شفق نيوز/ وجهت الامم المتحدة نداء للتضامن مع العراقيين في مواجهة تحديات المناخ، وحددت في تقرير مفصل تقديراتها لمدى تردي الوضع البيئي وتأثيره على حياة المواطنين، واقتراحاتها للتصدي لهذا التدهور الذي يمس حياة ملايين الناس.
وذكر موقع "اوتشا" الاخباري التابع للامم المتحدة في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، ان "العراق المعروف تقليديا بارض بين النهرين او بلاد ما بين النهرين، وبالوفرة والخصوبة، يشهد بشكل متزايد أحداثا مناخية حادة ومتطرفة مما يضاعف من الهشاشة البيئية ومن ندرة في المياه"، مشيرة الى ان حوض النهر، شهد ثاني أدنى معدل هطول للامطار منذ 40 عاما، مع اثار ملموسة في جميع انحاء المنطقة.
واضاف انه في ظل "بناء السدود في البلدان المجاورة، انخفض معدل تدفق المياه في نهري دجلة والفرات في العراق بنسبة 29 ٪و 73 ٪على التوالي"، محذرا من ان "التأثير القاسي لتغير المناخ يهدد الامن الغذائي، وفقدان سبل كسب العيش ويحد من التقدم في مجال المساواة بين الجنسين، وهو يشكل تهديدا للتمتع الكامل بحقوق الانسان، خاصة بالنسبة للجماعات والاشخاص الاكثر هشاشة"، موضحا ان تأثير تغير المناخ يساهم في الاضطرار الى النزوح الداخلي والى الهجرة غير المستقرة.
واشار التقرير الى ان العراق "يتخذ خطوات للتحول نحو اقتصاد أكثر خضرة، بما في ذلك من خلال تعزيز الاستثمار في الغاز الطبيعي وتخصيص 12 جيجا واط من الطاقة المتجددة"، مضيفا ان "حكومة العراق، ومن خلال دعم من برنامج الامم المتحدة الانمائي، قامت بانهاء تقرير المساهمات المحددة وطنيا (NDC ) الذي يتناول ويعالج التخفيف من تأثيرات تغير المناخ وسبل التكيف معها"، وذلك بعد انعقاد مؤتمر الاطراف السادس والعشرين (COP26 K) وتعزيز العراق لالتزامه بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وفي اطار المساهمات المحددة وطنيا (NDC )، اشار التقرير الى ان العراق سيخفض بشكل طوعي 1-2 ٪ من انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون من الصناعة، وسيقوم بفتح نافذة استثمار 100 مليار دولار أمريكي في الاقتصاد الاخضر، لكلا القطاعين الخاص والعام على مدى السنوات العشر القادمة.
وفي حين اشار التقرير الى ان هذه التطورات تعتبر ايجابية، الا انه اكد على ان الدعم العالمي المستمر ما يزال مطلوبا، محذرا من انه بالنسبة لموسم المحاصيل القادم لعام 2021-2022 ، فمن المتوقع ان تكون الظروف أكثر جفافا في معظم انحاء المنطقة، بما يتوافق مع أنماط ظاهرة النينيا المناخية.
وذكر بان وزارة الزراعة العراقية قامت بتقدير نسبة إنتاج القمح والشعير في الاجزاء الشمالية من البلد، والتي تعتمد بشكل اساسي على هطول الامطار، حيث يمكن ان تكون أقل بنسبة 70%، وعليه فانه في تشرين الاول/ أكتوبر العام 2021 ، وتماشيا مع هذه التوقعات، قررت وزارة الزراعة تقليص المساحات السنوية للزراعة بنسبة 50 %، بالتشاور مع وزارة الموارد المائية.
وحذر التقرير من ان الفتك بالاسر وبسبل كسب العيش وخسارة الماشية والمحاصيل بسبب ندرة المياه، اصبح حقيقة واقعة لتلك المجتمعات المحلية الاكثر تضررا من تغيير المناخ، اضافة الى محدودية الوصول الى الاسواق بسبب القيود المفروضة على الحركة بشكل متقطع فيما يتعلق بوباء "كوفيد-19" وارتفاع أسعار الاعلاف والمعدات منذ تخفيض قيمة الدينار العراقي بنسبة 18 ٪ وانخفاض معدل هطول الامطار، مما يؤثر أيضا على مربي الماشية بسبب انخفاض مناطق الرعي وتوافر محاصيل العلف.
وتناول التقرير بشكل محدد محافظتي نينوى وصلاح الدين الشماليتين، وهما من المناطق الاكثر تضررا من نقص معدل الامطار، مشيرا الى ان تحليل برنامج الاغذية العالمي يحدد بان معدلات الاستهلاك الغذائي غير كافية واستخدام استراتيجيات تكيف سلبية بين الاسر مثل اقتراض المال أو تناول كمية طعام أقل، تقارب ضعف متوسط المعدل الوطني.
وذكر بان المحافظتين تضمان 2.5 مليون شخص عادوا إلى ديارهم بعد سنوات من النزوح، ويشكلون اكثر من نصف اجمالي عدد العائدين في العراق.
ونقل التقرير عن دراسة حديثة أجرتها المنظمة الدولية للهجرة سلطت فيها الضوء على الهجرة لسكان الريف والمزارعين بسبب الظروف الناجمة عن تغير المناخ وانتقالهم الى مدينة البصرة الجنوبية بحثا عن فرص عمل اخرى. وتابع ان هناك تحديات اخرى يواجهها أولئك الذين يهاجرون في سياق تغير المناخ ويحاولون الاستقرار في اوساط جديدة وبيئة معقدة برأس مال واجتماعي محدود مما قد يؤثر على قدرتهم في الوصول الى الخدمات والمطالبة بحقوقهم.
واضاف ان "المدن الجنوبية ما زالت تواصل معاناتها مع الامن الاقتصادي والحوكمة وقد لا تكون مستعدة بشكل جيد لاستيعاب تدفقات المهاجرين.
ولفت الى ان تقرير تحليل السكان الصادر عن صندوق الامم المتحدة للسكان يظهر ان الهجرة المستمرة أدت الى توزيع غير متوازن للسكان حيث يعيش ما يقرب من 70 ٪ من السكان في المناطق الحضرية، مما يؤثر سلبا على التنمية الزراعية، مضيفا انه من المتوقع ان تقوم النساء والفتيات بالسير لمسافات أطول من اجل الحصول على المياه وجلبها، مما يعرضهن لمخاطر أكبر من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وتابع انه من الممكن ان "يؤدي فقدان سبل كسب العيش إلى زيادة زواج الاطفال وحمل المراهقات، ونزاعات بين المجتمعات المحلية".
واوضح ايضا انه وفقا لمؤشر المخاطر المناخية على الاطفال لمنظمة اليونيسيف، فان الاطفال والشباب معرضون لمخاطر مناخية من متوسطة الى عالية في العراق، مع وجود فئات تعاني الهشاشة ومناطق معينة من البلد معرضة لمخاطر أكبر.
وبحسب التقرير، فان لدى العراق أعلى معدل نمو سكاني سنوي في المنطقة بنسبة 2.8 ٪ وتبلغ نسبة عدد السكان الذين هم في سن العمل نحو 57 %، مشيرا الى ان الوقت قد حان لكي يقوم المجتمع الدولي بدعم العراق في تسخير إمكاناته للنمو المستدام، ودفع التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومعالجة ازمة المناخ ، والوفاء بالتزامات المجتمع الدولي في مجال حقوق الانسان لمنع الاثار السلبية المتوقعة لتغير المناخ، والتكيف مع تلك التي تحدث بالفعل حاليا، على جميع المجتمعات العراقية المتنوعة، وتوفير حياة كريمة لسكانه.
واكدت الامم المتحدة انها تقوم بتقديم الدعم الى العراق بشأن التخفيف من آثار تغير المناخ، وذلك من خلال تصميم مشاريع مستدامة تركز على خلق سبل لكسب العيش والتنمية على المدى المتوسط والطويل الاجل، والتي من شانها تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية في كفاءة المياه والصرف الصحي والري وإدارة استهلاك المياه، وكذلك استخدام الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية. كما تعمل الامم المتحدة أيضا مع الحكومة على التدريب وتنمية المهارات وتعزيز القدرة على التصدي لتغير المناخ، وتعمل على زيادة الوعي العام بمواضيع استهلاك المياه والادارة المستدامة للمياه.
وبرغم ذلك، يحذر التقرير من ان الوضع الاقتصادي في البلد ما يزال غير مستقر، وانه بالنسبة الى المجتمعات المحلية التي تعاني من هشاشة الاوضاع، والتي تعتمد الغالبية العظمى منها على الزراعة وصيد الاسماك والثروة الحيوانية كمصدر للعيش، فإن تغير المناخ يشكل طبقة اخرى من الاجهاد لا يمكنهم تحملها بمفردهم.
وفي اطار اتفاق باريس، دعا تقرير الامم المتحدة الحكومة والمجتمع الانساني للتنمية، الى الاستجابة الان وبالتعاون مع الشركاء من كلا القطاعين العام والخاص، والمجتمع المدني، والنساء، والشباب، والمهاجرين، والنازحين والمجتمعات المتضررة، للاستثمار في الحلول وتحسين آفاق الامن الغذائي على المدى الطويل، ومنع تفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية، من خلال استخدام نهج قائم على حقوق الانسان، وضمان إمكانية التخفيف من تأثير تغير المناخ على السكان في العراق، خاصة أولئك الذين يعيشون في أكثر الاوضاع هشاشة.
وخلص التقرير الى القول انه يجب دعم الدولة العراقية من اجل مواصلة اتخاذ الاجراءات لادارة مواردها الطبيعية، بدءا بالمياه، والاستثمار في الابتكارات التكنولوجية مثل استخدام الطاقة المتجددة وتخصيص الموارد الكافية للحلول المستدامة.
وصدر التقرير باسماء، إيرينا فوياشكوفا- سوليورانو، المنسقة المقيمة للامم المتحدة ومنسقة الشؤون الانسانية، والدكتور صلاح الحاج حسن، ممثل منظمة الزراعة والاغذية، وجورج جيجوري، رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة، ودانييل بيل، ممثلة مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان في الأمم المتحدة، وزينة علي أحمد، الممثل المقيم لبرنامج الامم المتحدة الانمائي، والدكتورة ريتا كولومبيا، ممثلة صندوق الامم المتحدة للسكان، وشيما سان غوبتا، ممثلة اليونيسف، بالاضافة الى علي رضا قريشي، ممثل برنامج الاغذية العالمي.