شفق نيوز/ عدّ معهد "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، يوم الأربعاء، الهدوء الإقليمي خصوصاً بعد اتفاق السعودية وإيران "فرصة ذهبية" للعراق، حاثاً الدول الأوروبية على تشجيع التقارب العراقي مع دول الخليج لمساعدته على مواجهة تحدياته الداخلية.
وأشار التقرير الأوروبي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أن "العراق يعمل على تعزيز علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي بعد تحسن العلاقات بين ايران والمملكة السعودية"، مذكّراً بأن "العراق ظل طوال عقود في مرمى نيران التوترات بين الجارتين ايران والسعودية، الا انه بعدما تحسنت العلاقات بين طهران والرياض، وهو ما ساهمت بغداد في تسهيله، اصبح العراق مستفيدا رئيسيا من الهدوء الإقليمي".
وتابع التقرير أن "اللاعبين الإقليميين يركزون الآن على الازدهار الاقتصادي أكثر من اكتساب اليد العليا جيوسياسياً، وهو وضع من شأنه أن يحقق فوائد مباشرة ومطلوبة للعراق"، مضيفا أنه "في ظل ذلك، فأن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، يعمل على تعزيز العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي".
واكد التقرير أنه "يجب على الدول الأوروبية أن تدعم هذه التطورات، بعد سنوات من محاولة تحقيق الاستقرار في العراق بعد غزو العام 2003".
وذكر التقرير بأن "دول الخليج اظهرت العداء للعراق طوال سنوات، حيث نظرت الى السياسيين الشيعة، بمن فيهم رؤساء الحكومات، على أنهم من وكلاء ايران، مضيفا أن "ما كان يثير احباط السياسيين العراقيين، ان العديد من الدول، بما في ذلك الدول الخليجية، كانت تحدد سياستها الخارجية تجاه العراق باعتبار انها امتداد لملفها الايراني".
وفي هذا الاطار، لفت التقرير الى أنه "عندما تولى السوداني السلطة في تشرين الاول/اكتوبر العام 2022، اعتبرته عواصم دول مجلس التعاون الخليجي متحالفا بقوة مع رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وبالتالي مع ايران".
لكن بحسب التقرير، فأن "مستوى السيطرة الايرانية على الهياكل السياسية العراقية معقد، وهو يختلف بحسب المؤسسة والقضية والموقع الجغرافي، إلا أن العراقيين تعلموا بالطريقة الصعبة بأن هذا الارتباط المفترض بإيران يؤثر على السياسة الخارجية لدول الخليج تجاه بغداد، كما أن السياسيين العراقيين ادركوا منذ فترة طويلة ان علاقات العراق مع العالم العربي لن تتحسن الا اذا خفف جيرانها التوترات مع ايران".
وتابع التقرير أن "هذا يمثل السبب في أو بغداد اغتنمت الفرصة لتحويل هذه الروابط الى رصيد، وفي هذا الاطار توسطت في محادثات سرية بين ايران والسعودية على مدى السنوات الماضية، وهو ما توج باختراق دبلوماسي اعلن عنه في الصين في وقت سابق من العام الحالي".
ونوه التقرير إلى أن "رؤساء الحكومات العراقية فيما بعد العام 2003، حاولوا في احيان كثيرة تقوية العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، في مسعى للاستفادة من الثروة الاقتصادية في المنطقة بما يؤدي الى استقرار البلد".
وأضاف أن "بعض المحللين يؤيدون فكرة ان دول مجلس التعاون الخليجي يجب ان تعزز العلاقات مع بغداد، بهدف التعويض عن النفوذ الايراني، إلا أن أي انفراج لم يتحقق بهذا السياق سوى خلال عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي حيث استعاد العلاقات الدبلوماسية مع السعودية في العام 2015، مشيرا الى أن "العراق انتهى في العام 2022، من دفع تعويضات للكويت الغزو في العام 1990".
ولفت التقرير الى أن "السوداني، بالنظر الى علاقته المفترضة مع ايران، فقد يكون من المفاجئ ان يضغط من اجل علاقات اوثق مع الخليج".
لكن التقرير اشار إلى أنه "من الواضح أن العراق يستفيد من عدم استخدامه كساحة معركة للحرب بالوكالة بين دول المنطقة".
واضاف أنه "بناء على ذلك، فقد شارك السوداني في القمة العربية في السعودية في العام 2023، وهي مهمة عادة ما يقوم بها رئيس الجمهورية"، مشيراً إلى أن "السوداني تعهد ايضا باستضافة القمة العربية في بغداد العام 2025، ما يوجه رسالة واضحة بالالتزام تجاه العالم العربي الاوسع".
وتابع التقرير "يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي قد أقرت أخيراً أنه على الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها النظام السياسي في العراق، الا انه لن يذهب إلى اي مكان في اي وقت قريب، مضيفا أنه "بعد التقارب بين ايران والسعودية، فان الرياض لم تعد تعارض زيادة وتيرة مشاركتها مع الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في العراق".
وبحسب التقرير فان انتقال السلطة من جيل الى جيل في السعودية ادى الى استبدال القادة معتقداتهم الطائفية الراسخة، بأفكار وأولويات سياسية جديدة، مشيرا الى أن "قادة السعودية مهتمون بتحقيق الرفاهية الاقتصادية لمواطنيهم في عالم متحول واقل اعتمادا على النفط".
واضاف أن "ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان يريد التركيز على الاصلاح الداخلي، وهو ما قد يؤدي الى تعقيد عدم الاستقرار الاقليمي في دول مثل العراق واليمن، خصوصا بالنظر إلى الاعتقاد بان الولايات المتحدة لن تضمن امن السعودية بعد الآن، حيث تواصل الرياض العمل مع روسيا".
وذكر التقرير، أن "من بين الاسباب الحاسمة لتواصل بغداد المستمر مع السعودية هو حاجة العراق الى الاستثمارات العربية، بما في ذلك المساعدة في التخلص من الاعتماد على ايران وتركيا، مضيفا أن "العراق سيتسفيد من تنويع شركائه التجاريين، خاصة في قطاع الطاقة".
وبعدما اشار التقرير الى "علاقات العراق الاقتصادية المتنامية مع تركيا، ومع ايران التي يشتري منها الغاز من اجل انتاج الكهرباء، وعدم قدرة ايران على الوصول اى اموالها المجمدة في البنوك العراقية بسبب العقوبات الامريكية، ذكّر بأن "بغداد وقعت مع "توتال انيرجي" صفقة بقيمة 27 مليار من اجل زيادة انتاج النفط واستغلال الغاز الذي يتم حرقه عشوائيا، وبالتالي تقليل اعتماد العراق على الغاز الايراني، وهي صفقة ستعزز استفادة الشركة الفرنسية من السوق العراقي، بالاضافة الى شركة "قطر للطاقة" التي تمتلك حصة 25 % في الصفقة".
ولفت التقرير إلى "تزايد استثمارات السعودية والامارات (7 مليار دولار مؤخرا) في العراق، والى ان علاقات دول مجلس التعاون الخليجي تتطور مع السياسيين العراقيين"، مضيفا أنه "بالنسبة الى الحكومة العراقية، فأن هذا التطور يمكن أن يساعد في تلبية الاحتياجات الاقتصادية العاجلة والمزعزعة للاستقرار في احيان كثيرة، مثل توفير فرص عمل كافية وخدمات حكومية لسكانها الشباب".
وختم التقرير بالقول، إن "هذه الانطلاق الجديدة توفر فرصا للاوروبيين الذين يتحتم عليهم ان يرحبوا بها كطريقة مهمة للمساعدة في استقرار العراق".
واضاف، أنه "يتحتم على دول اوروبا الآن أن تشجع وتدعم دول مجلس التعاون الخليجي والعراق لتوسيع انخراطهما سوية في المجالات الرئيسية الاخرى بما في ذلك التعاون الامني والمناخي".
وتابع التقرير، أنه "بدلاً من من اعتبار ذلك وسيلة لتقليل نفوذ طهران، يجب على اوروبا ان ترحب بفرص جذب ايران الى الاطر الاقليمية للتعاون بما يساعد على تعزيز خفض التصعيد الاقليمي بشكل كبير ومعالجة التحديات المشتركة العاجلة مثل تلك التي يفرضها التغيير المناخي".
وخلص التقرير الاوروبي الى القول، إن "العراق سيكون بحاجة لأن يواصل الموازنة في علاقاته مع جيرانه بحرص، حتى فيما تتقارب ايران والسعودية بدفء".
لكن التقرير اعتبر ان "ذلك لن يكون دائما مهمة سهلة"، مضيفا أن "الطرفين سيستمران في الضغط على بغداد بطرق تثير مخاطرة".
كما اشار الى ان "وجود الجماعات شبه العسكرية المتحالفة مع ايران، والتي غالبا ما تتبع نهجا اكثر تشددا من طهران، بالاضافة الى ان وجود خطر التصعيد الاقليمي الاوسع المرتبط بالتوترات الامريكية والاسرائيلية مع ايران، يمثل تهديدات لاستدامة هذا المسار".
وختم بالقول، إنه "في نهاية المطاف، سيكون العراق الأكثر ارتباطا اقليميا في مكانة أفضل لمواجهة التحديات الداخلية الخاصة به والتخفيف من تأثير هذه الضغوط الخارجية، مضيفا انه "يجب على الاوروبيين أن يقوموا بما في وسعهم لتعزيز هذه الفرصة".