرى".
ويقول عمر لوكالة شفق نيوز، إن "عدم وجود الزبائن هو لعدم وجود الصاغة ولو عاد العشرات منهم دفعة واحدة سيعود الناس إلى المكان، فالموصليون لديهم ذكريات كثيرة في سوق الصياغ، والشارع النجفي الملاصق لها".
ويوضح عبد الرحمن ان "اسواق الموصل القديمة جميعها عادت بهذا الشكل فقد بدأت بمحل او اثنين حتى عاد المئات وعاد معهم ايضا الناس للتبضع".
مصير السوق مرهونٌ بعودة أصحابها
من جهة اخرى يقول مسؤول شعبة الاعلام والعلاقات العامة في بلدية الموصل علاء الحيدري إنهم "ركزوا في بداية الأمر عند انتهاء عمليات التحرير على اعادة الخدمات الى اسواق الموصل القديمة وقاموا بإعادة تأهيل أزقتها وتسقيفها وتوفير الماء بالتعاون مع الدوائر الأخرى".
ويضيف الحيدري أن "الشوارع المحيطة بسوق الصياغ مؤهلة وأزقتها جاهزة لكن يجب أن يقوم أصحاب المحال برفع الركام والعودة الى محالهم، وبعد عودتهم ستكمل البلدية ما تحتاجه السوق من خدمات وفق صلاحياتها"، مبيناً أن "هذا أقل واجب يقومون به تجاه أحياء قلب الموصل القديمة".
وعانت هذه السوق العريقة كبقية أسواق الموصل ومناطقها من اجتياح تنظيم (داعش) في اواسط العام 2014 للمدينة التي هي العاصمة المحلية لمحافظة نينوى، وقد حل الدمار بها بسبب الحرب كما في اغلب مناطق الموصل القديمة جراء العمليات العسكرية التي استمرت لمدة ثلاث سنوات وأسفرت عن هزيمة التنظيم عسكرياً.