شفق نيوز/ كشف تقرير أمريكي، يوم الثلاثاء، عن بذل إيران جهود مركّزة من أجل "كبح جماح " الفصائل في العراق وسوريا، بعد ان ردت الولايات المتحدة بسلسلة من الضربات الجوية انتقاما لمقتل 3 من الجنود الأمريكيين، مشيرة إلى أن الجهود الايرانية ربما تكون ساهمت في تراجع واشنطن عن استهداف قيادي كبير في الفصائل العراقية.
واوضح تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الامريكية ترجمته وكالة شفق نيوز، "في البداية كانت هناك مخاوف إقليمية من ان يؤدي العنف المتبادل الى تصاعد الصراع في الشرق الاوسط، الا انه منذ الضربات الامريكية في 2 فبراير/شباط الحالي، لم تقع هجمات من قبل الميليشيات المدعومة من إيران على القواعد الامريكية في العراق، بينما وقع هجومان صغيران فقط في سوريا، في حين ان الجيش الامريكي كان سجل ما لا يقل عن 170 هجوما ضد القوات الامريكية خلال الشهور الأربعة الماضية، بحسب تأكيدات البنتاغون".
واعتبر التقرير ان "هذا الهدوء النسبي هو انعكاس للقرارات التي اتخذها الطرفان الايراني والامريكي، وهو يشير ايضا الى ان طهران تتمتع بدرجة معينة من السيطرة على الميليشيات".
واضاف ان "ادارة بايدن كانت قد لوحت بان طهران ستتحمل المسؤولية عن الحسابات الخاطئة والعمليات التي تقوم بها الميليشيات الوكيلة، الا ان واشنطن تجنبت اي هجوم مباشر على ايران".
ونقل التقرير عن الرئيس المتقاعد للقيادة المركزية للبنتاغون الجنرال كينيث اف ماكنزي جونيور، قوله، إن "الرد الأمريكي قد يكون له بعض التأثير، وأن السؤال هو عما اذا كانت الميليشيات ستهاجم أم لا، وعلى الأقل في الوقت الحالي، فهي ليست كذلك".
ولفت التقرير إلى "الهدوء الذي يعكس تحولا كبيرا من جانب إيران، مذكرا بأن طهران كانت منذ شهور أمرت وكلائها الإقليميين في العراق وسوريا بمهاجمة القواعد الأمريكية في الشرق الاوسط في اطار معركة أوسع ضد اسرائيل، التي تحارب حماس في غزة".
ونقل التقرير عن مسؤولين ايرانيين واميركيين لم يحددهم، قولهم إنه مع تصاعد هجمات الفصائل الوكيلة لإيران، والتي بلغت ذروتها بمقتل 3 جنود أمريكيين، فإن قادة إيران شعروا بالقلق من أن مستوى القرار الذاتي المعطى للميليشيات، بدأ يأتي بنتائج عكسية وقد يدفعهم الى الحرب.
ونقل التقرير عن المحاضر في جامعة جورج واشنطن سينا ازودي، وهو أيضا خبير في الامن القومي الايراني، قوله "إنهم خائفون من المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، ويعلمون أنه في حال قتل امريكيون مجددا، فإن ذلك سيعني الحرب، ولهذا كان عليهم أن يكبحوا جماح الميليشيات واقناعهم بان الحرب مع الولايات المتحدة يمكن ان تضر طهران اولا ثم المحور بأكمله بالتالي".
وبعدما لفت التقرير الى "محور المقاومة" الذي يضم فصائل من العراق ولبنان وفلسطين وسوريا واليمن، قال ان إيران تضع استراتيجية شاملة فيما يتعلق بالمحور، لكن مستوى السيطرة والتنسيق اليومي يتباين، مضيفا أن طهران تمارس المستوى الاكبر من النفوذ على حزب الله، بينما تقع الميليشيات السورية والعراقية في المنتصف، ويعتبر الحوثيون الأكثر استقلالية.
وبحسب محللين، فإن قائد قوة القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، كان ابقى الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا تحت قيود مشددة، وذلك لاسباب عديدة اهمها ان الحرب كانت مستعرة في كلا البلدين خلال معظم فترة قادته، حيث اعطى اوامر للميليشيات بمقاتلة الأمريكيين ومن ثم إرهابيي تنظيم داعش.
وبحسب المحللين فإنه بعدما خلفه في قيادة القوة اسماعيل قاآني، فإن معظم هذه الصراعات تمت تسويتها، فاعتمد قآاني ما يسمى أسلوب القيادة غير المتدخل، ولم يحدد سوى اتجاهات واسعة أمام الفصائل.
إلا أن التقرير قال إن قآاني، قام بتنسيق استراتيجية الميليشيات تجاه اسرائيل والولايات المتحدة خلال الحرب الحالية في غزة، حيث قاد سلسلة من الاجتماعات العاجلة في أواخر يناير/كانون الثاني في طهران وبغداد مع الاستراتيجيين وكبار قادة الحرس الثوري وكبار قادة الميليشيات، بهدف اعادة رسم الخطط وتجنب الحرب مع الولايات المتحدة، وهو ما أكده اثنان من الإيرانيين المرتبطين بالحرس الثوري.
وبحسب التقرير، فإن قآاني عقد في بغداد اجتماعا مطولا مع ممثلي جميع الفصائل الشيعية المسلحة التي تعمل تحت مظلة "المقاومة الاسلامية في العراق" التي كانت تعلن مسؤوليتها عن عشرات الهجمات على القواعد الامريكية، واتهمتها واشنطن بالمسؤولية عن الهجوم بالطائرة المسيرة الذي اودى بحياة الجنود الامريكيين.
ونقل التقرير عن المصدرين الايرانيين قولهما إن قآاني أخبر هؤلاء القادة أن إيران والميليشيات المختلفة حققت ما يكفي من المكاسب في الضغط على الولايات المتحدة لأن الرئيس جو بايدن كان يواجه انتقادات شديدة بسبب دعمه القوي لاسرائيل وظهرت خلافات بينه وبين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، مضيفا ان قآاني قال لهم ايضا ان حربا بين طهران وواشنطن، يمكن ان تعرض للخطر ايضا الهدف طويل المدى المتمثل في اقتلاع الولايات المتحدة من المنطقة.
وقال المصدران الايرانيان، ان اثنتين من كبرى الميليشيات العراقية، كتائب حزب الله وحركة النجباء، عارضتا بقوة في البداية طلب قآاني بوقف الهجمات على الاميركيين، بحجة أن محاربة القوات الاميركية كانت جزءا لا يتجزأ من ايديولوجيتهما وهويتهما.
وبحسب مسؤولين عراقيين وايرانيين، فإن سياسيين مؤثرين، بما في ذلك كبار رجال الدين المعروفين باسم المرجعية في النجف، انضموا الى الجهود الرامية الى اقناع الميليشيات بوقف الهجمات، ومن بين هؤلاء ايضا رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني، الذي قال لقادة الميليشيات العراقية والجنرال قاآني ان الهجمات المتواصلة على القوات الأمريكية تسببت في تعقيد المفاوضات بين بغداد وواشنطن، فيما يتعلق بانسحاب القوات الامريكية من العراق.
وذكر التقرير بأن قادة الميليشيات اقتنعوا بالفكرة، واعلنت كتائب حزب الله وقف هجماتها على القواعد الامريكية، مشيرة الى ان قراراتها مستقلة عن ايران.
وتابع التقرير ان نتيجة مشاورات قآاني عبارة تمثلت بظهور استراتيجية جديدة تنص على وقف الميليشيات العراقية كافة الهجمات على القواعد الامريكية في العراق، بما في ذلك اقليم كوردستان وعلى السفارة الامريكية في بغداد.
وبحسب مسؤولين ايرانيين وتقديرات استخباراتية امريكية، فانه فيما يتعلق بسوريا، فقد تم الطلب من مجموعات الميليشيات خفض جدة الهجمات على القواعد الامريكية لتجنب سقوط قتلى، لكن المصادر الايرانية المطلعة على الاستراتيجية، قالت ان الفصائل الناشطة ضد اسرائيل في لبنان واليمن ستواصل العمل بوتيرتها.
ونقل التقرير عن مسؤول في وزارة الدفاع الامريكية، فانه بمجرد ان هدأت الهجمات على الأمريكيين، امتنعت الولايات المتحدة عن استهداف واحد على الأقل من كبار قادة الميليشيات بعد 2 فبراير/شباط لتجنب عرقلة الهدنة واشعال المزيد من الأعمال العدائية.
كما نقل التقرير عن مسؤول أمريكي آخر قوله ان البنتاغون كان على استعداد لضرب المزيد من أهداف الميليشيات في حال تطلب الأمر ذلك، الا انه قرر ان القيام بالمزيد من الضربات الان سيؤدي الى نتائج عكسية.
ونقل التقرير عن خبير استراتيجي عسكري في الحرس الثوري ان ايران تعتقد ان الحرب المباشرة مع الولايات المتحدة ستخدم لصالح إسرائيل في وقت انقلب فيه الرأي العام العالمي ضدها بسبب الخسائر الفادحة من القتلى المدنيين والمعاناة في غزة.
وبحسب المصدر الايراني نفسه، فانه بعد أكثر من عقد من الزمان، تعتقد طهران انها تتمتع بزيادة كبيرة في شعبيتها بين العرب، الذين يشعرون بالغضب لأن قادة بلادهم لا يبذلون ما يكفي لدعم الفلسطينيين.
وذكر التقرير بتصريح المتحدثة باسم البنتاغون سابرينا سينغ التي قالت في الابوع الماضي ان "التقييم الخاص بنا هو ان ايران لا تسعى الى صراع اقليمي اوسع نطاقا، ولكنهم يدعمون هذه الميليشيات التي تهاجم قواتنا".
وذكر التقرير ان السياسة العامة لايران تتمثل في إبقاء الغليان على الجبهات المتعددة ضد اسرائيل من خلال الوكلاء، طالما أن الحرب في غزة متواصلة، حتى لو كانت الميليشيات المرتبطة بطهران تتجنب ضرب القواعد الامريكية.
ولفت التقرير الى ان حزب الله في لبنان يتبادل إطلاق النار بشكل شبه يومي مع الجيش الاسرائيلي، بينما يهاجم الحوثيون في اليمن السفن في البحر الاحمر ويحاولون منع السفن التجارية من الوصول الى الموانئ الاسرائيلية.
ونقل التقرير عن عضوين في الحرس الثوري مطلعين على الاستراتيجية الجديدة، فإن هجمات حزب الله والحوثيين ستقوى في حال شنت اسرائيل هجوما على رفح، حيث تحاصر اسرائيل اكثر من مليون مدني. وذكر التقرير بتصريح للقيادي في حماس اسامة حمدان مؤخرا في طهران بان "اي هجوم على رفح سيقابل برد شرس من المقاومة".
ونقل التقرير عن الباحث في "مجموعة سوفان" للاستشارات الامنية والاستخباراتية كولين كلارك قوله ان "ايران تتمتع بقدرة هائلة على السير الى الخط الصحيح وعدم تجاوزه"، لكنه اضاف ان "الوضع لا يبدو مستقرا، ولا يبدو اننا تجاوزنا الحد الاقصى، وبالامكان ان تتبدل الامور فعلا في اي لحظة".