شفق نيوز/ وصف تقرير امريكي للباحث في معهد واشنطن الامريكي مايكل نايتس، رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي بـ"الرجل النادر الرافض لأنهار الدم".
وخلص نايتس في التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، الى ان "محاولة الميليشيات اغتيال رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي، تؤكد انه "قد فعل شيئا صحيحا للعراق خلال العامين الماضيين، معتبرا ان على المجتمع الدولي أن يدرك مدى ندرة العثور على زعيم يرفض إطلاق العنان للوحشية عندما يكون تحت ضغط شديد، وان تعيين مثل هذا القائد لرئاسة الحكومة المقبلة، يمثل خطوة إيجابية وحيوية تجعل التغيير الإيجابي ممكنا.
وتحت عنوان "ترويع مصطفى الكاظمي" كتب نايتس تقريرا قال فيه، إنه "في اللغة الإنكليزية القديمة، تعني كلمة ترويع اختبارا للصبر والجلد، أو معاناة مع تجربة مريرة، أو التعرض للإغراء والتعذيب، وفي الديانة المسيحية، يمر المسيح بتجربة مروعة بعد موته وقبل قيامته وهو يعبر الجحيم".
واضاف "من المؤكد أن رئيس الوزراء الكاظمي لا يدعي أنه أكثر من مجرّد رجل يبذل قصارى جهده، لكنه أيضا يمر بتجربة مروعة بينما يعيش العراق محنته المعتادة من انتخابات ومساومات سياسية شاقة ومساعٍ لتشكيل الحكومة".
وذكر التقرير باسقاط قنابل على منزل الكاظمي في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، في محاولة لترهيب السياسيين من جميع الأطياف، مضيفا انها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها الميليشيات الكاظمي والمقرّبين منه" حيث حدثت المواجهة الجسدية الأولى بين الكاظمي والميليشيات المدعومة من إيران في خلال العملية السابقة لتشكيل الحكومة في نيسان/أبريل 2020، عندما قام حوالي مائة رجل مسلّح من ميليشيا "كتائب حزب الله" المدعومة من ايران بمحاصرة الكاظمي وحراسه في دار ضيافة رئاسة الوزراء، وهو نوع من الفنادق المخصصة للمسؤولين والزوار الحكوميين.
وكان الكاظمي آنذاك رئيس جهاز المخابرات الوطني. وتابع انه "على الرغم من أن رجاله يتمتعون بحماية جيدة، فانهم كانوا عاجزين أمام مائة رجل من رجال الميليشيات الذين حمل بعضهم قذائف صاروخية من نوع "آر بي جي" مصمّمة لتفجير المركبات المدرّعة والمخابئ".
واضاف أن "حرّاس الكاظمي كانوا قد اشتبكوا مع مقاتلي "كتائب حزب الله" قبل بضعة أيام، فانتهزت "كتائب حزب الله" الفرصة للقبض على حارسٍ شخصي وتعنيفه وإلقائه في السجن، وذلك بهدف توجيه رسالة إلى الرجل الذي توقّع الكثيرون أن يصبح رئيس الوزراء القادم.
واعتبر التقرير ان "محاولة الترهيب هذه باءت بالفشل، فقد أصبح الكاظمي فعلاً رئيسا للوزراء، حتى بعد أن حذر حسين مؤنس (أبو علي العسكري) من أن تعيينه سيعتبر عملا حربيا وسوف "يحرق ما تبّقى من استقرار العراق".
وعاد التقرير الى حزيران/يونيو 2020 عندما كان الكاظمي قد استقر في منصب رئيس الوزراء، ولكنه ظل مقيما في الفيلا نفسها الواقعة على ضفاف نهر دجلة، والتي يملكها كاتب مشهور وصديق للكاظمي، مذكرا بانه عندما الكاظمي امر بالقبض على "إرهابي من كتائب حزب الله"، أرسلت الميليشيا قافلة أخرى من الشاحنات المسلّحة إلى منزله ونصبت مدفعًا مزدوج الفوهة مضادا للطائرات في الخارج أثناء "التفاوض" على إطلاق سراح السجين.
وتابع قائلا ان "ما لا يعرفه معظم العراقيين هو أنّ الكاظمي لم يطلق سراح عنصر كتائب حزب الله بعد محاولات التخويف هذه، وبدلا من ذلك، تم اطلاق سراح العنصر بعد أشهر عدة بموجب أمر صادر عن هيئة قضائية تعرّضت للتخويف".
واضاف انه "بعد أسابيع فقط من توليه رئاسة الوزراء، وتلقيه إشارات مرتجفة من قادته العسكريين، لم يكن الكاظمي مستعدا للمخاطرة بالدخول في حرب واسعة النطاق مع الميليشيات".
واوضح التقرير ان "الكاظمي يتمتع اليوم بحماية أفضل مما كانت عليه في ذلك الوقت، حيث صمّمت إجراءاته الأمنية ودعمه الدولي بدقة، لردع الجيش الصغير من قوات الميليشيات المتوفرة لمهاجمته، ولهذا أطلقوا عليه طائرة بدون طيار بدلا من ذلك".
ولفت التقرير الى انها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها منزل الكاظمي لهجوم بطائرة مسيرة، ففي 4 آذار/مارس العام 2021، استشعرت الميليشيات بشكل صحيح بداية مفاوضات قبل الانتخابات لتهميشها بعد انتخابات 10 تشرين الأول/أكتوبر المقبلة، فردّت بإلقاء طائرات مسيرة على منازل كبار القادة السياسيين، بمَن فيهم الكاظمي، وضربت مروحة رباعية ("كوادكوبتر") منزله في تنبيه مسبق إلى هجوم الطائرة المسيرة المسلحة في 7 نوفمبر.
وبرغم اشارة التقرير الى ان استراتيجية الكاظمي بالرد التدريجي ضد الميليشيات، بطيئةٌ بشكل محبط لانها تقتصر على استبدال ضابط مفضوح من هنا، واعتقال إرهابي واحد من هناك، وقضية واحدة لمكافحة الفساد، إلا انه اضاف ان الاعتقالات تتراكم والقضايا المرفوعة أمام المحاكم تؤتي ثمارها، موضحا "مثل هذا العمل يستغرق وقتًا طويلًا، والعراقيون محقون في نفاد صبرهم".
وتابع قائلا "في حين أنً أي رئيس وزراء عراقي يمكن أن يصبح بسهولة ديكتاتورا وقائدا لفرق الموت، فان الكاظمي لا يريد أن تسيل أنهار من الدماء في بغداد إذا كان بالإمكان تخفيف آلام الناس العاديين عبر إضعاف تلك الميليشيات بشكل تدريجي وثابت".
واعتبر التقرير ان "الكاظمي هو واحد من العراقيين الذين يواصلون الدفاع عن سيادة القانون، وعلى المجتمع الدولي أن يدرك مدى ندرة العثور على زعيم يرفض إطلاق العنان للوحشية عندما يكون تحت ضغط شديد للقيام بذلك".
وذكر التقرير بان "الميليشيات المدعومة من إيران استهدفت هذه المرة الدرجات الأمامية في منزل الكاظمي المتواضع على نهر دجلة، وانه على هذه الدرجات بالذات وقف قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ليعرض على الكاظمي رئاسة الوزراء في العام 2018 شرط أن يوافق على الخضوع لطهران ويكون رئيسا لحكومتها في العراق، وعندما رفض، اختاروا عادل عبد المهدي بدلًا منه، واستمرت حقبته المدمّرة لعامين فقط".
واضاف ان "الكاظمي اصبح رئيسا للوزراء بعد ذلك لكن ليس بفضل تدخل إيران، وبرغم من تهديدات القتل من إيران وميليشياتها".
والآن، يقول التقرير انه "فى حين يسعى العراق الى تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات، فان الميليشيات ذاتها وضعت خطا أحمر يفيد بأن رئيس الوزراء القادم يمكن أن يكون أي شخص باستثناء الكاظمي. وبالطبع ينقل هذا التصرف إلينا رسالة ما".
وذكر التقرير بقول الكاتبين العراقيين حمزة حداد ومحمد الوائلي في مقال نشر في "منتدى فكرة" (التابع لمعهد واشنطن) في العام 2018، بان العراق بحاجة إلى قائد ذي رؤية إذا ما أريد للبلاد أن تتعافى"، لكن التقرير قال ان العراق يحتاج أيضا إلى قائد شجاع ذي ضمير حيّ وحسٍّ بالمسؤولية".
واضاف انه "في ظل هذا النظام المركزي، من الضروري وجود رئيس وزراء جيد لإبقاء العراق على المسار الصحيح، وان تعيين مثل هذا القائد يمثل خطوة إيجابية وحيوية تجعل التغيير الإيجابي ممكنا، وانه بغض النظر عما إذا كان الكاظمي سيصبح رئيسا للوزراء لولاية أخرى أم لا، تشير جهود الميليشيات لإغرائه وتعذيبه، إلى أنه فعل شيئا صحيحا في هذين العامين الماضيين، وأنه على رؤساء الوزراء المقبلين أن يحذوا حذوه في المستقبل، وعلى أصدقاء العراق دعم المثل التي قدمها".