شفق نيوز/ استعرض معهد "صوفان" الأمريكي تعقديدات العلاقات التي يتحتم على بغداد التعامل معها، فيما يتعلق بأنقرة وواشنطن وطهران وأربيل، معتبراً أنها تحاول موازنة هذه العلاقات، بما في ذلك مع إيران بمرحلة جديدة مع مجيء الرئيس مسعود بزشكيان إلى الرئاسة، واستمرار الولايات المتحدة في ضغوطها لإبعاد الحكومة العراقية عن النفوذ الإيراني وعن "محور المقاومة" التابع لها.

واعتبر التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، أن جهود العراق من أجل الخروج من عقود من الحرب والعقوبات والعزلة الإقليمية، تهشد تعقيداً بسبب الأجندات الطموحة لجيرانه الأقوياء والدول التي تتمتع بالقدرة على توجيهه.

وأشار إلى أن واشنطن تعتبر أن التوترات بين العراق وتركيا ثانوية، على الرغم من وجود قوات تركية في المناطق الحدودية لمواجهة مسلحي حزب العمال الكوردستاني.

معايير أمريكية مزدوجة

وبعدما لفت التقرير إلى أن هذا الموقف يعكس "معايير مزدوجة" من جانب واشنطن، إلا أنه أشار إلى أنه بالإمكان فهم ذلك حيث أن إيران و"محور المقاومة" التابع لها، هما بمثابة خصمين للولايات المتحدة، في حين أن تركيا، على الرغم من اختلافات الرئيس رجب طيب أردوغان مع السياسة الأمريكية، فإنها عضو في حلف "الناتو" الذي يستضيف قواعد أمريكية.

وبينما ذكرّ التقرير بتوغل القوات التركية في مناطق إقليم كوردستان مؤخراً، وذلك بعد الزيارة التاريخية لأردوغان إلى بغداد والتي ناقش خلالها هو ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الخطوات التي يمكن القيام بها ضد حزب العمال الكوردستاني، إلا أنه قال إن توسيع التحركات العسكرية التركية في شمال العراق خلال شهر تموز/ يوليو الجاري، لم يتم تنسيقه مع بغداد، حيث كان رد فعل العراق غاضباً.

ولفت إلى أن وفداً عراقياً رفيع المستوى، بقيادة مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، قام بزيارة عاصمة الإقليم أربيل في 11 تموز/ يوليو الجاري لتنسيق مواقف بغداد مع سلطات الإقليم بشان الهجوم التركي الموسع.

وتابع التقرير قائلاً إن رد فعل بغداد على الخطوة التركية كان هدفه على ما يبدو إرضاء الكورد في ظل التوترات المستمرة معهم، في إشارة إلى استمرار الخلاف مع الحكومة الاتحادية حول صادرات نفط الإقليم منذ آذار/ مارس 2023، ما ألحق خسائر كبيرة ببغداد وأربيل من خلال إيقاف صادرات 450 ألف برميل من النفط الخام يومياً.

التوغل التركي ورد الفعل

ومع ذلك، قال التقرير الأمريكي إن معظم الخبراء والمسؤولين العالميين اعتبروا أن رد فعل بغداد على التوغل التركي، بأنه ضعيف نسبياً، وهدفه التقليل من أهمية القضية من أجل منع الخلافات حول العمليات التركية من إلحاق الضرر بالعلاقة الأوسع بين العراق وتركيا.

وفي الوقت نفسه، أشار التقرير إلى أن الحكومة العراقية تحاول ترتيب أول لقاء منذ أكثر من عقد بين أردوغان ونظيره السوري بشار الأسد، ونقل التقرير عن مراقبين قولهم إن بإمكان العراق الاستفادة من هذه الوساطة بين بلدين يقعان على حدوده.

وأوضح أن التقارب بين سوريا وتركيا سيساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي، مما ينعكس بشكل إيجابي على الأوضاع الأمنية والاقتصادية في العراق، كما أن توسط بغداد بين الأسد وأردوغان، من شأنه أن يعزز من المكانة الإقليمية للعراق بدرجة كبيرة.

وتابع التقرير أنه بينما تحاول حكومة السوداني إدارة علاقاتها مع كورد العراق ومع تركيا، العضو في حلف "الناتو"، فإنها في الوقت نفسه تقوم بتقييم العلاقات مع طهران، وهي علاقة قال التقرير إنها تشكل مصدر قلق كبير في واشنطن.

الدور الإيراني

وأشار التقرير إلى أن المسؤولين العراقيين، مثل المسؤولين الأمريكيين، يحاولون تحديد ما إذا كانت سياسات إيران الإقليمية قد تتغير بعد الانتخاب غير المتوقع للإصلاحي مسعود بزشكيان كرئيس للجمهورية، مضيفاً أن الرئيس الايراني الجديد تحدث هاتفياً مع الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، قائلاً إن "حجم العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية بين العراق وإيران لا يحتاج إلى تفسير"، بينما هنأ رشيد الرئيس الإيراني واصفاً العلاقة بين البلدين بأنها "عميقة وقوية وتتوافق مع مصالح البلدين".

لكن التقرير لفت إلى أنه برغم الاتصال الهاتفي مع بزشكيان، فإن الموقف متناقض، حيث أن الرئيس الإيراني الجديد يدعو إلى اتخاذ موقف إيراني إقليمي أقل عدوانية، في حين أن واشنطن ستواصل الضغط على الحكومة العراقية لكي تنأى بنفسها عن إيران، التي لها نفوذ نفوذ سياسي واقتصادي وإستراتيجي على بغداد، بما في ذلك من خلال الميليشيات المتحالفة مع إيران في إطار "محور المقاومة".

وفي حين تحدث التقرير عن مسعى أمريكي من أجل إجبار حكومة السوداني على تسريح الميليشيات الموالية لإيران، إلا أنه قال إن هذه الجماعات تعتبر جزءاً من حركات سياسية قوية لها قاعدة قوية بين الأغلبية الشيعية، بينما لا تريد بغداد المجازفة بنشوب حرب أهلية من خلال التحرك ضد إيران.

ومع ذلك، قال التقرير إن بغداد وطهران اللتان لا تسعيان إلى صراع مع الولايات المتحدة، أقنعتا شبكة الميليشيات العراقية المدعومة من إيران بوقف مهاجمة القواعد في العراق.

ولفت التقرير إلى أنه برغم أن غالبية العراقيين يعارضون بقوة العمليات الإسرائيلية في غزة، فإن المسؤولين العراقيين اخذوا بعين الاعتبار التحالفات الدبلوماسية الأوسع للبلاد في صياغة سياستها بشأن حرب غزة.

وأوضح التقرير أن المسؤولين العراقيين، وبرغم انتقادهم الحاد لإسرائيل، إلا أنهم ينفون موافقتهم أو دعمهم الجهود التي تبذلها الميليشيات لشن هجمات مناهضة لإسرائيل بالتنسيق مع حزب الله اللبناني وشركاء المحور الآخرين.

ورأى التقرير أن جهود الحكومة العراقية للنأي بنفسها عن عمليات "محور المقاومة" التي شنتها إيران بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يعكس مدى الضغوط التي تمارسها واشنطن، مضيفاً أن العراق أقرّ مجدداً، باستمرار اعتماده على الولايات المتحدة في مجال الدعم الأمني من خلال إرسال وزير الخارجية فؤاد حسين إلى قمة "الناتو" في واشنطن في الفترة من 8 إلى 11 يوليو/ تموز الجاري، مذكراً بتوسيع مهمة الحلف في العراق، بطلب من حكومة السوداني، لتشمل دعم وزارة الداخلية العراقية وقيادة الشرطة الاتحادية.

كما لفت التقرير إلى أن السوداني أوضح للفصائل المتحالفة مع إيران، والتي تشكل جزءاً من الائتلاف الحاكم، أن حكومته لن تطلب من واشنطن أن تسحب قواتها من العراق خلال المفاوضات بشأن اتفاق الإطار الإستراتيجي، على الرغم من أن إخراج القوات الأمريكية من العراق، كان دائماً هدفاً لطهران وحلفائها في العراق.

المحيط العربي

وإلى جانب كل ذلك، قال التقرير إن زعماء العراق يتطلعون إلى واشنطن باعتبارها قناة من أجل إعادة دمج العراق في الحظيرة العربية بعد سنوات عديدة من القطيعة في ظل نظام صدام حسين.

وبعدما قال التقرير إن غالبية الدول العربية المعتدلة تعتبر حليفة للولايات المتحدة، وخصوصاً الدول العربية في الخليج، أوضح أن قادة الولايات المتحدة سعوا إلى التقريب بين زعماء العراق والزعماء العرب المعتدلين، بما يصب في صالح الاقتصاد العراقي والبنية التحتية للعراق والحد من النفوذ الإيراني في البلد.

وختم التقرير بالقول إن حدوث خلاف مع واشنطن فيما يتعلق بعلاقات العراق مع إيران، قد يؤدي إلى عودة العراق إلى عزلته عن المعسكر العربي، مضيفاً أنه من المتوقع أن يقوم العراق بخطوة كبيرة في إعادة اندماجه في العالم العربي من خلال استضافة القمة العربية المقبلة في ربيع العام 2025، بعدما وافقت الجامعة العربية على طلب بغداد استضافة القمة.

ترجمة وكالة شفق نيوز