شفق نيوز/ اعتبر "معهد واشنطن" الأمريكي في تقرير كتبه المستشار في برلمان اقليم كوردستان سردار عزيز ان التسريبات الصوتية لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي تسلط الضوء على الهشاشة المتأصلة للسياسيين العراقيين، وتقدم نظرة ثاقبة على السياسات القائمة في العراق.
وأوضح تقرير المعهد الأمريكي ترجمته وكالة شفق نيوز، أن التسجيلات الصوتية المسربة للمالكي التي ينكرها هو، تكشف المستور من المحادثات الخاصة السرية التي تدور في أوساط النخبة الحاكمة في البلاد، مضيفا أن هذه التسريبات غيض من فيض ما يدور في السياسة العراقية، وانها تعكس ما يجري في ظاهرة الظل.
واشار الى ان لهذه التسريبات عدة جوانب، منها المنافسة بين الشيعة، والسياسة المتأثرة بالشخصية، والارتباط بدول أخرى (ايران)، وخطط الانقلاب، وغيرها.
الا ان التقرير اعتبر ان ظروف وإطار التسجيلات الصوتية يعكسان ايضا التحديات التي تواجهها السياسة في العراق، مضيفا انه من اجل فهم ذهنية النخبة الحاكمة في العراق وعالمها الداخلي، لا بد من التركيز على هذه المحادثات والاجتماعات، مشيرا الى ان محتواها يعكس بطرق عدة روحية الدائرة السياسية الداخلية بشكل افضل من الخطاب العام.
ولفت التقرير الى ان أسلوب الاجتماع المذكور في التسريبات يوصف بالـ"كَعدة" باللهجة العراقية العامية، وهي تعني اجتماعا غير رسمي وشبه خاص، موضحا انها اجتماعات شائعة في المجتمع العراقي، وخاصة في أوساط رجال السياسة، بالاضافة الى انها تختلف عن السياسة المتداولة في المجال العام بعدة طرق.
وتابع التقرير ان لقاءات السياسيين العراقيين الحصرية ليست اجتماعات خاصة بحد ذاتها، مضيفا انه برغم انها قد تحصل في مكان خاص، على غرار منزل أحد المشاركين، الا انه من المحتمل أن يكون من بين المدعوين افراد من خارج الأسرة كالحراس الشخصيين وأعضاء مقربين من الحزب أو أنصار الفصيل، ومؤيدين وغيرهم. واضاف "بالتالي هذه الاجتماعات ليست خاصة لكنها ليست عامة بالكامل، بل يمكن وصفها على أنها مساحات مختلطة للأداء السياسي يجتمع فيها رجال السياسة والمقربون منهم لممارسة فن القول والفعل (السلطة)".
واضاف التقرير ان الغرض من هذه اللقاءات وصيغتها قد يتراوح بين التخطيط (أو التآمر) في مجال السياسة والعمل والترفيه، الا ان سمتها الرئيسية تبقى نفسها، أي أن الهدف الرئيسي للاجتماع هو إرضاء غرور الشخص الذي يكون محورها (عادةً ما يكون رجلا)، حيث ان طريقة توجّه الحاضرين إليه وتحدثهم معه، المغلفة بالإعجاب والثناء، تزيد من أهمية هذه الشخصية وتعكس رغبتها في معاملتها بهذه الطريقة.
وتابع قائلا ان "هذه الفقاعة الاجتماعية المصنّعة تحمي أيضًا القادة السياسيين من المساءلة والانتقاد، بحيث تظهرهم بمظهر الحكام وليس موظفين في القطاع العام".
ولفت التقرير الى انه في إطار هذه البيئة المصنّعة، تختلف النقاشات الدائرة عن الخطابات السياسية الرسمية والمدروسة، وتبقى الطبيعة الانعزالية والمقيدة للخطاب السياسي (الفارغ) المعدّ للاستهلاك العام أحد أسباب الصراحة التي تطغى على محادثات المجالس الصغيرة.
واضاف انه "لا يمكن لأي شخصية سياسية التحدث بصراحة مع الشعب، لكن استياء غالبية الشعب من السياسيين، ولا سيما خلال العقد الماضي، صعّب عليهم للغاية الاستمتاع بالمشاركة في أي نشاط عام".
وبالنسبة الى العلاقات بين المشاركين في "الكعدة"، فإنها تعكس "شبكات ديناميكية من الأشخاص المرتبطين ببعضهم عبر تبعيات متبادلة في الزمان والمكان".
وذكر التقرير ان هذه الشخصيات السياسية تشكل جزءا من ترسيخ تقليد السلطة في المنطقة، مضيفا ان معظم الشخصيات السياسية العراقية لا تملك الخبرة أو المعرفة أو الثقة السياسية، مشيرا الى انه داخل المشهد السياسي العراقي، قد تعكس عبارة "سياسيو الصدفة" الواقع السائد بأفضل صورة.
واستعاد التقرير ما قاله زلماي خليل زاد، السفير الأمريكي السابق إلى العراق، عندما قال "لم يكن نوري المالكي معروفًا في الساحة السياسية العراقية إلى أن "دخل في صباح أحد الأيام جيف بيلز إلى مكتبه حاملًا مجموعة من السير المهنية وسأله : ما رأيك بنوري المالكي"؟ وتابع انه بعد ذلك، قاما بترتيب اجتماع في مجلس النواب وحرصا على تولي المالكي السلطة.
ولهذا يعتبر التقرير ان المالكي لم يكن شخصية معروفة أو مؤثرة بأي شكل من الأشكال، لكنه أصبح خيارا ممكنا عندما كانت ايران والولايات المتحدة تبحثان عن شخصية وسطية، وهي لعبة غالبا ما كانت نتائجها عكسية.
وفي سياق مواز، اعتبر التقرير ان طبيعة هذه الاجتماعات والمحادثات تسلط الضوء على هشاشة السياسيين العراقيين المتأصلة، التي تدفع بهم إلى السعي إلى ترسيخ سلطتهم من خلال قمع أي انتقادات أو آراء معاكسة، وإقامة حواجز بينهم وبين الشعب، اذ ان عالمهم يتّسم بالاقتتال الداخلي؛ كما يحصل بين المالكي ومقتدى الصدر، مضيفا انه في هذا العالم، تتحول نظريات المؤامرة إلى مبررات لرؤى عالمية راسخة، وتتلخص خصائص الخطاب السياسي بالهشاشة والتفاعلية والنرجسية.
وتظهر التسجيلات ايضا بحسب التقرير ان الحفاظ على دائرة قادرة على المساعدة في تلبية هذه الحاجات يقوم على تدفق المال وتوزيعه بشكل جماعي، وهو ما يمكن رصده في محادثات المالكي في التسجيلات المسربة حيث يطلب الضيوف الدعم المالي لتشكيل جماعات مسلحة في كل محافظة من محافظات العراق.
كما تكشف هذه التسجيلات والاعترافات عدم رغبة النخب الحالية بالتخلي عن السلطة للأخرين، حيث ان توقها الى السلطة هو السبب الرئيسي لاعتمادها على صلة القرابة وشبكات الأقارب والعشائر والتي تجمعها المحاباة الناتجة عن ترسيخ السلطة، وجميعها مرتبطة ببعضها البعض بنفس رباط المحسوبية التي يتم ترسيخها بهدف تعزيز السلطة.
واوضح التقرير ان مقولة المالكي الشهيرة "لن نتخلى عن السلطة" تلخص هذه الفكرة، حيث انه خلال تجمع محدود في العام 2013، هتف أحد الأشخاص للمالكي وقال لن نتخلى لهم عن السلطة، الآن جاء المالكي ليدلي بتصريحه الشهير قائلاُ، "هل هناك من يستطيع أن يأخذها (السلطة) منا حتى نعطيها له؟ "، مشيرا الى انه شعور قد تم اختزاله وإحيائه في الوعي السياسي الجماعي للعراقيين.
وختم التقرير بالقول انه في إطار المشهد العام، يمكن للتسجيلات المسربة شرح سبب هيمنة سياسة السلالة على المؤسسات الحكومية الرئيسية في العراق. وتابع قائلا انه "من المهم أن يفهم العراقيون والمراقبون الخارجيون على السواء طبيعة هذه الدوائر وتأثيرها على القرارات السياسية، بما أنه لا بدّ من تبديد هذا النفوذ لإصلاح السياسة في العراق".
وخلص الى القول ان هذه الاجتماعات تعتبر بمثابة دليل على أن الثقافة والتقاليد قد تبقى عائقا أمام الحداثة بكافة أشكالها.