شفق نيوز/ تقول زيارة امير قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني، ان بغداد طوت بشكل او بآخر السنوات الضبابية في العلاقة مع الدوحة التي اتسمت بانتقادات كثيرة للمواقف القطرية سياسيا واعلاميا في ما يتعلق بمرحلة العنف والإرهاب التي عصفت بالعراقيين.
صحيح أنها الزيارة الثانية للشيخ تميم الى بغداد في غضون عامين، لكن الاولى كانت في اطار "اقليمي-دولي" الطابع، حيث جرت فعليا برعاية من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون (ورئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي) لاستضافة مؤتمر قمة بغداد الذي جمع ايضا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والملك الأردني عبدالله، بالاضافة الى وزراء خارجية ايران وتركيا والسعودية والكويت والامارات.
أما هذه الزيارة للشيخ تميم وهي "رسمية"، فقد وصفتها حكومة محمد شياع السوداني، بأنها "مهمة"، وهي تأتي بشكل وظروف مختلفة، بعد نحو 6 شهور على الزيارة التي قام بها السوداني الى الدوحة لحضور نهائيات مونديال كأس العالم الذي استضافته قطر، وبعد سلسلة زيارات قام بها رئيس الحكومة العراقي الى السعودية والامارات والكويت، وانما لم تتضمن لا زيارة رسمية الطابع ولا زيارة عمل الى العاصمة القطرية.
ربما يقدم المشهد العام أن زيارة الشيخ تميم الى بغداد قد تعكس مقولة ان سنوات الارهاب التي وترت العلاقات العراقية-القطرية، ربما تكون قد ولت فعليا، بعدما اثيرت العديد من الاتهامات للسياسة الخارجية القطرية، بدعم شرارات القلاقل التي اشتعلت في غرب العراق قبل اكثر من 10 سنوات، من خلال تبنيها اعلاميا بقنواتها النافذة، ووصفها بانها "ثورات" شعبية على "ظلم وهيمنة" الحكم الائتلافي الذي يقوده الشيعة، لا بل ان العديد من التقارير الامنية ومعاهد الدراسات الغربية، اكدت وجود روابط بين فصائل مسلحة للجماعات الارهابية الناشطة في كل من العراق وسوريا، وبين الأموال القطرية.
من اللافت أن السياسات القطرية بدأت في التحول بشكل لافت في العام 2017، بعد اعلان القطيعة السعودية (بالاضافة الى البحرين والامارات ومصر) مع الدوحة بسبب اتهامات عديدة لها، من بينها علاقاته بايران ودعمها للمعارضة الخليجية اعلاميا وسياسيا واستضافتهم على اراضيها، وخروجها عن الاجماع الخليجي وغيرها من الانتقادات.
وبحسب قراءات خاصة بهذا الصدد فإن المقاطعة السعودية لقطر، اثرت عليها اقتصاديا في ذلك الوقت، خصوصا انها شملت منع عبور طائراتها الجوية اجواء دول المنطقة، ما فرض على القطريين اللجوء الى ايران (من بين خيارات اخرى)، من أجل تأمين عبور طائراتها وحركتها التجارية وامداداتها من الغذاء وغيرها من السلع الرئيسية. ومن المعتقد وفق نفس هذا التقدير، ان طهران ساهمت بذلك في التخفيف من حدة عزلة القطريين، ولكن ايضا ما دفع الدوحة الى اعادة نظر بسياساتها الاقليمية، بما في ذلك في العراق.
كما تزامنت تلك المقاطعة مع اعلان دحر تنظيم داعش، في العراق وسوريا وفي لبنان. ولكن بينما تمكنت الحكومة العراقية وقوات البيشمركة من بسط سيطرتهما على المناطق التي كان الارهابيون يحتلونها، وهو ما قد أجبر القطريين على ما يبدو تعديل مواقفهم من الحرب العراقية، الا ان ذلك لم يتحقق في سوريا، وهو ربما ما يفسر ان الدوحة لا تزال تتخذ موقفا متشددا من نظام الحكم في سوريا حتى الان.
وقد تمثل التحول القطري تجاه العراق، مع دخول القطريين بقوة على خط صفقات شركة "توتال اينرجي" الفرنسية المقدرة قيمتها ب27 مليار دولار حيث استحوذت شركة "قطر للطاقة" على نسبة تقدر ب 25% من المشروع الذي يتضمن خطط استكشاف ونقل وغاز وضخ المياه من البحر.
وكان المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي قال امس ان زيارة أمير قطر ذات أبعاد سياسية واقتصادية هامة وذكرت صحيفة "ناشيونال" الصادرة بالانجليزية ان الطرفين العراقي والقطري سيبحثان "مشاريع استراتيجية رئيسية كتطوير طريق التنمية" الذي اطلقته حكومة السوداني مؤخرا من ميناء الفاو الكبير باتجاه تركيا، والذي يفترض ان يربط العراق ودول المنطقة باوروبا ويمثل جسرا بين الشرق والغرب.
كما من المقرر ان تشمل محادثات الامير القطري مشاريع الطاقة المشتركة. وكانت قطر حاضرة في مؤتمر اطلاق "طريق التنمية" في الشهر الماضي والذي يؤمل ان يقود الى تعزيز التعاون الاقليمي والفرص الاقتصادية، وذلك بحضور ممثلين ايضا عن ايران وتركيا وسوريا والاردن ودول مجلس التعاون الخليجي، وهو مشروع تبلغ قيمته 17 مليار دولار.
ولهذا، فإن توقيت زيارة الشيخ تميم الى بغداد تأتي في لحظة عراقية مهمة، خصوصا بعدما شهدت علاقات العراق مع دول مجلس التعاون الخليجي تحسنا مطردا، وتبادلا لزيارات كبار المسؤولين.
ومن بين تلك الزيارات زيارة وزير النفط العراقي حيان عبدالغني الى الدوحة حيث شارك في المنتدى الاقتصادي في ايار/مايو الماضي، واعلن ان الشركات القطرية مهتمة بالمشاركة في الحصول على حقوق التنقيب عن النفط والغاز في العراق.
وبحسب محللين، فإن تعزيز الدور القطري في قطاع الطاقة العراقي، وان كان يمثل دفعا مهما لحكومة السوداني على الصعيد الداخلي بتحريك عجلة الاستثمارات الخارجية في وقت كانت شركات غربية كبرى انسحبت من السوق العراقي، فان تعزيز دور الدوحة يلائم ايضا التطلعات الامريكية المعلنة، بابعاد العراق كهربائيا وغازيا عن ايران، وتقوية روابط بغداد بمحيطها الخليجي والاردني والمصري.
وبالاضافة الى ذلك، فان اقتحام القطريين سوق الطاقة العراقي، وتحديدا في قطاع الغاز العراقي، الى جانب تخفيف اعتماد العراقيين على مصادره الايرانية، فانه يخفف من الفجوة الكبيرة التي تسببت بها الحرب الروسية -الاوكرانية، ويعزز المحاولة الامريكية من اجل الحد من تأثير نفوذ روسيا في سوق الطاقة العالمي.
وهناك مجازفة ما تجري، اذ يحذر محللون من ان الرهان الامريكي على هذا التحرك القطري، بمحاولة سد امدادات الغاز سواء من اسواقها الداخلية، او من الاسواق الخارجية مثلما يجري حاليا مع العراق، يعني ان واشنطن اصبحت اقل اعتمادا على "الشقيق الاكبر" السعودي في اداء مثل هذه الادوار المهمة اقليميا ودوليا، وصار رهانها الغازي في الدوحة، اذ سبق لادارة الرئيس الامريكي جو بايدن ان طلبت من السعوديين المساهمة في الحد من ارتفاع اسعار الطاقة عالميا بسبب الحرب الاوكرانية، لكنه لم تلق اذانا صاغية تماما في الرياض.
وبحسب صحيفة "ناشيونال" فان شركة "قطر للطاقة" اتخذت خطوات مهمة نحو تقوية حضورها في قطاع الطاقة العراقي.
وبالامكان القول انه فيما يسعى القطريون الى تطوير حضورهم في قطاع الغاز العراقي، فان حكومة السوداني تراهن ايضا في المقابل، على اجتذاب المزيد من الاستثمارات القطرية، وتحديدا ان امكن، باتجاه مشروع "طريق التنمية" الذي يحظى بمساندة من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الحليف المقرب من الشيخ تميم، والذي كان ايضا مثلما فعل الايرانيون قبل نحو 6 سنوات، من اوائل من تحركوا لمساندة الدوحة وهي تتعرض لعقوبات وحصار من جارها السعودي.
وبالاضافة الى ذلك، صارت الدوحة تحتفظ بعلاقات هادئة مع جارها الايراني، وهي على تواصل وتنسيق دائم معه وتبادل للزيارات، ولطالما اعلنت معارضتها اي تصعيد في سياسة الغرب او الدول الاقليمية ازاء ايران، وخصوصا حول ملفها النووي.
وكما يقول مراقبون، فان قطر لاحظت الدور العراقي الذي ساهم في ترطيب الاجواء بين ايران والسعودية خلال العامين الماضيين، والذي قاد ايضا الى نجاح الوساطة الصينية في مصالحة طهران-الرياض، وتتابع ايضا محاولات تجري خلف الكواليس لمصالحة طهران والقاهرة، بعدما حقق "الحليف التركي" انجازا مهما بتحقيق اختراق في العلاقات مع الرئيس السيسي.
ولهذا، لم يعد غريبا ان يتزين طريق مطار بغداد الدولي باعلام قطر ولافتات الترحيب بالشيخ تميم.
خاص: شفق نيوز