شفق نيوز/ ذكر "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" الامريكي ان اعادة اطلاق العلاقات بين العراق وتركيا، يخلق تحديات وفوائد محتملة لمصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سواء في العراق نفسه او خارجه، وذلك بعدما نجحت القمة التركية-العراقية الاخيرة، في ازالة "العديد من الاشواك" بين البلدين.
وأشار التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ الى الزيارة الاخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى بغداد التي أسفرت عن العديد من الاتفاقيات المهمة حول الطاقة والمياه والأمن والتجارة والنقل، مضيفا أنه في ظل الطبيعة المضطربة للعلاقات العراقية - التركية منذ الخمسينيات، فإن التطور الحالي يمكن أن يشكل نقطة تحول تاريخية.
وتساءل التقرير عن الاسباب التي تجعل انقرة وبغداد تعملان على اصلاح علاقاتهما في الوقت الحالي، وما هي تداعيات ذلك على اعادة ضبط العلاقات هذه على منطقة الشرق الأوسط الأوسع وعلى سياسة الولايات المتحدة.
ولفت التقرير الى ان علاقات انقرة - بغداد شهدت تدهورا بعد الانقلاب ضد ملك العراق فيصل الثاني في العام 1958، وهو تطور ادى الى جانب ما جرى بعده، بما في ذلك صعود نظام البعث في بغداد، الى وضع العراق وتركيا، وهي عضو في حلف "الناتو" في مواجهة بعضهما البعض خلال مرحلة الحرب الباردة.
وبالاضافة الى ذلك، ظهرت كما خلافات متعددة من بينها ما يتعلق بحقوق المياه في نهري دجلة والفرات، وتواصل تدهور العلاقات بعد الحرب الباردة في التسعينيات، عندما تحولت المناطق الجبلية في شمال العراق الى ملاذ لحزب العمال الكردستاني، في حين أن نهاية نظام صدام العام 2003، لم تتسبب باصلاح العلاقات، مذكرا بان رفض انقرة المشاركة في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة، بالاضافة الى النفوذ الايراني المتزايد بعد الحرب، لم تمكن انقرة من انشاء نفوذ لها في بغداد، واقتصر نفوذها على المكون التركماني الصغير، وفي معقل العرب السنة في محافظة الموصل، وفي اقليم كوردستان.
ورأى التقرير ان قمة أردوغان مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تمثل فرصة لتعزيز العلاقات بشكل كبير وتقوية النفوذ التركي، من خلال المعالجة المباشرة للعديد من القضايا الدائمة بين الطرفين.
وبعدما لفت التقرير إلى أنه لم يكن هناك اتفاق تركي-عراقي حول المياه، إلى أن انقرة قطعت المياه عدة مرات عن العراق، اشار الى ان القمة الاخيرة شهدت توقيع اتفاقية اطارية للتعاون والعديد من مذكرات التفاهم التي تهدف إلى "تخصيص المياه العابرة للحدود بشكل عادل ومنصف وتحديد هدف للاستخدام الفعال والمعقول للمياه"، بينما تعهدت انقرة بتوفير
المساعدة الفنية في ميدان إدارة المياه، بما في ذلك أنظمة وتقنيات الري الحديثة.
الا ان "معهد واشنطن" اعتبر ان الاختبار الحقيقي يتمثل في ما إذا كانت الشركات التركية ستكون قادرة على تنفيذ المشاريع المائية والزراعية على الأراضي العراقية في ظل ضعف السلطات المحلية والتهديدات المحتملة من جانب حزب العمال الكوردستاني والميليشيات المدعومة من إيران.
وتناول التقرير التحديات التي يمثلها حزب العمال الكردستاني وكيفية تعامل أنقرة وبغداد مع القضية، مذكرا بأن انقرة تحتفظ بنحو 40 موقعا عسكريا داخل العراق، كما كثفت الضغط على حزب العمال الكوردستاني باستخدام الطائرات المسيرة والحملات العسكرية، مشيرا الى أن انقرة تشعر بالقلق من ان وحدات مقاومة سنجار التابعة لحزب العمال الكوردستاني تتلقى أموالا من الحكومة العراقية كجزء من قوات الحشد الشعبي.
وبعدما أشار التقرير إلى أن العراق صنف حزب العمال كمنظمة محظورة، قبيل زيارة أردوغان، قال إن التوغل العسكري التركي المقبل، والذي سيجري بمباركة بغداد، قد يؤدي الى إنشاء طوق أمني دائم من جانب تركيا داخل الأراضي العراقية، وهي منطقة تعهد أردوغان بإقامتها من أجل حماية الحدود من حزب العمال الكوردستاني.
وفي المقابل، قال التقرير إن بغداد ستحصل على صفقة مائية وحصة في ما يسمى "طريق التنمية"، وهو مشروع يربط بين المحيط الهندي وأوروبا، عبر ميناء الفاو ومنه الى تركيا.
لكن التقرير لفت إلى أن الدافع وراء التخطيط المتسارع لـ"طريق التنمية" هو وجود مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الاوسط واوروبا (IMEC) الذي تم الإعلان عنه في أيلول/سبتمبر الماضي، بدعم من الولايات المتحدة، ويشكل تجاوزا لتركيا والعراق في حال جرى تنفيذه.
وتابع التقرير قائلا إن مشروع "طريق التنمية" صار أكثر قابلية للتطبيق منذ ذلك الحين بعد اندلاع الحرب بين حماس واسرائيل، والتي ترافقت معها هجمات على الشحن في البحر الاحمر بالاضافة الى تحديات اخرى امام خطة الممر الهندي، المقترح من جانب واشنطن.
ورأى التقرير أنه في حال تنفيذ مشروع "طريق التنمية" فإنه سيخلق المزيد من التشابك الاقتصادي بين تركيا والعراق، وهو ما سيدفعهما إلى مناقشة خلافاتهما بدلا من تصعيد التوترات بشكل يتكرر دائما.
واشار التقرير الى ان دور اقليم كوردستان في هذه المبادرة لا يزال غير واضح، مضيفا أن كثيرين في الحزب الديمقراطي الكوردستاني، يتخوفون من أن يتجاوز "طريق التنمية" اراضي الاقليم بما يؤثر على التجارة العابرة للحدود مع تركيا. وتابع التقرير أن انقرة كانت تحركت ضد حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني، متهمة اياه بإيواء حزب العمال الكوردستاني، وقد أوقفت الخطوط الجوية التركية رحلاتها الجوية من انقرة الى معقل الاتحاد الوطني في السليمانية، مما زاد من عزلة هذا الحزب.
وبعد الإشارة إلى إغلاق خط الأنابيب بين العراق وتركيا منذ اوائل العام 2023، قال التقرير انه رغم ان الوضع برز نتيجة لشكوى عراقية ضد تركيا في غرفة التجارة الدولية، إلا أن النتيجة جاءت لتخدم الهدف المشترك المتمثل في اعادة المركزية الى دور بغداد حتى بما يتعلق بإقليم كوردستان، موضحا ان الكورد لم يعد بمقدورهم تصدير النفط بشكل مستقل ويتحتم على الإقليم العودة الى بغداد من اجل التوصل الى حل قابل للتطبيق.
واوضح التقرير ان استمرار تجميد العمل بخط الأنابيب يشير الى أن انقرة ستدعم السوداني وهو يحاول تأكيد سلطته المركزية، من دون التضحية بالنفوذ التركي في اقليم كوردستان الذي وصفه التقرير بأنه يتزايد انقساما.
وفيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، ذكر التقرير الامريكي بأن اردوغان التقى بزعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني خلال زيارته في نيسان/ابريل وذلك للمرة الاولى منذ العام 2017، مما يشير إلى أنه سيستمر في تطوير علاقات جيدة مع الحزب، وتحسين العلاقات مع بغداد، وفي الوقت نفسه عدم اظهار اي تساهل تجاه الاتحاد الوطني الكوردستاني.
وفيما يتعلق بالتداعيات على سياسة الولايات المتحدة، قال التقرير إن التركيز الجديد على العراق من جانب تركيا، يعكس التحديات والفرص أمام الولايات المتحدة، خصوصا في ظل علاقة واشنطن المتوترة بشكل متكرر مع انقرة.
وقال التقرير إن الدافع وراء هذا التحول التركي ازاء العراق بالدرجة الاولى هو توقعات انقرة بانسحاب امريكي نهائي من العراق. واضاف انه بالنظر الى ان الشرق الاوسط اصبح ساحة للتنافس الاقتصادي الأمريكي المتنامي مع الصين، فإن تركيا تسعى إلى أداء دور في اعادة تشكيل طرق التجارة العالمية، جزئيا من خلال التعاون مع العراق.
وتابع التقرير أن الفراغ الذي يخلفه الانسحاب الأمريكي سيؤدي ايضا الى تعزيز التوافق الودي بين أنقرة وطهران، مضيفا أنه برغم موقف ايران من هذا الاحتمال لا يزال غير واضح، إلا أنه يبدو انها ستظهر تقبلا حذرا لمبادرات انقرة الاقتصادية والعسكرية في العراق.
وبالنسبة الى واشنطن أيضا، قال التقرير إن تعزيز علاقات بغداد مع جار آخر يمكن أن يكون بمثابة ثقل موازن مفيد امام نفوذ ايران. وفي المشهد الاوسع، قال التقرير أن انقرة تسعى الى انشاء محور للنفوذ التركي بين الشمال والجنوب، يمتد عبر العراق الى الخليج، وربما يعيق "الممر البري" الذي سعت اليه ايران منذ وقت طويل نحو البحر الأبيض المتوسط.
وختم التقرير بالقول إنه يجب على واشنطن الاستمرار في نهج الانتظار والترقب، على أن تسمح بشكل حذر لتركيا بتعزيز العلاقات مع العراق وترك الباب مفتوحا أمام عمليات تعاون ثلاثية ومتعددة الأطراف، بما في ذلك بين خطة الممر الهندي ومشروع "طريق التنمية". وتابع قائلا ان الامر نفسه ينطبق على الاتحاد الأوروبي الذي قد يفضل المكاسب المحتملة ل"طريق التنمية" من خلال الاتحاد الجمركي الحالي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. الا ان التقرير رأى أن أي دعم من الاتحاد الأوروبي لمشاريع تركيا في العراق، سيكون معتمدا على إعادة ضبط العلاقات التركية-الأوروبية التي لم تتم حتى الآن.
ترجمة: وكالة شفق نيوز