شفق نيوز/ دعا موقع "مودرن دبلوماسي" الأوروبي إلى الاعتراف الاشوريين كسكان أصليين في العراق، وان يسمح لهم بأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم كخطوة أولى للحفاظ على ثقافتهم وتاريخهم، والا فانهم وقد واجهوا الابادة والمذابح على مر العقود، معرضون لمواجهة خطر الاندثار كشعب من سوريا وتركيا ايضا.
وذكر التقرير الأوروبي، الذي نشر باللغة الإنجليزية، وترجمته وكالة شفق نيوز، ان الاشوريين مرتبطون تاريخيا وثقافيا وروحيا بشمال بلاد ما بين النهرين، والممتدة من شمال بغداد الى جنوب بحيرة وان، ومن الحدود الفارسية في الشرق الى نهر الفرات في الغرب، مضيفا في حين ان الاشوريين غير معترف بهم قانونيا، فان العديد من العلماء يؤكدون ان الاشوريين هم احد السكان الاصليين في العراق.
واستعاد التقرير تصريحات للسناتور الأمريكي السابق جون نمرود، المتحدر من أصول آشورية، قال فيها "كيف يمكننا نعلم ان الاشوريين، هم السكان الأصليون في العراق؟. علينا فقط ان نأخذ مجرفة ثم نحفر في الأرض، والتاريخ الوحيد الذي سيتم العثور عليه هو تاريخ الآشوريين".
كما تناول التقرير كيفية تعريف مصطلح السكان الأصليين والذي يعتمد على: اعترافهم بأنفسهم كشعوب اصلية على مستوى الفرد والمجتمع، والاستمرارية التاريخية من فترة مجتمعات ما قبل الاستيطان، وارتباطهم القوي بالاراضي ومواردها الطبيعية، وتمتعهم بانظمة اجتماعية او اقتصادية او سياسية مميزة، وامتلاكهم لغة وثقافة ومعتقدات خاصة بهم، وعزمهم على حماية واعادة انتاج بيئات وانظمة اسلافهم كشعوب ومجتمعات خاصة.
ولهذا، قال التقرير ان الاشوريين تنطبق عليهم كل هذه العناصر المذكورة، مضيفا ان "المجتمع الآشوري يحتاج الى ابراز وإيصال ثقافته الفريدة وتاريخه المتجذر والتأكيد على حقوقه في اراضيه التاريخية واراضي اجداده".
واعتبر التقرير ان الباب قد فتح من اجل تحقيق ذلك بعد صدور إعلان الأمم المتحدة للعام 2007 حول حقوق الشعوب الأصلية، في حين يؤمن منتدى الأمم المتحدة الدائم لقضايا الشعوب الاصلية، منبرا للشعوب الاصلية للاستماع الى صوتها من مختلف انحاء العالم، مشيرا الى ان الاشوريين حضروا جميع جلسات المنتدى منذ العام 2012 حتى العام 2019، من خلال وفود تمثل الجمعية الاشورية الخيرية.
وبحسب التقرير فقد أوضح ممثلو الجمعية من هم الآشوريون، فهم ليسوا من العرب ولا من الكورد، وانما من سكان العراق الأصليين، وانه من "الضروري ان يجري الاعتراف بهم من قبل الحكومتين في بغداد واربيل وان يسمح لهم بأن يحكموا أنفسهم كخطوة أولى للحفاظ على ثقافتهم وتاريخهم".
في بلاد ما بين النهرين منذ فجر الزمان
واستعرض التقرير توثيقا تاريخيا لهذا الحقائق، واشار الى ان النصوص المسمارية تتحدث عن انه بعد 2750 قبل الميلاد، وصلت السلالة الاكادية الى السلطة في بابل الشمالية.
وتشير النصوص ايضا الى ان سرجون ، أو "شاروم كين" التي تعني "الملك العادل"، ظهر وازدهرت قوة السلالة الاكادية حيث قام سرجون توسيع سلطته في شمال بلاد ما بين النهرين، وهي منطقة عرفت فيما بعد باسم آشور، ومن هؤلاء الأكاديين نشا الآشوريون (والبابليون).
ولفت التقرير الى ان الحضارة الاشورية كانت بذلك قائمة منذ ما لا يقل عن خمسة آلاف سنة في آشور وان عاصمتهم كانت تحمل اسم معبد كان مخصصا للالهة عشتار، وقد تم تأكيده بعد 2800 قبل الميلاد بقليل. وكان الدين يحتل مكانة رئيسية في البنية الاجتماعية والاقتصادية لحياة الاشوريين، وان السلطة الدينية والوظائف المدنية كانت دائما متشابكة.
ويقول الباحثون ان دولة اشور تأسست في شمال بلاد ما بين النهرين منذ منتصف الألفية الثانية، وهي كانت حضارة اصلية غنية ومعقدة ، استمرت لـ3 الاف سنة وعاشت تقلبات لا حصر لها، عبر أجيال عديدة.
وبحسب التقرير فإن الحفريات تظهر ايضا في كالا تيبي، بالقرب من كارا ايوك، وهو تل يقع على بعد 18 كيلومترا شمال شرق قيسارية في كابادوكيا في تركيا الحديثة (لا تزال في شمال بلاد ما بين النهرين). وهناك بعض الألواح المكتوبة بالسامية التي تضم أسماء تحمل كلمة اشور، مثل اتي عاشور، طابا عاشور، آشور مالك، اشور مطابيل.
اللغة والدين
وذكر التقرير ان الاشوريين كانوا يتكلمون اللغة الاكادية الاشورية، الا انه برغم ذلك لم يكن النص المسماري ملائما لادارة امبراطورية بهذا الاتساع، وكان التواصل بين نينوى والعاصمة والمناطق التابعة، أمرا صعبا لأن الكتابة المسمارية كانت نصا معقدا ولم يكن يفهمه سوى قلة من الناس.
وفي حوالي العام 750 قبل الميلاد، بدأ الآشوريون وآخرون داخل الامبراطورية في استخدام الابجدية الارامية بشكل رسمي، لانها كانت اكثر سهولة في التعلم والتواصل بين مختلف الناس في ظل سلطة الإمبراطورية. ولهذا، اشار التقرير الى انه ليس من الغريب ان تصبح اللغة الاشورية والكتابة الارامية لغة مشتركة للإمبراطورية الشاسعة.
واضاف انه بعد سقوط الامبراطورية الاشورية، سيطر الميديون والرومان واليونانيون والبارثيون على شمال بلاد ما بين النهرين، الا ان اللغة الاشورية والابجدية الارامية ظلت مستخدمة من قبل الآشوريين بشكل خاص.
كما توصل العلماء الى ان اللغة الاكادية ظلت مستمرة حتى القرن الثالث من العصر المسيحي.
وحول الديانة، ذكر التقرير ان الشعب الاشوري تحول الى اعتناق المسيحية في زمن الرسل وهم ظلوا مسيحيين منذ ذلك الحين. وفي وقت لاحق، وتحديدا في العام 1681 في ديار بكر (تركيا) وفي العام 1830 في شمال العراق (القوش) ادى تحول الاشوريين الى الكاثوليكية الى عزل الاشوريين حيث أطلق مصطلح الكلدان على هؤلاء الذين تحولوا، لكن هذه المجتمعات احتفظت بروابط قوية فيما بينها، وظلت التكوينات القبلية هي شبكة الحياة الجماعية.
وبعد ظهور الإسلام، اشار التقرير الى انه كان سيفا ذو حدين بالنسبة الى المسيحيين الاشوريين وتاريخ المنطقة، اذ انه قبل الاسلام ، كانت بلاد ما بين النهرين تنتمي بشكل جزئي الى الإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية، وكان كل شعب يحتفظ في ممتلكاته بمجموعة من القوات والاداريين، لكن الدولة الاسلامية اعادت توحيد بلاد ما بين النهرين.
كما ان العديد من الشعوب، بما في ذلك الاشوريون، اعتنقوا الاسلام هربا من الموت او للافلات من الضرائب، ومع مرور الزمن، جرى تعريبهم بسبب تأثير القرآن واللغة العربية. لكن الكثيرين ظلوا مخلصين لدينهم واستمروا في العيش بالقرب من عواصم أسلافهم التاريخية: اشور وكلاح (نمرود) ودور شاروكين (خرساباد) ونينوى (النبي يونس) او بالقرب من كنائسهم و ابرشية الموصل واربيل، وكركوك في العراق الحديث، او في انطاكية وطور عابدين في تركيا الحديثة.
وعود كاذبة
وذكر التقرير ان الشعب العراقي كان يأمل بالحرية والسلام في عراق علماني وديمقراطي كما وعد الرئيس جورج بوش عندما قرر القضاء على نظام صدام حسين القمعي وتأمين الحرية لجميع العراقيين بغض النظر عن عرقهم او معتقدهم الديني.
وخلال كلمة له في مدينة سينسيناتي الامريكية في 7 تشرين الاول/اكتوبر العام 2002 ، تحدث بوش بوش بشكل دقيق مميزا بين مختلف مكونات العراق عندما اعلن ان "قمع الكورد والآشوريين والتركمان والشيعة والسنة وغيرهم، سيزول. سينتهي اسر العراق الطويل، ويبدا عصر جديد من الامل".
الا ان التقرير لفت الى ان الدستور العراقي الجديد للعام 2005، يعرف الاشوريين على انهم اقلية عرقية دينية، فيما تتضمن المادة 125 الحقوق الأساسية "لمختلف المكونات، مثل التركمان والكلدان والاشوريين وجميع المكونات الاخرى".
واعتبر التقرير ان الدستور العراقي حمل ما هو اقل من الاعتراف بالاشوريين على أنهم السكان الاصليون للعراق وقسم الشعب الاشوري الى آشوريين وكلدان.
ولهذا، يدعو التقرير إلى ضرورة ان تؤكد دساتير العراق واقليم كوردستان على حماية الاشوريين باعتبارهم السكان الأصليين، ويجب تامين منطقة محمية يديرها الاشوريون داخل "اشور" التاريخية من أجل السماح للاشوريين بالحياة في سلام وفقا لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1994.
واعتبر التقرير الأوروبي ان هذه الخطوات قابلة لأن تتحقق باعتبار ان مجلس الوزراء العراقي كان وافق على إنشاء المنطقة الادارية المسيحية الاشورية، وذلك في العام 2014 قبل فترة قصيرة من غزو تنظيم داعش للموصل وسهل نينوى. الا ان موافقة الحكومة العراقية تجددت في 2 حزيران / يونيو العام 2019 بعد إلحاق الهزيمة بداعش.
عودة الاشوريين الى اراضي اجدادهم
ودعا التقرير الحكومة العراقية الى وضع خريطة طريق تحدد بشكل واضح عملية اعادة الاشوريين الى موطن اجدادهم واعادة جميع البلدات والقرى الاشورية التي تمت مصادرتها منهم بشكل غير قانوني.
كما اعتبر انه يجب على حكومتي بغداد واربيل توفير التمويل اللازم لإعادة إعمار القرى المدمرة ومواقع العبادة والبدء في إعادة إعمار 14 الف منزل ومبنى في سهل نينوى في أقرب وقت ممكن.
وختم التقرير بالقول انه اذا لم يعترف العراق بالاشوريين كسكان أصليين، فإنهم سيواصلون مواجهة الإبادة الجماعية والمذابح ويتلاشون مع مرور الوقت من العراق، ومن سوريا وتركيا ايضا.
ولفت إلى أن اعترافا كهذا لن يضيف اي عبء على العراق لان هذا الوضع سيجعل الاشوريين مؤهلين للحصول على الدعم من مختلف البرامج التي يقدمها المنتدى الدائم للشعوب الاصلية، وكذلك الدعم من هيئات الأمم المتحدة الاخرى وفقا لاعلان الامم المتحدة بشأن الشعوب الأصلية.
وخلص التقرير الاوروبي الى القول بان "الشعب الاشوري يستحق ان يعيش في سلام وأمن وحرية، واحتضان وحماية لغته المهددة بالانقراض"، مذكرا بأن "أطلس اليونسكو" للغات العالم يحذر من ان اللغة الاشورية (السريانية / الارامية) ستختفي خلال قرن، مشيرا إلى أنه تم افتتاح بعض المدارس الاشورية في العراق وفي أراضي حكومة اقليم كوردستان، الا ان الدعم المالي لهذه المدارس محدود ولا يوجد تشريع قانوني حقيقي يدعم اللغة الاشورية.
كما ختم التقرير بالاشارة الى ان عدد السكان الاشوريين كان يبلغ حوالي 1.5 مليون نسمة قبل الغزو الامريكي للعراق العام 2003، لكنه اليوم، يقدر بحسب المراقبين بنحو 250 الف نسمة.