شفق نيوز/ قدم معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (ام آي تي) الامريكي، جردة حساب كاملة بمناسبة حلول الذكرى الـ20 لغزو العراق في 2003، وتحديات تشكيل الحكومة العراقية والعنف الذي تخلل احتجاجات الصدريين في اب 2022.
وطرح المعهد في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، ثلاثة أسئلة على دكتور العلاقات الدولية في المعهد ستيفان سيمون، والباحث في برنامج الدراسات الامنية في المعهد بيتر كراوس وهو ايضا استاذ في العلوم السياسية في كلية بوسطن، وعلى الدكتورة في كلية بوسطن مارسين الشمري، وناقش معهم قضايا التاريخ الكامن وراء حرب العراق والدروس المستفادة من فكرة بناء الدولة، وآفاق المشهد السياسي الحالي.
بيتر كراوس
وردا على سؤال حول الدروس التي تعلمها علماء السياسة من التمرد العراقي والحملة الامريكية لمكافحة التمرد، قال كراوس إنه "من اولى الدروس التي تعلمها علماء السياسة هو ان تحليلاتهم وتوقعاتهم يمكن ان تكون دقيقة بطريقة مذهلة حتى عندما تكون متعارضة مع آراء صناع السياسات وعامة الناس"، مضيفا انه "على الرغم من أن إدارة جورج بوش خططت وبدأت الغزو وايدته غالبية الأمريكيين، الا ان غالبية علماء السياسة، لم يفعلوا ذلك".
وذكر كراوس ان "عددا من علماء السياسة البارزين، بما في ذلك أربعة من "معهد ام آي تي"، بنشر إعلان على صفحة كاملة في صحيفة "نيويورك تايمز" في أيلول/سبتمبر 2002، يؤكدون فيها ان الحرب "ليست في المصلحة القومية لأمريكا"، وأن صراعا محتملا كهذا سيتسبب في "نشر عدم الاستقرار في الشرق الاوسط .. والعداء لامريكا، ويثير تهديدا للحملة ضد تنظيم القاعدة عن طريق تحويل الموارد والتركيز، وان الولايات المتحدة ليس لديها استراتيجية خروج معقولة من العراق".
وتابع كراوس ان "كل هذه المخاوف تحققت في الصراع الذي اندلع لاحقا".
واعتبر كراوس ان "الدرس الثاني هو انه على الرغم من ان الجيش الامريكي لا يزال الاقوى في العالم وبرهن على قدرته على الاطاحة بالانظمة، الا ان رغبة وقدرة صناع السياسة والقادة العسكريين الأمريكيين على التنبؤ والتخطيط بشكل فعال لمرحلة "اليوم التالي" لسقوط النظام، ما تزال غير متوفرة".
واضاف ان "العراق يمثل واحدا من العديد من التدخلات في الشرق الاوسط الاوسع والتي ادت الى حركات تمرد طويلة وغير متوقعة وظهور قادة لانظمة حكم جديدة لم تكن الولايات المتحدة تتوقعها او ترغب فيها".
وبحسب كراوس، فإن "الدرس الثالث هو أنه يمكن للولايات المتحدة ويجب ان تكون اكثر انتقائية في تدخلاتها، مضيفا انه "من المرجح ان يؤدي التدخل الامريكي الى ظهور تمرد في المستقبل، خصوصا ان خصوم أمريكا يدركون انه شكل من اشكال الحرب التي يفضل الجيش الامريكي والشعب الامريكيان ان يتجنبوها".
ستيفان سايمون
وردا على سؤال حول اهم الفرص والتحديات التي تواجه الحكومة العراقية، ذكر ستيفان سايمون بالمرحلة التي سبقت غزو العام 2003، حيث كان العراق هدفا لحملة جوية واسعة النطاق و12 عاما من العقوبات الاقتصادية الشاملة التي تسببت بالقتل والفقر والمرض، وتخللها ايضا غارات جوية بشكل متكرر".
وتابع سايمون ان "العمليات القتالية لم تنتهي بشكل فعلي الا بعد هزيمة داعش".
وذكر سايمون بان "واشنطن فككت من خلال بول بريمر الجيش العراقي، وقوضت القدرة الادارية التي كانت متبقية لدى العراق من خلال اجتثاث البعث، وأنشأت نظاما سياسيا توافقيا ساهم في الفساد وعرقل الحوكمة الفعالة".
ورأى سايمون أن "العراق يواجه تحديات خطيرة، مذكراً بأن السياسة العراقية اهتزت بسبب محاولة قلب نظام المحاصصة خلال العام الماضي، وهي أزمة انتهت بعد مواجهة عنيفة وهزيمة الحزب (التيار الصدري) الذي سعى لقلب النظام القائم واستبداله بحكومة اغلبية".
واضاف ان "المفارقة تتمثل في ان الفصيل الذي يضغط من اجل هذا التغيير، كان هو بحد ذاته يجسد الطريقة القديمة لممارسة الاعمال التجارية ولا يثق به اي فصيل سياسي آخر".
وتابع قائلا إن "النظام كان مرنا بما يكفي لكي يخرج سليما من الاختبار القاسي".
ومع ذلك، قال سايمون ان لدى العراق هيكل عسكري مختلط يتألف من وحدات الجيش النظامي ومجموعات من الميليشيات التي لها روابط متفاوتة مع ايران".
واضاف ان "مثل هذا الوضع قد يكون مشكلة لكن العراقيين تعلموا التعايش معها، الا انه من الممكن ان يبرهن على انه اكثر من مجرد وضع محرج، في حال، على سبيل المثال، دخلت الولايات المتحدة وايران في الحرب".
كما لفت الى "وجود القوة العسكرية الامريكية ولو بطابع استشاري وتدريبي، والى التدخلات التركية والايرانية ايضا في اقليم كوردستان".
ورأى سايمون ان "التحدي الاكبر الذي يواجه العراق هو تغير المناخ، حيث يعاني العراق من الاحتباس الحراري، وبدأت الاهوار الجنوبية، تجف، وتتناقص مياه الانهار، بينما تفتقر الحكومة الى القدرة على تطوير وتنفيذ تدابير للحد من ذلك، فيما من غير المرجح ان تاتي المساعدة من الخارج".
ولفت سايمون الى ان "الفرص المتاحة تكمن في شباب العراق، لكن السؤال هو ما اذا كان الاقتصاد السياسي بمقدوره ان يؤمن لهذه المجموعة التعليم وفرص العمل".
واضاف ان "فرصة مهمة اخرى تكمن في تجديد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول العربية في الخليج".
مارسين الشمري
وردا على سؤال حول سياق احتجاجات اب/اغسطس 2022، ولماذا تحولت الى العنف، قال مارسين الشمري إن "العراق على شفا حرب اهلية مرة اخرى، ولم الصراع طائفيا كما كان في حرب 2006-2008، عندما تقاتلت الجماعات المسلحة الشيعية والسنية، وانما كانت هذه الحرب شبه الاهلية ستندلع بين فصائل مختلفة تنتمي الى اكبر واقوى مجموعة عرقية دينية في العراق، وهم الشيعة".
واشارت الشمري الى ان "هدف الزعيم الصدري مقتدى الصدر كان إجبار منافسيه من الشيعة في الإطار التنسيقي على لعب دور المعارضة، مضيفة انه "من وجهة النظر الامريكية فان الإطار التنسيقي، يتضمن ايضا بعض الوجوه الودية (حيدر العبادي وعمار الحكيم) وبعض الذين تثير علاقتهم بإيران القلق (مثل هادي العامري وقيس الخزعلي)، وانه برغم ذلك، فان ايران والولايات المتحدة ابتعدتا الى حد كبير عن عملية تشكيل الحكومة".
وتابعت الشمري انه "في ذلك الوقت، فان الإعلام والمحللين كانوا يقدمون الى حد كبير قصة احادية الجانب حول ان مقتدى الصدر هو الاصلاحي وان الاطار التنسيقي يضم العملاء لايران".
واضافت ان "الإطار التنسيقي استخدم العديد من التكتيكات لمنع الصدر من تشكيل حكومة اغلبية، بما في ذلك اللجوء الى المحكمة الاتحادية العليا ومنع النصاب البرلماني المطلوب لانتخاب رئيس"، مشيرة الى انه "طوال اسابيع كانت الاحتجاجات سلمية نسبيا ولكنها كانت ايضا مزعزة بشكل كبير لاستقرار الشؤون اليومية للناس، بينما بقي العراقيون الذين خرجوا في العام 2019 بأعداد كبيرة للاحتجاج على الحكومة، بعيدا عن المشاركة في الاحتجاجات الجديدة، وذلك تخوفاً من "طبيعة الصدريين الزئبقية المعروفة".
وختمت الشمري بالقول إن "السلام لم يصمد، وفي اواخر اب/اغسطس ، اعلن الصدر انسحابه من السياسة واشار الى انه لن يتحمل المسؤولية عن سلوك اتباعه، وتحولت الاحتجاجات الى اعمال عنف حيث اشتبك التيار الصدري وعناصر من قوات الامن العراقية وقوات الحشد الشعبي، وانه خلال تلك الليلة المضطربة، جرى تذكير سكان بغداد بالحرب الاهلية".
وتابعت قائلة إنه "بالنسبة الى العديد من المراقبين، فقد بدأ الوضع "كما لو ان العراق كان يسقط في حرب اهلية شيعية، وفي اليوم التالي وتحت ضغط من رجال الدين الشيعة على الارجح، وبسبب الهزيمة العسكرية المنطقة الخضراء، اعتذر الصدر للشعب العراقي ودعا اتباعه الى وقف العنف، وتفرقوا على الفور".
وقالت الشمري إن "التوترات مع الصدريين لم تتبدد وستظل كامنة في خلفية ولاية رئاسة الحكومة لمحمد شياع السوداني".
واضافت ان "اطار هذا العنف يختلف عن حالات العنف في الماضي، فهو ليس موجها ضد قوة محتلة او عدو عرقي-ديني، وانما هو مظهر من مظاهر المنافسة بين الشيعة".