شفق نيوز/ علق موقع "معهد كوينز" الأمريكي على زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الى دمشق قبل أيام، وهي الزيارة الاولى من نوعها منذ العام 2010، معتبرا أنه على الولايات المتحدة أن تتفهم أنه رغم العنف الذي مارسه الرئيس السوري بشار الاسد، الا ان الملفات الإقليمية المهمة لا يمكن التعامل معها بدونه.

وذكر التقرير الأمريكي، بترجمة وكالة شفق نيوز، أن السوداني والأسد بحثا قضايا تؤثر على العراق وسوريا، بما فيها الإرهاب والمياه وتهريب المخدرات والنازحين والهجمات الإسرائيلية والعقوبات الأمريكية والتنمية الاقتصادية، مضيفا أنه برغم أن الشركاء الغربيين للعراق لا يحبذون انخراط الدول العربية مع دمشق، الا ان مسؤولين في بغداد يقولون ان حدوث ذلك يخدم المصالح الوطنية للعراق على خلفية تزايد اعادة دمج دمشق في السياق الإقليمي.

وبعدما تطرق التقرير الى التاريخ المتوتر للعلاقات بين دمشق وبغداد منذ أيام الرئيس الأسبق صدام حسين، رأى أن الخطر الوجودي الذي يمثله تنظيم داعش لكل من دمشق وبغداد، جعل من العاصمتين تتقاربان، لكن العلاقات اتسمت بالبرود بعدما تولى حيدر العبادي رئاسة الحكومة في العام 2014 إذ ان العبادي سعى الى النأي بنفسه عن إيران بشكل أكبر من سلفه نوري المالكي، وهو موقف جاء في ظل الضغوط من جانب الولايات المتحدة.

والآن، يقول التقرير إنه في ظل وجود السوداني وحكومة حلفائه المقربين من طهران منذ تشرين الاول/ اكتوبر الماضي، وبينما غالبية العالم العربية تطبع العلاقات مع الأسد بعد سنوات العزلة، فإن العلاقات بين العراق وسوريا أخذت بالتطور بشكل لافت.

وتابع التقرير، أنه من وجهة نظر بغداد، يعتبر التعامل مع دمشق شيئا براغماتيا، حيث يتشارك البلدان في حدود يبلغ طولها 375 ميلا تقريبا، وهناك العديد من التحديات الامنية والمشاكل الاقتصادية والبيئية التي تربطهما معا.

ونقل التقرير عن مدير مركز الأمير الوليد للتفاهم بين المسيحيين والمسلمين في جامعة جورجتاون الأمريكية نادر هاشمي قوله إن هناك العديد من القضايا المتداخلة المتعلقة على بشكل خاص بعودة اللاجئين وبقايا داعش وقضايا المياه حيث أن الشرق الأوسط يتأثر بالتغيير المناخي، مضيفا ان للعراق أيضا "مصالح اقتصادية من حيث مد خط أنابيب النفط عبر الأراضي السورية لتوسيع قاعدته الاقتصادية".

وفي سياق مواز، قال التقرير ان هناك ملف مخيم الهول الذي يشكل تحديات أمنية كبيرة للعراق، وهناك أيضا تجارة الكبتاجون المخدر المتفشية في المنطقة، والتي اشار التقرير الى انها من الاسباب الرئيسية لقرار حكومات عربية رئيسية إعادة الانخراط مع الأسد.

وتابع أنه من وجهة نظر بغداد ان الاستمرار بعزل الأسد، لن يؤدي سوى الى تعقيد ازمة تجارة المخدرات، وهي قضية ستكون محورا رئيسيا في محادثات المسؤولين العراقيين والسوريين في المستقبل، مشددا أنه يجب أن تُفهم رحلة السوداني إلى دمشق في سياق هروب حكومة الأسد من العزلة الإقليمية.

 

ولفت التقرير انه بعد اعادة قبول سوريا في الجامعة العربية وبعد زيارات كبار المسؤولين من دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن إلى دمشق، فإن وجود السوداني في العاصمة السورية الآن لم تثر سوى القليل من الجدل.

وبحسب نائب رئيس البعثة السابق في السفارة الامريكية في اليمن نبيل خوري، فإن عودة الاسد تمثل "نتيجة ثانوية للواقعية الجديدة والتغييرات الأخيرة في المنطقة، بما في ذلك التقارب السعودي الإيراني وإقرار دول الخليج بوجود الأسد، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية".

ونقل التقرير عن خوري قوله إن "نظام الأسد ما يزال كما كان في 2011 (أي أنه لم يقم بإصلاحات تتعلق بسجله في مجال حقوق الإنسان وعلاقاته مع روسيا وايران وحزب الله)"، مضيفا ان "الحقيقة مهما كانت بشعة بالنسبة الى الدول الغربية، فهي أنه لا يوجد بديل حالي عن نظام الاسد، الا ان القضايا التي تحتاج إلى التفاوض مع سوريا تتزايد أهميتها".

 تأثير واشنطن

واعتبر التقرير أن واشنطن لا تريد ان ترى العراق يعزز الاتجاه نحو اعادة اندماج سوريا الكامل في الحظيرة العربية، إلا أنه من غير المرجح أن تقوم واشنطن بأي شيء لمنع ذلك، مشيرا في هذا السياق الى أن الأمريكيين لديهم قوات في العراق وسوريا وهما بلدان يمثلان بؤرة اشتعال القتال بين الولايات المتحدة وإيران في ظل "حرب الظل" القائمة بين اسرائيل وايران.

وبعدما أشار التقرير إلى أن العالم تغير كثيرا منذ ذروة الربيع العربي، نقل عن هاشمي قوله إن "السياسة الخارجية الامريكية ينصب تركيزها بشكل كبير على أوكرانيا وروسيا والصين، ولن يتحرك (الامريكيون) لمعارضة إعادة دمج الأسد في العالم العربي"، مضيفا ان اكثر ما قد يقومون به هو إطلاق تحذيرات وبيانات شفهية ضد هذه التحركات، إلا أن الوجود العسكري الامريكي في العراق وسوريا لا يتناسب مع الصورة على الاطلاق.

وفي حين لفت التقرير الى وجود عقوبات امريكية على سوريا من خلال "قانون قيصر" الذي يؤثر على سوريا والعراق ودول اخرى، قال ان العراق يعمل على اعادة الاعمار بعد عقود من الحروب والاحتلال والإرهاب والخراب الاقتصادي، ويقوم المسؤولون في بغداد بتطوير العلاقات التجارية والتجارية والاستثمارية مع جميع جيران العراق، بما في ذلك سوريا.

الا ان التقرير رجح احتمال أن يتسبب التهديد بفرض عقوبات امريكية بالحد من العلاقات الاقتصادية العراقية السورية، إلا أنه في الوقت نفسه، ليس من المرجح أن تمنع عقوبات واشنطن الحكومتين من البناء على خطط لتعزيز أمن الحدود ومعالجة التهديد المستمر لداعش، ومعالجة قضايا المياه وغيرها من القضايا البيئية.

واعتبر التقرير أنه يجب على واشنطن ألا تفكر فقط في كيفية إلحاق "قانون قيصر" الضرر بالسوريين العاديين، ولكن أيضا بجيرانهم. واوضح التقرير ان استخدام النفوذ الأمريكي في النظام المالي الدولي لمنع سوريا من اعادة الاعمار طالما بقي الأسد في السلطة، له عواقب على المنطقة الأوسع، مذكرا بأن دولا مثل العراق والإمارات، أعربت عن معارضتها لـ"قانون قيصر"، الا أن الجهود المبذولة لإقناع واشنطن بالتخلي عن العقوبات أظهرت عدم جدواها حتى الآن.

ونقل التقرير عن خوري قوله إنه "لاتزال الولايات المتحدة بشكل خاص، تعتبر الأسد منبوذا، إلا أنه ليس من المنطقي معاقبة الدول في حال تعاملت مع النظام في دمشق".

وأوضح خوري أن "لبنان هو أحد الامثلة التي تمثل فيها قضية اللاجئين السوريين أهمية كبرى حيث إنها أزمة يبدو أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يجهلون تماما بكيفية حلها"، مضيفا انه لا يوجد بديل امام لبنان سوى التفاوض مع دمشق، كما ان العراق يجد نفسه في القارب نفسه. وختم بالقول انه "سواء احبت الولايات المتحدة ذلك ام لا، فإن زيارة رئيس الوزراء العراقي تكون منطقية تماما وهي حاجة للعراق والمنطقة".