شفق نيوز/ قال "معهد واشنطن" الأمريكي، يوم الأربعاء، إن طهران تعمل على إعداد الإيرانيين لاحتمال حدوث اي من الاحتمالين، نجاح الاتفاق النووي او فشله، بالرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد.
وذكر التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، انه "برغم عدم وضوح ما إذا كان المرشد الأعلى السيد علي خامنئي سيوافق على قبول حلول توافقية ضرورية للتوصل إلى الاتفاق النووي، الا ان مسؤولي النظام يعززون الى الحد الاقصى من مساحة المناورة المتوفرة لديهم، من خلال إعداد البلاد لكلتا الحالتين".
وتابع، انه "منذ تولى الرئيس ابراهيم رئيسي منصبه في العام الماضي، دأبت إيران على عدم إعطاء الأولوية لأهمية العودة إلى "خطة العمل الشاملة المشتركة"، إلا أن خطابها بشأن هذه المسألة تغير بعدة طرق ملحوظة مؤخرا، اذ انه مع اقتراب المفاوضين من مفترق طرق آخر في المحادثات النووية، وتقارير تتحدث عن "مسودة نهائية" وزعها المسؤولون الأوروبيون، يبدوا أن النظام الإيراني يقوم بإعداد كوادره وجمهوره الأوسع لقبول حل توافقي إذا أصبح ضروريا من الناحية السياسية أو الاقتصادية، سواء بشكل وشيك أو في المستقبل.
واعتبر التقرير ان "المسؤولين الإيرانيين يتبعون قواعد اللعبة نفسها التي وضعت في العام 1988، عندما تحتم على النظام إيجاد طريقة للخروج من حرب طويلة ومدمرة مع العراق على الرغم من إعلانه مراراً وتكراراً أنه سيقاتل حتى النهاية"، مشيرا الى انه "في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، تمثّلَ الهدف في بناء إجماع داخلي، واستثمار درجة معينة من الوقت والموارد في تبرير النظام لسياساته محليا".
ورأى ان "الجهود التي تبذلها السلطات الايرانية حاليا تعكس النشاط الموثق في مذكرات الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي ساعد في قيادة المجهود الحربي في العام 1988، بينما كان في الوقت نفسه يبذل كل ما في وسعه لإنهاء الحرب، حيث تحدث في مذكراته اليومية، عن انه سعى من اجل إقناع بقية القيادة بأن إيران كانت في حالة يُرثى لها ولم يعد بإمكانها تحمُّل استمرار النزاع، وذلك بالتعاون مع الرئيس آنذاك (الذي كان سيصبح المرشد الأعلى في موعد قريب) علي خامنئي لإحاطة "مجلس الشورى الإسلامي" والقوات المسلحة ومختلف مجالس النظام وجمعياته بشكل مكثف".
وتشير المذكرات الى ان "رفسنجاني وخامنئي عمما الرسالة نفسها على مسؤولي النظام من الرتبة المتوسطة والجمهور الأوسع، من خلال إصدارهما تعليمات للأئمة بنشر السردية الجديدة في خُطَب صلاة الجمعة، وعَقدهما مؤتمرات صحفية لشرح المنطق الذي يكمن خلف اتباع هذه السياسة، وتنسيقهما الجهود الإعلامية لتصوير نتيجة الحرب على أنها انتصار ايراني".
وتابع التقرير انه "على الرغم من خطر رد الفعل العنيف من قبل أنصار النظام الأكثر تشدداً، قرر المرشد الأعلى روح الله الخميني في نهاية المطاف تجرع ما يسمى بـ"الكأس المُرّة" من خلال تأييد التسوية من أجل بقاء النظام، بينما تمكّنَ رفسنجاني وخامنئي من تشتيت الاعتراض المحلي على القرار".
واضاف ان "طهران استخدمت أسلوب العمل نفسه عندما برزت حاجة للتوصل إلى حلول وسط خلال المفاوضات النووية التي جرت في عامَي 2003 و2015". ما الذي يقوله النظام للإيرانيين؟ وذكر التقرير الأمريكي ان رسائل طهران الأخيرة تركز على ثلاث نقاط رئيسية.
واوضح ان هذه الرسائل تشدد أولاً على أنه في حين أن الصفقة هي في متناول اليد، إلّا أن الكرة الآن في الساحة الامريكية، وعلى واشنطن تقديم المزيد من التنازلات، مشيرا الى ان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية قال في 15 آب/أغسطس الحالي إن مسودة الاتفاقية الأوروبية لا تلبي مطالب إيران حتى الآن، على الرغم من التقدم النسبي الذي أحرزه الطرفان، كما ان وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية "إرنا" أكدت مرارا أن على واشنطن اتخاذ القرارات السياسية اللازمة.
كما كرر وزير الخارجية أمير عبد اللهيان هذه الرسالة، مشيراً إلى أنه على الولايات المتحدة أن تتنازل وتُقدّم ضمانات بأن الصفقة ستستمر.
وبالاضافة الى ذلك، قدّمت الصحف المتشددة حججاً مماثلة حيث أكّد مقالٌ نُشر في 17 آب/أغسطس في صحيفة "جافان" أن طهران جعلت من الصعب على واشنطن رفض الاتفاق، بينما شددت صحيفة "كيهان" مراراً على أن اتفاقاً دون تخفيف حقيقي للعقوبات الأمريكية وضمانات تقدّمها الولايات المتحدة من شأنه أن يُلحق الضرر مجدداً بإيران، وحثّت الحكومة على تذكُّر أن عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من وجود اتفاق سيء.
ولفت التقرير الى أن هذه الرسائل ربما تشكل طريقة يعتمدها النظام للاحتراز من الانتقادات المستقبلية المحتملة من العناصر المحلية التي دفعت باتجاه اتباع استراتيجية أكثر واقعية للتفاوُض.
وتابع ان الرئيس السابق حسن روحاني اكد الشهر الماضي أنه كان من الممكن إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة" خلال فترة ولايته لو لم يوافق "مجلس الشورى الإسلامي" على قانون في كانون الأول/ديسمبر 2020 الذي طالبَ الحكومة بتقليص التزاماتها بموجب الاتفاقية.
والنقطة الثانية التي تركز عليها الرسائل الايرانية تتمثل في اشادة المسؤولين المحافظين ووسائل الإعلام المحافظة بالمفاوضين (وبالتالي بحكومة رئيسي)، في محاولة واضحة لتفادي توجيه أي انتقادات متشددة في المستقبل لدوافع الفريق أو أدائه، وهو اختلاف صارخ عن المعاملة التي تلقتها دائرة روحاني. وعلى سبيل المثال، وصف الإمام الذي أقامَ صلاة الجمعة في طهران في 12 اب/اغسطس الحالي، المفاوضين بأنهم "فريق متمرس وثوري".
وعلى نحو مماثل، أشار الرئيس رئيسي في 21 آب/أغسطس إلى أن إيران حصلت على "جزء كبير من مطالبها" من خلال "نهجها المشرّف"، كما أن صحيفة "كيهان" التي غالباً ما تنتقد المحادثات النووية، أشارت في 15 آب/أغسطس إلى أن المفاوضين حرصوا على الإصرار على مبادئ إيران ومصالحها، مضيفةً أن الصفقة الحالية أقوى بكثير من تلك التي تساوم عليها حكومة روحاني. وبرغم ان "كيهان" أوضحت أيضاً أن المسودة الأخيرة لا تزال غير مقبولة، الا انه برغم ذلك، فان تأييدها للفريق المفاوض كان بمثابة إشارة موجهة إلى القراء المحافظين والمتشددين، وذلك لدعم مواصلة المفاوضات حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق في الأيام المقبلة.
اما النقطة الثالثة التي تركز عليها الرسائل الايرانية، فإنها كما في الماضي، حيث يقول مسؤولو النظام إن الاتفاق ليس أمراً إلزامياً بالنسبة لإيران وأن البلاد لديها "خطة بديلة"، كما أشار حسين عبد اللهيان في 15 آب/أغسطس.
وبالمثل، قال نائبه مهدي سفاري، المسؤول عن الدبلوماسية الاقتصادية في وزارة الخارجية الإيرانية وشغل سابقاً منصب سفير لدى روسيا والصين، لصحيفة "اعتماد" الإصلاحية أن "العقوبات لا تعادل الموت".
كما انه في 22 آب/أغسطس، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية إن الغرب يحتاج إلى التوصل إلى اتفاق أكثر من إيران، ثم أعلن أن النظام سيتابع مسار سياسته الخارجية الحالية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
وأثنت صحيفة "كيهان" على هذه الحجة، فزعمت أن إيران هي في "موقع متفوق" لأن واشنطن وأوروبا هما في أمس الحاجة إلى نفطها.
وفيما يتعلق بما قد تنطوي عليه "الخطة البديلة" على وجه التحديد من الناحية العملية، ذكر التقرير ان الممثل البارز لـ"مجلس الشورى الإسلامي" إسماعيل كوثري حذر في 16 آب/أغسطس من أن إيران ستزيد قدرتها على تخصيب اليورانيوم الى 190 ألف وحدة عمل فصل إذا لزم الأمر.
الطريق إلى المستقبل
وختم التقرير بالقول انه على الرغم من أن المرشد الأعلى خامنئي لم يتحدث عن المفاوضات النووية منذ أسابيع، إلّا أنه يُفترض أن هذا ليس إلا التكتيك الذي يتبعه عادةً لعزل نفسه عن التعرض للّوم إذا نشأ خلاف، سواء من خلال تقديم تنازلات أو تجنب عقد اتفاق سريع.
وتابع قائلا انه ، فإن السيد خامنئي هو الذي يتولى تنسيق كافة القرارات والتوجيهات النووية الصادرة عن "المجلس الأعلى للأمن القومي" ويوافق عليها.
واشار التقرير الى انه في الوقت الحالي، لم يتضح بعد ما إذا كان خامنئي مستعداً لتقديم المزيد من التنازلات، أو يفضّل الاستمرار في التخلي عن مزايا "خطة العمل الشاملة المشتركة" على المدى القريب.
وخلص الى القول الى انه من خلال تهيئة الجمهور لمجموعة واسعة من البدائل، فإن رسائل طهران الحالية قد تُمكّن خامنئي من تأجيل القرار إذا رغب في ذلك، إلا أن هذه الاستراتيجية قد تتسبب بنتائج عكسية أيضاً، نظراً إلى الوضع العسير الذي يعاني منه الاقتصاد الإيراني اساسا، مشيرا الى ان التفاؤل الأخير بشأن مصير "خطة العمل الشاملة المشتركة" ادى إلى تحسين سعر صرف الريال مقابل الدولار، لكن الفشل في التوصل إلى اتفاق (أو على الأقل الحفاظ على المحادثات) قد يؤدي الى ادخال الأسواق الإيرانية في حلقة مفرغة أخرى.