شفق نيوز/ تظهر الأحداث التي تسبق حلول 100 يوم الأولى من عهد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني جوانب أكثر وضوحاً في شخصيته وهو ما لم يكن شائعاً في الاعلام سابقا، بالإضافة إلى أدائه وتعامله مع القضايا المختلفة، الحلفاء والخصوم، والعلاقة مع اربيل، وتوجهاته على صعيد السياسة الخارجية التي تتمحور حول الوسطية.
السوداني تمت تسميته لرئاسة الحكومة العراقية بعد جمود سياسي زاد عن عام كامل، وخلافات عميقة بين الأقطاب السياسية الرئيسية، كلفه رئيس الجمهورية في 13 من تشرين الثاني- أكتوبر، بتشكيل الحكومة مباشرة بعد انتخابه، نال تصويت البرلمان العراقي في السابع والعشرين من الشهر نفسه.
ملامح شخصية
من سيرته السابقة وادائه حالياً، يبدو ان السوداني يعمل بشكل دؤوب على ملفاته، وهو سلوك انتهجه منذ إعدام والده، حيث تحملت والدته المسؤولية قبل اضطراره لاحقاً إلى مواجهة عقبات كونه الابن الاكبر، وهذا ما أفصحه مقربون من السوداني "أبو مصطفى" لوكالة شفق نيوز، الذين اعتبروا أن تلك الفترة جعلته أكثر قرباً من طبقة الفقراء وينحاز إليهم.
معروف عن السوداني عدم اتهامه بملفات فساد خلال عمله بمديرية زراعة ميسان، أو من خلال عمله كقائممقام لمدينة العمارة، حيث يُرجع له وضع الخطة العمرانية للمحافظة الجنوبية.
ويروى عن السوداني أنه يستيقظ في الساعة الخامسة صباحا ويستمر في أداء عمله ومهماته حتى حلول الليل، ويوصف بأنه صارم فيما يتعلق بعمله، ويتسم ببعض العناد والاعتداد بالرأي، وقد يجد المرء صعوبة في جعله يبدل رأيه ما لم تبرهن له بالفعل أن هناك رأياً آخر أكثر إقناعا.
وبرغم هذا العناد إن صح التعبير، فان السوداني على الجانب السياسي، يتسم بالبراغماتية، وفي هذا الإطار يسعى الى كسب أكبر عدد من الحلفاء والأصدقاء ويبتعد عن استفزاز الآخرين، ويميل للطرف الأقوى لتحقيق أهدافه.
السوداني خارجياً
يلاحظ المراقبون أن السوداني الذي تسلم منصبه في نهاية تشرين الاول/اكتوبر الماضي، سجل حركة واسعة على الصعيد الخارجي، برغم ضيق الفترة الزمنية نسبيا، فمن عمّان إلى الكويت وطهران الى الرياض حيث شارك في القمة العربية-الصينية، ثم الى مؤتمر "بغداد-2" في الاردن، وقبل ايام الى المانيا حيث أبرم اتفاقات كبيرة، من بينها ما يتعلق بانتشال العراق من أزمته الكهربائية الشائكة بالاتفاق مع شركة "سيمنز" العملاقة.
عمد السوداني خلال اليومين الماضيين، الى توجيه ثلاث رسائل. اولا تأكيده على تسمية "الخليج العربي" بعد الضجة التي أثيرت حول هذه النقطة مع أطراف إيرانية، وثانيا تصريحه لصحيفة "وول ستريت جورنال" الامريكية حول اهمية بقاء "قوات التحالف" وحاجة العراق لهم حاليا، وثالثا، التوجه نحو "سيمنز" من أجل تأمين خطة الكهرباء، وهو ما يعني خسارة لإيران في موضوع بيع الغاز للعراق.
وتقول ثلاثة مصادر خاصة تحدثت معهم وكالة شفق نيوز، إلى أن السوداني لا يميل لأي محاور خارجية، لكنه يعمل على الاستفادة من القدرات والخبرات الغربية واستثمار نفوذ الدول الكبرى بما يخدم برنامجه، وهو في الوقت نفسه شديد الاهتمام بالاتفاقية الصينية مع العراق.
بين المالكي والصدر
برغم أن العديد من المراقبين توقعوا اياماً صعبة ستواجه السوداني عند توليه الحكومة، بالنظر الى الطريقة والظروف السياسية التي تشكلت فيها حكومته، إلا أنه من اللافت حتى الآن ان الزعيم الصدري مقتدى الصدر، لم يوجه سهامه الى السوداني او حكومته، وهذا الأمر الذي لفت الرأي الغربي كذلك، بأن السوداني لا يريد "إيقاظ التنين" في إشارة إلى الصدر.
المشهد الأولي من بعد تسمية السوداني ذهب إلى أن الأخير سيبدأ بـ"تقليم اظافر" التيار الصدري في دوائر الدولة ومؤسساتها، بالنظر إلى أن الخلفية السياسية التي جاء منها السوداني تربطه برئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، المعروف بخلافه العميق مع الصدريين.
وذهب بعض المراقبين أكثر من ذلك باشارتهم الى ان السوداني "يعيش في جلباب المالكي"، الا ان الاحداث خلال الأيام الـ100، والتسريبات الخاصة ما وراء الكواليس التي أطّلعت عليها وكالة شفق نيوز، لا تعكس تلك الرؤية، بل تكشف الكثير من التقاطعات بين الطرفين.
المصادر الخاصة اطلعت وكالة شفق نيوز، على "خلافات بين قادة في الإطار التنسيقي ورئيس الوزراء السوداني، بسبب اتخاذه بعض القرارات دون الرجوع فيها الى الهيئة القيادية في الإطار، الأمر الذي أثار حفيظة ورفضاً تلك القيادات يتقدمهم نوري المالكي".
وتقول مصادر مقربة من السوداني انه في ظل التوترات الاخيرة داخل قوى الإطار التنسيقي، والضغوطات التي يمارسها المالكي وجناحه على السوداني، فإن رئيس الوزراء وفي إطار براغماتيته السياسية، بدأ نظره يتجه نحو الحنانة وأربيل، وهو لا يعول على السنة الذين يعيشون خلافاً حاداً وينتظر إلى من ستميل الكفة.
وقالت إن أكثر قيادات الإطار قرباً ودعماً لحكومة السوداني، هو زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي.
العلاقة مع اربيل
الزيارتان التي قام بهما رئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني ورئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، الى بغداد، الاول في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والثاني في الأسبوع الماضي، ولقاءاتهما مع السوداني تحديدا، هي صفحة جديدة محتملة فتحت بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم.
وبحسب بيان صادر عن رئاسة اقليم كوردستان فإن زيارة نيجيرفان بارزاني ركزت على جهود التعاون لإنجاح حكومة السوداني والعمل معا لحلحلة المشاكل العالقة بين اربيل وبغداد بدءاً بالمادة (140) الدستورية والموازنة والمستحقات المالية ووصولاً إلى تطبيع الوضع في سنجار ومشاكل البلد بصورة عامة، من خلال الحوار وعلى أساس الدستور وحفظ استقرار وسيادة البلد.
وأبلغ نيجيرفان بارزاني مضيفه السوداني رسالة ذات مغزى قال فيها إن نهج قيادة إقليم كوردستان سيظل كما فى السابق عاملَ أمان واستقرار للعراق ودول المنطقة ويتطلع الى تقوية علاقاته معها وفق مبدأ الاحترام المتبادل وحسن الجوار والمصالح المشتركة. ولحل المشاكل الداخلية والخارجية في المنطقة، نرى من الضروري اللجوء إلى الحوار والتفاهم واعتماد الحلول السلمية، وقيادة إقليم كوردستان مستعدة لممارسة دور إيجابي وبناء في هذا السياق.
أما زيارة مسرور بارزاني الذي قاد وفدا رفيع المستوى الى بغداد في 11 كانون الثاني/يناير الجاري، فقد أفضت إلى التوصل لتفاهمات مبدئية لحل المشكلات مع الحكومة الاتحادية.
وقال مسرور بارزاني انه تلمس خلال اجتماعاته البغدادية، وجود أجواء إيجابية وفرصة جيدة لحل المشاكل مع الحكومة الاتحادية على أساس الدستور.
وتتصدر الخلافات بين بغداد وإقليم كوردستان والممتدة لسنوات وحكومات متعددة، مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية وحصة الإقليم فيها، مشروع قانون النفط والغاز الاتحادي، حقوق البيشمركة ومستحقاتها الدستورية، تنفيذ المادة 140 الدستورية، وتطبيع الأوضاع في المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم، وتنفيذ اتفاق سنجار.
وتشير هذه التفاهمات ربما إلى أن السوداني حريص عن توطيد الثقة مع القيادة السياسية في اربيل، بما يؤمن مسارا سياسيا أكثر هدوءا لحكومته خلال فترة ولايته، وتعكس ايضا إدراكا بخطورة الملفات العالقة بين بغداد واربيل وبالتالي ضرورة السعي لمعالجتها، ذلك ان نجاح الحكومة الاتحادية خلال سنواتها الثلاث المقبلة قد يكون مرهونا ايضا باستتباب العلاقة وحل المشكلات التي تواجه اقليم كوردستان ايضا.
حساباته الخاصة
يقول مقربون من السوداني، انه لا يخطو خطوة من دون أن يحسبها من الجوانب كافة، ويلجأ الى استشارة المختصين، حالياً كرئيس حكومة، وسابقاً من خلال مناصبه الوزارية.
وتشير المصادر الى انه برغم ان السوداني محسوب على حزب الدعوة، الا ان حياته وفكره وميوله ليبرالية ويسعى إلى الاستفادة من الغرب تكنولوجياً واقتصادياً وسياسياً.
ونوهت المصادر الى ان السوداني يخطط خلال السنة الأولى من حكومته لتحقيق أهداف حقيقية ملموسة للمواطن البسيط وفي الوقت نفسه إعادة إحياء المصانع والمعامل المتوقفة، وذلك من خلال الشراكة مع القطاع الخاص، وهذا الأمر إن تحقق سيكسبه قاعدة شعبية أوسع تدعمه خلال الانتخابات المقبلة، لأنه يسعى الى التواجد ضمن قوى الإطار التنسيقي، ككتلة وليس كفرد.
وتلفت إلى أن السوداني ليس مستعجلاً في موضوع إعادة مجالس المحافظات فهو يطمح لتقديم تياره السياسي مرشحاً لمجالس المحافظات مما يتطلب بداية تأسيس قاعدة جماهيرية تدعمه.
وختمت بالقول ان رئيس الحكومة العراقي يميل إلى حل المشاكل من خلال الحوار بعيداً عن التشنج والإعلام، ويحاول أن يكون على توافق مع الأطراف كافة، حيث يطمح لضمان استمرارية ولايته كاملة، وليس كما أشارت التسريبات الإعلامية السابقة، إلى أن فترته ستتمحور لستة أشهر فقط، أو لحين انجاز انتخابات مبكرة.