شفق نيوز/ حث "معهد جي آي إس" للأبحاث، ومقره إمارة ليختنشتاين، يوم الثلاثاء، الولايات المتحدة ودول أوروبا على عدم تجاهل تركيا وهواجسها ومصالحها، بالنظر إلى أنها تقع في قلب تقاطع ساحات جيوسياسية رئيسية في التنافس بين اللاعبين الإقليميين والدوليين من شرق المتوسط إلى البحر الأسود والقوقاز.
وأوضح التقرير الأوروبي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، ان "الغرب يرفض الاعتراف بأن لتركيا مصالح استراتيجية خاصة في مناطق دول الجوار في جنوب شرق أوروبا، وهو ما يشكل مجازفة بعزل حليف مهم، ويضع تركيا أمام تحديات ومسؤوليات كبيرة".
وذكر التقرير ان "لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي (الناتو) وروسيا مصالح استراتيجية في هذه المناطق، بالاضافة الى اللاعبين الفاعلين الآخرين كإسرائيل ومصر واليونان التي لديها الكثير مما هو على المحك".
وفي ظل هذه التوترات الجيوسياسية في المنطقة، قال التقرير، إن "هناك بالتوازي معها، العديد من بؤر الصراع الساخنة والمترابطة، مشيرا مثلا الى ان "المصالح المشروعة للاقليات مثل الكورد والفلسطينيين، تتلوث غالبا بسبب انشطة ارهابية".
وأشار ايضا الى الاقتتال الداخلي في لبنان وليبيا وسوريا، والهجمات المتكررة في العراق، في حين بالنسبة الى القوقاز، فان الوضع بين اذربيجان وارمينيا مضطرب برغم انتهاء الحرب. والى جانب ذلك، لا يزال هناك صراع معلق بين جورجيا وروسيا حول اوسيتيا الجنوبية وابخازيا.
الا ان التقرير اعتبر ان الصراع الرئيسي الذي له تأثير على المنطقة هو الحرب التي تقودها روسيا ضد اوكرانيا.
ولهذا، لفت التقرير الى ان كل هذه القضايا المشتعلة تجري في الجوار المباشر لاوروبا، وهو ما يجعل من الملح فهم موقف ومصالح تركيا، وهو البلد الذي يقع في المركز العصبي للمنطقة.
وذكر التقرير ان تركيا تعتبر بلا شك القوة الاقوى في شرق البحر المتوسط، وهي تقع على تقاطع طرق بين اوروبا واسيا وتحرس الوصول الى البحر الاسود من البحر المتوسط عبر مضائق الدردنيل والبوسفور، مضيفا ان تركيا تربط اوروبا بالشرق الاوسط والبحر الاسود والقوقاز.
وبعدما لفت التقرير الى تاريخ الصراعات التي نشبت بين الاتراك والروس خلال القرون الثلاثة الماضية، اعتبر التقرير انه في الصراع الحالي في اوكرانيا، انه من المهم بالنسبة الى امن تركيا الحفاظ على وحدة اراضي اوكرانيا وان يتم ابقاء روسيا خارج شبه جزيرة القرم.
واشار التقرير الى انه في ظل الوجود البحري والعسكري القوي لتركيا، فان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان نجح في التفاوض مع موسكو على تحرير شحنات الحبوب الاوكرانية من الحصار الروسي على البحر الاسود، مضيفا ان القوة العسكرية لتركيا ظهرت ايضا خلال حرب ناغورنو كاراباخ، اذ اتاح الدعم التركي لاذربيجان ان تلحق الهزيمة بأرمينيا المدعومة من موسكو.
وتابع التقرير انه من المهم بالنسبة لتركيا ان تتم حماية وحدة جورجيا والحد من النفوذ الروسي في البلقان والشرق الاوسط وخصوصا في سوريا. الا انه في المقابل، فانه من الضروري لتركيا ان تحتفظ بالعلاقات مع روسيا بسبب اعتمادها على الطاقة والتجارة.
وبالنسبة الى اليونان، ذكر التقرير ان علاقات تركيا صعبة معها، منذ الحرب العالمية الاولى، وما زالت العلاقات بين انقرة واثينا محفوفة بالتوتر خاصة حول قضيتي شمال قبرص والمياه الاقليمية.
ولفت الى موقف تركيا الرافض لتقسيم المناطق الاقتصادية البحرية المحددة من جانب الامم المتحدة والتي تمنح اثينا ميزة كبيرة، بينما تم تقييد المطالب التركية بتعقيدات فنية، وهي قضية لم تتم تسويتها، وتفاقمت بسبب موقف بروكسل وعواصم اوروبية اخرى ازاء أنقرة، وهو ما تسبب في اعاقة نشوء علاقات طيبة مع الاتحاد الاوروبي.
والى جانب ذلك، تواجه تركيا تحديات اخرى مثل الوضع سياسي الغامض الذي ادى ايضا الى حدوث تدخل عسكري في الشرق الاوسط خصوصا في العراق وسوريا.
مخاوف انقرة
وبعدما اشار الى التقرير الى وجود ما بين 15 الى 20 مليون كوردي في تركيا، ما يمثل 20 % من السكان. اشار الى ان الحدود الاستعمارية التي وضعها الفرنسيون والبريطانيون، ادت الى تقسيم الكورد في كل المنطقة.
وتابع ان "التضليل" السوفياتي خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ادى الى تاجيج المعارضة الكوردية وتسبب في تحول بعض الجماعات الى الارهاب، مشيرا الى ان الغرض من وراء ذلك كان زعزعة استقرار شريك رئيسي في حلف الناتو.
واشار الى ان الجماعات الكوردية في شمال سوريا التي كانت تقاتل تنظيم داعش بدعم من الولايات المتحدة قد شكلت مناطقها الاقليمية الخاصة بها، مضيفا ان قيادتهم تدعم تنظيما ارهابيا متطرفا هو حزب العمال الكوردستاني المدرج على لائحة الارهاب في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.
واعرب التقرير عن الاسف لان انشطة ارهابية لجماعة صغيرة، تتسبب في احباط المطالب المشروعة للكورد بالاعتراف بعرقهم، مشيرا الى مسعى تركي لاقامة منطقة امنة بعمق 30 كيلومترا داخل شمال سوريا.
الى ذلك، رأى التقرير ان اوروبا والولايات المتحدة تفرضان بشكل خاطئ بتعاملهما مع تركيا، ان انقرة يجب ان تشارك مصالحهما، الا ان لدى تركيا مخاوف مشروعة اخرى، وهي من خلال الدفاع عن نفسها، فانها بذلك تساعد الغرب بحماية الاستقرار الاقليمي.
واوضح التقرير الاوروبي ان العمليات التركية في سوريا تعتبر منطقية من منظور مكافحة الارهاب، مضيفا ان الجهود التركية من اجل احتواء النفوذ الروسي في القوقاز والحفاظ على وحدة اراضي اوكرانيا، تبين انها ضرورية.
وتابع قائلا "ان نهج انقرة يختلف عن نهج الغرب، ولكن يتضح احيانا انه اكثر فعالية".
واشار الى انه في ظل تجاهل الغرب للمصالح التركية، فان انقرة مضطرة احيانا الى اللجوء لخطوات تعتبر ابتزازا، ولكنها في الواقع تحمي مصالحها الوطنية. كما خلص التقرير الى التذكير بان لتركيا نفوذها القوي في افريقيا، وتتمتع ايضا بضمان استقرار الشرق الاوسط وبامكانها ان تلعب دورا مهما في اسيا الوسطى.
واستنتج التقرير ان تركيا تمثل اهمية حيوية بالنسبة للغرب، وبرغم ذلك، فان الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي تتجاهل المصالح التركية وتقوم بتشويه سمعة انقرة على المسرح الدولي، محذرا من ان ذلك سيؤدي الى نتائج عكسية.
وختم التقرير بالقول ان اردوغان رئيس براغماتي، وهذا ما يجعله يعمد ال تغيير سياساته دائما، وبينما يرى كثيرون ان السياسة التركية غير متوقعة، الا انها منطقية وتحركها المصالح الوطنية، مضيفا انه من دون تركيا، فان امن اوروبا ومصالحها ستواجه تحديات متواصلة. ودعا التقرير الغرب الى بذل جهد لفهم انقرة، ما سيؤمن لاوروبا جوارا اقليميا اكثر امانا واستقرارا.