شفق نيوز/ سلط موقع "اتلانتيك كونسيل" (المجلس الاطلسي للابحاث) الامريكي، الضوء على الجانب المظلم الاخر من تداعيات فيروس كورونا على العراق واقليم كوردستان، وهو قطاع التعليم الذي لم تتم رواية قصته حتى الآن، محذراً من نشوء "جيل أمي".
وقال الموقع في تقرير له ترجمته وكالة شفق نيوز، إن "جائحة فيروس كورونا في العراق خلفت آثاراً مدمرة"، مبيناً أنه "في بلد يبلغ تعداد سكانه تسعة وثلاثين مليون نسمة، بلغ اجمالي عدد الاصابات 1.5 مليون اصابة واكثر من ثمانية عشر الف وفاة منذ بداية الوباء".
وأضاف التقرير أنه "على غرار العديد من دول الشرق الاوسط، فأن جهود اعطاء اللقاح في العراق تتقدم بشكل بطيء، وهو ما ينذر بالخطر"، موضحاً أن "0.99٪ فقط من سكان العراق حصلوا على اللقاح بالكامل".
وفي حين يتركز النقاش عالمياً على اعداد الوفيات والاصابات ومعدلات التطعيم، إلا أن هناك احصاءات خطيرة عن قصص لا حصر لها والتي لا تتم روايتها في دول مثل العراق الذي مزقته الحرب، وفق التقرير الذي نوه إلى أن "الاثار الاجتماعية المدمرة لوباء كورونا لاتحظى باهتمام عالمي يذكر، وخاصة تعليم الشباب".
وتابع تقرير الموقع الامريكي أن "حكومة اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية فرضتا اغلاق المدارس في جميع انحاء البلاد خلال فترة الوباء، وهو ما ترك اثره على 11 مليون طفل عراقي، من طلاب ما قبل الابتدائي الى طلاب ما بعد المرحلة الثانوية"، مشيراً إلى أن "الاثار المدمرة للوباء الى جانب سنوات من الاثار غير المباشرة للصراع العنيف والتطرف، برهنت على انها تلحق الاذى بالطلاب فيما لا ينال تعليمهم وطموحاتهم المهنية للمستقبل، سوى اهتماماً محدوداً".
وخلص التقرير إلى "التحذير من أنه بالاضافة إلى آثار الوباء، فأن العراق يواجه آفاقاً محفوفة بالمخاطر تتمثل في امكانية ظهور جيل امي باكمله"".
"كوفيد19" والتعليم في العراق
وأوضح التقرير أن "الوباء أثر سلباً على التعليم في العراق بطريقتين رئيسيتين: أولاها: عدم حصول الشباب على التعليم، والاخرى: تخبط في اعادة فتح المدارس".
إلا أن التقرير أشار إلى أن "عدم القدرة على الوصول للتعليم ليس عقبة جديدة في العراق الذي ابتلي بهذه الظاهرة منذ عقود كنتيجة للصراعات العنيفة المتعددة التي بدات في العام 2003"، موضحاً أن "اضافة وباء كورونا إلى هذه المعادلة، أدى لتفاقم الوضع السيئ بالفعل في نظام التعليم العراقي".
ولفت التقرير إلى أن " ACAPS، وهي هيئة مستقلة للمعلومات الانسانية، ذكرت في العام 2018، أن 20 % فقط من الاطفال في العراق لديهم امكانية الوصول الى اجهزة الكمبيوتر في المنزل، مما جعل الانتقال الى التعلم عبر الانترنت خلال مراحل الوباء شبه مستحيل بالنسبة لغالبية الطلاب".
كما نشر التقرير سلسلة مقابلات مع اولياء امور التلاميذ العراقيين من الامهات والاباء قالوا خلالها إن "اطفالهم لم يتلقوا اي تعليم منذ اغلاق المدارس في شباط/فبراير 2020"، فيما أشار مدرس من اقليم كوردستان إلى أن "الافتقار للاتصال بالانترنت بين الطلاب، يعتبر من العوامل الرئيسية لعدم تمكن الطلاب من الالتحاق بالمدرسة تقريباً".
وبكل الاحوال، يقول تقرير الموقع الارميكي، إن "العراق يحتل مرتبة أقل بكثير من المعدلات الدولية لجودة الانترنت".
وذكر أنه "من بين العدد القليل من الاطفال الذين ساعدهم الحظ في الوصول الى كل من الكمبيوتر والانترنت، فان الاتصال يعاني من الانقطاعات باستمرار بسبب انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، وبسبب ذلك، لم يتمكن الطلاب من حضور الحصص الدراسية الافتراضية واستكمال المهام المطلوبة والدراسة بشكل صحيح".
وحول الاضطراب في اعادة فتح المدارس اثناء فترات الوباء، فأن حكومة اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية العراقية اغلقت ابواب المدارس واعادت فتحها باستمرار بسبب التقلبات في اعداد حالات الوباء، وتسجيل ارتفاع في معدلات العدوى بين الاطفال، حيث تم تصنيف العراق من بين اعلى المعدلات في العالم من حيث المدة الاجمالية لاغلاق المدارس اثناء الوباء، والتي استمرت 62 اسبوعاً، لم يتمكن بعض الاساتذة سوى من تعليم 50% من مناهجهم الدراسية.
ويصف الدكتور عباس كاظم، احد كبار الباحثين في "المجلس الاطلسي" ، الأمر بأنه "عام سينسى للاطفال.. وفوضى تامة".
ولفت التقرير إلى أن "خطر وجود جيل أمي في العراق كان موجوداً قبل وباء كورونا"، إلا أن "نظام التعليم العراقي السيئ بالفعل قد يصطدم بالاقتصاد الفاشل"، مرجحا من "احتمالية التحاق الشباب الامي بسوق العمل خلال هذه الازمة الاقتصادية دون الحصول على التعليم الملائم للمساهمة بشكل ايجابي في الاقتصاد، وهو ما سيؤدي حتماً إلى البطالة والفقر اللذين يؤديان الى اضطراب سياسي واجتماعي".
ونقل التقرير عن الاقتصادي والاكاديمي البريطاني بول كوليير قوله "اذا ترك الشباب بلا بديل سوى البطالة والفقر، فمن المرجح أن ينضموا الى تمرد كوسيلة بديلة لتحصيل الدخل المالي".
ماذا بعد؟
وبعدما أشار إلى فشل الولايات المتحدة في اعادة بناء العراق بشكل صحيح بعد غزو العام 2003 والانجازات المحدودة في مجال تحويل العراق الى حكومة اكثر ديمقراطية، اعتبر التقرير أن "سنوات الصراع وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي التي اعقبت ذلك استمرت في تدمير البلاد".
ولهذا دعا التقرير الولايات المتحدة والدول الاخرى إلى ادراك اهمية الوضع التعليمي الحالي وتاثيره على الاستقرار في العراق، مضيفاً أنه "يجب على الولايات المتحدة وحلفائها العمل على اعادة هيكلة نظام التعليم في العراق قبل فوات الاوان".
كما دعا التقرير حكومة اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية إلى منح الاولوية للتعليم من خلال زيادة الانفاق في هذا القطاع، مشيراً إلى أن المدير المساعد لـ"صندوق ملالا" باري جونستون، تحدث عن خفض الحكومتين مؤخراً مخصصات ميزانيتهما للتعليم، وأن العراق ينفق على التعليم اقل من اي دولة اخرى في الشرق الاوسط.
وحث التقرير صناع السياسة في اميركا على ادراك خطورة الوضع في العراق، مضيفاً أنه لا يوجد حل واضح لاصلاح النظام التعليمي المتداعي، إلا أن المجتمع الدولي لا يمكنه ان يتجاهل العراق مرة اخرى.
ولفت إلى وجود فرصة الآن طالما أن ادارة جو بايدن "تحول تركيزها نحو الدبلوماسية وبعيداً عن العمليات العسكرية التقليدية"، حيث بامكان الولايات المتحدة التي خيبت أمل الجيل العراقي السابق والحالي، أن تعمل من اجل دعم الاجيال الجديدة في العراق، من خلال التعليم.