شفق نيوز/ حدد موقع "دويتشه فيله" الألماني الجوانب المتعددة لازمة الكهرباء في العراق والتي تهدد استقراره السياسي والاجتماعي والأمني، برغم الوعود المتكررة بإصلاح المشكلة التي كبدت الخزينة أكثر من 80 مليار دولار منذ العام 2005.
ونشر الموقع الألماني تقريرا تحت عنوان "كيف تحل ازمة العراق الجهنمية الساخنة"، وترجمته وكالة شفق نيوز؛ تساءل فيه عن سبب صعوبة حل هذه المشكلة برغم أنه في كل موسم صيف يحتج العراقيون على انقطاع التيار الكهربائي في ظل درجات الحرارة المرتفعة، وبرغم وعود الحكومات، لكنه اضاف انه في الشهور الماضية، وقعت سلسلة من الهجمات على البنى التحتية للخدمة الكهربائية، مشيرا الى أن التقارير المحلية تشير إلى تعرض 70 برجا لعمليات تفجير تخريبية من جانب تنظيم داعش.
وتابع التقرير نقلا عن متحدث باسم وزارة الكهرباء قوله؛ إن "أحدا ما يحاول زعزعة استقرار البلد وحياكة الإرهاب". الا ان التقرير الألماني قال إن الواقع هو ان الارهابيين يحاولون استغلال هذه المشكلة القائمة منذ فترة طويلة فيما يتعلق بالعجز في الخدمة الكهربائية حيث أن العديد من المدن لا تتوفر فيها خدمة الكهرباء 24 ساعة يوميا، وهي مشكلة تتفاقم خلال فصل الصيف حيث ترتفع درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية، والطلب يفوق الإمدادات وهو ما يسبب الانقطاعات، وفي الأيام الاخيرة حصل توقف لساعات في الكهرباء في مبان حكومية ومطارات ومستشفيات.
وفي الشهر الماضي استقال وزير الكهرباء ماجد حنتوش وهو وزير الكهرباء ال18 الذي يستقيل.
وذكر "دويتشه فيله" أنه "مثلما يحدث في كل صيف في العراق، فإن الحكومة تعد بأداء عمل أفضل، وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، توصلت لجنة برلمانية تشكلت للتحقيق في قطاع الطاقة، إلى ان 81 مليار دولار أنفقت على القطاع منذ العام 2005، وحتى الآن لم يحصل تحسن ملحوظ".
واعتبر الموقع أنه سيكون من السهل تحميل مشكلات الكهرباء في العراق الى الفساد مثلما يفعل العديد من المتظاهرين الغاضبين، لكن المحللين يقولون ان الاجابة اكثر تعقيدا من ذلك بكثير.
وقال علي الصفار، المحلل في وكالة الطاقة الدولية، التي تتخذ من باريس مقرا لها، والتي تقدم المشورة للحكومات بشأن سياسات الطاقة العالمية، "انها مثل عاصفة كاملة. والأمر لا يتعلق بالوضع الفني فقط، فهناك عوامل غير فنية وأسباب سياسية واقتصادية أيضا".
واعتبر الصفار أن بعض هذه العوامل لا علاقة لها بالسياسيين العراقيين، مثل حقيقة أن عدد السكان يتزايد وأن الصيف يزداد طولا وجفافا، مما يرفع الطلب على الطاقة ويقلل العرض، وبالتالي تعمل المولدات الساخنة بشكل اقل كفاءة، مشيرا في الوقت نفسه الى ان ادارة العوامل الاخرى يمكن ان تتم بشكل افضل.
وباعتقاد الصفار وخبراء آخرين، فان احدى اكبر مشاكل العراق تتمثل في ارتفاع مستويات عدم الكفاءة في ادارة كل من العرض والطلب.
وبحسب الموقع فإن شبكة الكهرباء العراقية تخسر ما بين 40٪ و 50٪ خلال عمليات نقل الطاقة عبر الشبكة، مضيفا أن هذا ما يشكل الفرق بين ما يتم إنتاجه وبين ما يتم تسليمه للمستهلكين، مشيرا الى ان هذه الخسارة تحدث لأسباب فنية مثل معدات نقل الكهرباء التالفة أو ضعيفة الاداء او بسبب عوامل الزمن. وهناك ايضا اسباب غير فنية مثل السرقة او التخريب.
وبالنسبة الى جانب الخسارة هذه، فان العراق يعتبر من بين الدول الاعلى في العالم، فعلى سبيل المثال، فان نقل وتوزيع الكهرباء في ألمانيا يسجل خسارة 4% فقط، بينما المعدل العالمي حوالى 8%.
حلقة مفرغة
ونقل الموقع عن الصفار قوله أن مشكلة الكهرباء في العراق تسلط الضوء على مدى صعوبة إصلاح شيء من دون إصلاح الجانب الآخر.
واشار الموقع إلى ان الحكومة العراقية وضعت مخططات لتطوير وتحسين شبكتها الكهربائية مرات عديدة، وهو ما يتطلب استثمارات مالية كبيرة، متسائلا "لكن من أين سيأتي المال؟".
واشار الى ان قلة من العراقيين يدفعون فواتير الكهرباء، بينما عدادات الكهرباء، لا تعمل بشكل صحيح، أو يتم تجاهلها او عدم تركيبها، وتشيع ظاهرة تعليق المواطنين على خطوط الكهرباء لاستخدامها مجانا، بينما يتساءل مواطنون عاديون لماذا يتحتم عليه دفع المال مقابل خدمة كهربائية سيئة لهذه الدرجة، ويفضلون في المقابل، أن يدفعوا المال لمقدم خدمة المولد الكهربائي في الحي الذي يقطنون فيه.
وفي اكتوبر/تشرين الاول 2020، اظهرت دراسة حول القطاع ان المواطنين أنفقوا 4 مليارات دولار للكهرباء المتوفرة لهم من مولدات الطاقة الخاصة خلال العام 2018، وهو عمل تجاري مربح مرتبط بالسياسيين وقادة الميليشيات. وتوفر المولدات الخاصة 20% من حاجة العراقيين الى الكهرباء.
ولابراز المفارقات الحاصلة في العراق، ذكر التقرير الالماني ان تراجع اسعار النفط العالمية خلال العام الماضي كان يعني أن أموالا اقل دخلت في ميزانية الدولة للقيام بهذه الاستثمارات، وهذا يؤدي الى الى ان المواطنين لا يريدون أن يدفعوا مقابل عملية التطوير المأمولة ولكنهم في الوقت نفسه يحتاجون الى استهلاك المزيد من الكهرباء، كما ان رجال الاعمال المحليين لا يريدون حصول التحسينات لان ذلك سيلحق ضررا بـ "مافيا المولدات" المربحة، وهناك حكومة ليس بمقدورها إجراء تحسينات، حتى إذا كانت تريد ذلك.
تدخل دولي
ونقل الموقع عن مريم سلمان، المستشارة في شركة قمر للطاقة الاستشارية في دبي، قولها ان العراق يجد نفسه في مأزق إذ لا يمكنه التخلص من لوبيات الضغط السياسي والتكتيكات المخادعة وسوء الادارة والهدر المالي في القطاع من دون تنفيذ إطار تنظيمي قوي لدفع الإصلاحات. ومن جهة اخرى، لا يمكنه تنفيذ ذلك من دون التخلص من الفساد".
لكن الموقع أشار الى عوامل اخرى معقدة، بما في ذلك العلاقات الدولية الصعبة، موضحا أن العراق وقع على اتفاقيات لاستيراد الكهرباء من دول مثل الأردن والكويت والسعودية ومصر، لكن العراق يستورد ايضا كمية كبيرة من الغاز والكهرباء من إيران لتشغيل الكهرباء، وهي مسألة تحاول الولايات المتحدة احباطها.
وتابع انه "يزعم ان انقطاع التيار الكهربائي الأخير كان مرتبطا بذلك، حيث ان ايران طالبت العراق بتسديد مدفوعات مقابل امدادات الطاقة، فيما يواجه العراق عقبات في سداد مدفوعات بشكل أسرع بسبب العقوبات الامريكية على ايران".
وتحدث التقرير عن معلومات خاصة تفيد بأن الاتفاقات المبرمة عامي 2018 و2019 مع شركة "سيمنز" الألمانية لاصلاح شبكة الكهرباء العراقية تعقدت بسبب عوامل خارجية. وذكرت بان موقع "بلومبيرغ" الامريكي اشار الى ان "سيمنز" بعد أن شارفت على توقيع اتفاقية قيمتها 15 مليار دولار مع الحكومة العراقية، فان ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب "اقنعت" بغداد بان تختار شركة امريكية بدلا من الشركة الالمانية.
وقال المدير السابق في "سيمنز" جو كيسر في مقابلة "لاحظنا وجود قوى غير عادية" في الساحة، موضحا أن الممارسات التي حدثت أثرت بوضوح.
وأشار "دويتشه فيله" إلى أن لدى الشركتين حاليا مشاريع في العراق، حيث تدعم الحكومة الامريكية شركة "جنرال الكتريك" من اجل مساعدة العراق على تقليص الاعتماد على الغاز الايراني، في حين أن ألمانيا ركزت بشكل أساسي على تطوير شبكة الكهرباء في العراق.
عواقب وخيمة
وختم التقرير الالماني انه برغم كل ذلك، ففي كل صيف تتعرض حياة العراقيين العاديين للخطر بسبب الحرارة التي لا تطاق، ويتزايد وضوح مدى اهمية حل هذه المشكلة.
ونقل عن سلمان قوله إن "هذا وضع مروع بالنسبة للعراق، فالفشل في قطاع الطاقة لن يؤدي فقط الى زيادة الفساد السياسي، ولكنه يهدد ايضا يتجدد عنف المتطرفين، وأزمة كوفيد-19 المتفاقمة، والخزينة المفلسة للدولة".