شفق نيوز/ أثارت مجلة "التايم" الامريكية معاناة العراق مع ازمة التغيير المناخي والتصحر، وكيف أن منظمات مدنية ودينية في مدينة كربلاء مثلا اخذت على عاتقها مهمة التعامل مع ذلك في ظل تخلي السلطات الحكومية عن أداء دورها.
وأشار تقرير المجلة الأمريكية تحت عنوان "لماذا هذه المدينة في العراق تجتمع معا لإنقاذ نخيلها؟" ترجمته وكالة شفق نيوز؛ الى ان الحروب التي شهدها البلد، دمرت ثروته من أشجار النخيل على مدى عقود.
ووصف التقرير نمو نحو 70 ألف شجرة نخيل من عشرات الأنواع في بقعة صحراوية محيطة بمدينة كربلاء، فيما يجول العمال حول الأشجار ويقطعون الأغصان الميتة ويتفحصون خراطيم المياه للري بجانبها، وهي حديقة تسمى فدك، في إطار مشروع خيري نفذته سلطات مرقد الامام الحسين.
ونقل التقرير عن المهندس محمد عادل وهو يجلس في مقطورة مكيفة وسط أشجار النخيل التي تعتبر رمزا وطنيا للعراق، وهو يحتسي الشاي ويتناول التمور، قوله إن
عدد اشجار النخيل في العراق تقلص الى النصف خلال العقود الاربعة الاخيرة، بسبب سلسلة الحروب، من الحرب العراقية الايرانية، ثم حرب الخليج الأولى 1990، ثم الغزو الامريكي العام 2003.
وأوضح المهندس العراقي انه مع كل حرب كانت هناك حالة من الفوضى ويقوم مواطنون بقطع الأشجار والحدائق ليشيّدوا مكانها الشقق السكنية.
واضاف ان "المناطق الحدودية للعراق مع الكويت او ايران والتي كانت حافلة بالنخيل تم حرقها أو قصفها" خلال الحروب. واضاف مشيرا الى منذ الغزو الامريكي العام 2003، ان "الدولة لم تهتم بإنقاذ النخيل".
الا ان التقرير الامريكي اشار الى ان التغير المناخي يجعل الامور اسوأ، فيما يعتبر العراق خامس أكبر دولة تعرضاً لتأثيرات التغيرات المناخية، وهو أيضا ثاني أكبر منتج للنفط الخام بين دول أوبك، في حين يعتبر العلماء أن على العالم تقليل اعتماده على الوقود الأحفوري من أجل التخفيف من ارتفاع درجات الحرارة عالميا.
وتابع التقرير؛ أنه الى ان يتحقق ذلك، فإن المجتمعات كتلك الموجودة في كربلاء، هي التي ستتحمل وطأة التأثيرات المناخية وستعمل على مواجهة التحدي المتمثل في إيجاد أساليب محلية الطابع من أجل التكيف مع هذه الأزمة العالمية.
واوضح التقرير انه خلال السنوات الأربع الماضية، تولت الجماعات والمؤسسات في كربلاء مثلا السلطات المسؤولة عن ضريح الحسين المقدس وضريح عباس المقدس ومجموعة من الجمعيات الشبابية وبعض المزارعين، زمام المبادرة في ظل غياب دعم الدولة.
ونقل التقرير عن المهندس محمد عادل قوله "اننا بحاجة الى التعاون، اذ ان يد واحدة لا تكفي".
واضاف ان مشروع حديقة فدك بدأ في العام 2015 بقرض قيمته 6.8 ملايين دولار من الحكومة العراقية، وكان يستهدف احياء الطبيعة في كربلاء، مضيفا أنه منذ العام 2006، تقلصت المساحة الخضراء في المحافظة بنسبة 40٪ ، وفقا لما تقوله منظمة "كربلاء الخضراء" المحلية.
ولفت الى ان الكثير من الأراضي الزراعية الغنية التي كانت تحيط بمدينة كربلاء، اختفت خلال السنوات الماضية، وإلى أنه في ظل نمو عدد أقل من الاشجار بسبب ارتفاع درجة الحرارة والجفاف فيما يجري تقطيعها لخدمة مشاريع التنمية الحضرية، فان التربة تتعرض الى المزيد من التآكل، ويؤدي ذلك الى المزيد من التصحر.
وأشار التقرير إلى أنه مع تآكل التربة بما يسبب التصحر، فإن كربلاء تأثرت بوجه خاص بذلك، اذ انها تقع في منطقة حارة في العراق، وهي شهدت زيادة في درجات الحرارة بمقدار 1.6 درجة مئوية من العام 1979 إلى العام 2019 ، ما يمثل زيادة تتخطى المتوسط العالمي البالغ 0.72. درجة مئوية خلال الفترة الزمنية ذاتها.
في جميع أنحاء العالم، يركز المزارعون والأكاديميون بشكل متزايد على كيفية تبني ممارسات إدارة الأراضي التقليدية التي تم التخلي عنها في السابق من أجل الحد من هذه التأثيرات المناخية.
ونقل التقرير عن زمن الشمري، وهو من المزارعين الذين يعملون جزئيا في حديقة فدك ، قوله إن نقل هذه المعلومات أمر بالغ الأهمية.
وتابع التقرير؛ ان الشمري باعتباره من الخبراء بزراعة التمور، فإنه يقوم بتقديم الشرح للعمال الآخرين في الحديقة حول "كيفية ممارسة الري بشكل سليم وحصاد التمور والتصدي للآفات".
واضاف انه عندما "يسألونني عن كيفية معرفتي هذه التقنيات، فأقول لهم اننا تعلمناها من ابائنا واجدادنا".
وذكر التقرير؛ أن الجهود المبذولة لإعادة إحياء المناطق الخضراء في كربلاء الى ما وراء حديقة فدك، مضيفا ان الشمري حيث يعيش على مشارف المدينة هناك العديد من البساتين المترابطة والتي تبدو كما لو انها غابة المزارع الصغيرة الحافلة بأشجار التمر والرمان والباذنجان والفاصوليا الى جانب الماشية التي تتظلل تحت النخيل.
وتابع التقرير؛ أن وسط كربلاء كان يتميز بانتشار المناطق الخضراء، إلا أن عددا كبيرا من هذه الأشجار جرى تدميرها، فيما يقول السكان المحليون أن السبب الرئيسي يتمثل بالزحف العمراني والذي يعزز الحرارة والتصحر خلال العقدين الماضيين.
ومن أجل مواجهة ذلك، قال التقرير أن طالب الماجستير في الهندسة الزراعية في جامعة كربلاء الحسن نصرالله جمعية "كربلاء الخضراء" في العام 2019، وذلك بهدف التحرك سريعا ضد التوسع العمراني المتسارع والفوضوي عبر حماية البساتين وخلق مساحات خضراء جديدة للتصدي لتصاعد حرارة المدينة.
اشتمل المشروع الأول للمجموعة في خريف عام 2019 على 250 نشاطا زراعيا على مدار ثلاثة أيام في حرم جامعة كربلاء. "لقد بدات انا واصدقائي في زراعة الشجيرات التي يمكنها تحمل الحرارة والحد الأدنى من المياه في العراق: اكاسيا ، و أشجار العناب ، والأوكالبتوس" - جميع النباتات التي يزرعها نصر الله في مشتلته المهنية، كما يقول.
ونقل التقرير عن نصرالله قوله مشيرا الى زراعة الشجيرات التي قاموا بها قوله إنه "أوضحنا للسكان المحليين كيفية الاعتناء بالأشجار وقلنا لهم: هذه الشجرة ملكك. إنها مسؤوليتك الآن".
وإلى جانب التحدث مع الطلاب في الجامعة حول البيئة وأهمية المحافظة على الطاقة ومواجهة التغيير المناخي، فإن الجمعية تقوم ايضا بتوزيع كتيبات بهدف تثقيف الزائرين. ويقول حسن زيني، وهو أيضا من مؤسسي الجمعية، "نقول لهم ان الامام الحسين دافع عن البيئة ويهتم بالزراعة".
إلا أن التقرير الأمريكي اعتبر ان مثل هذه المشاريع الشعبية غير كافية، يتحتم أن تكون هناك جهود مبذولة من جانب الحكومة. ونقل التقرير عن الأستاذ في الهندسة البيئية في جامعة بغداد حيدر محمد عبد الحميد قوله إن "المشاركة الحكومية محدودة للغاية حتى الآن"، وذلك بسبب نقص الميزانية المخصصة للتخفيف من التغير المناخي، ونقص المعرفة حول تأثيرات المناخ والاضطرابات السياسية والفساد المالي".
ولكن بعيدا عن الإجراءات الحكومية - والتخفيض الجذري لاعتماد العراق على صناعة النفط - يقول الكثيرون إن المجتمع الدولي يجب أن يلعب دورا أيضا.
ولفت التقرير إلى أن دولا مثل العراق تواجه بعضا من أضخم الأعباء التي يتسبب بها التغير المناخي لكنها ساهمت بقدر أقل بكثير في المشكلة (0.61٪ من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون العالمية في عام 2020 ) مقارنة بالدول الأكثر تلوثاً في العالم مثل الولايات المتحدة والصين.
وتابع ان بعض العراقيين ان يقولون ان تلك الدول الأكثر ثراء والأكثر تلويثا بالغازات، امامهم مسؤولية خاصة بمساعدة العراق، مذكرا بأن وكيل وزارة البيئة العراقية جاسم الفلاحي انتقد خلال مؤتمر غلاكسو للمناخ في العام الماضي، الدول المتقدمة لأنها فرضت العبء على الدول الضعيفة من أجل الانتقال الفوري من الاعتماد على النفط من دون خطة انتقالية واضحة.
وتابع الفلاحي "ان مسؤولية المجتمع الدولي الآن تتمثل بدعم العراق من اجل تنويع موارده الاقتصادية من خلال المساعدات الفنية وتحسين قيادته الاقتصادية ونقل التكنولوجيا".
الا ان الشمري المزارع يبدو متشككا وهو يقول "نحن كمواطنين نعلم عن التغيير المناخي، لكننا إذا ذهبنا من أجل تقديم شكوى الى البلدية ، فإنهم لن يستمعوا إلينا إلا إذا قدمنا لهم رشوة. هذه المشاكل التي نمر بها.. انها بسبب الحكومة".
وختم التقرير بالقول إن تجربة كربلاء تظهر كيف أنه بإمكان المجتمع العملة سوية للتغلب على درجات الحرارة المرتفعة. ونقل عن محمد عادل قوله "الهواء يبدو الآن أكثر برودة تحت المناطق المظللة داخل حديقة فدك وحولها.. هذه المساحة كانت في يوم من الايام صحراء قاحلة. لا طيور ولا حيوانات ولا حياة، والآن هناك مياه وحيوانات".
ترجمة: وكالة شفق نيوز