شفق نيوز/ أثار إعلان الانطلاق الأولي لمشروع "طريق التنمية" الاستراتيجي خلال مؤتمر بغداد امس السبت، الكثير من التحليلات والتقديرات التي بدت برغم تفاؤلها بأهمية المشروع البالغة كلفته 17 مليار دولار، حذرة في إمكانية تحققه ونجاحه، مشيرة إلى عدد من العراقيل والعوائق، بما فيها الخلاف من حكومة اقليم كوردستان.
وبحسب تقرير بثته قناة "فرانس 24" الفرنسية وترجمته وكالة شفق نيوز، فان "طريق التنمية" الذي أعلن عنه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أمام وزراء نقل وممثلي 10 دول اقليمية، الذي يتضمن طرقات سريعة وخطوط للسكك الحديدية، سيسمح للعراق بالاستفادة من موقعه الجغرافي، بهدف جعل البلد كمركز لنقل البضائع والأشخاص الذين يتنقلون بين الخليج وتركيا وأوروبا.
وبعدما أشار التقرير الفرنسي إلى ان العمل قد بدأ بالفعل لزيادة القدرة الانتاجية في ميناء الفاو، حيث سيتم تفريغ البضائع قبل نقلها عبر الطرقات الجديدة وخطوط السكك الحديدية، لفت الى ان المشروع يتضمن ايضا بناء حوالي 15 محطة قطار على طول الطريق، بما في ذلك في المدن الرئيسية في البصرة وبغداد والموصل، وحتى الحدود التركية.
ونقل التقرير عن الخبير العراقي في النقل الدولي زياد الهاشمي، تشكيكه في الخطة لتحويل العراق الى مركز رئيسي للنقل، قائلا انه يفتقر الى "السيولة" اللازمة، موضحا ايضا ان "العملاء يفضلون نقل بضائعهم مباشرة من اسيا الى اوروبا من دون المرور بعملية تحميل وتفريغ"، ونقل الحاويات بين السفن والطرق والسكك الحديدية.
لكن التقرير الفرنسي اشار الى ان النقل يعتبر من القطاعات الرئيسية في الاقتصاد العالمي، وان اعلان العراق عن "طريق التنمية" يعتبر الأحدث في إطار المشاريع الدولية الضخمة المخطط لها، بما في ذلك "مبادرة الحزام والطريق" الصينية التي أعلنها رئيسها شي جين بينغ في العام 2013، وهي مبادرة تشتمل على ربط 130 دولة عبر آسيا وأوروبا وأفريقيا من خلال البنية التحتية البرية والبحرية مما يوفر قدرة أكبر للاقتصاد الصيني للوصول إلى هذه المناطق.
من جهتها، ذكرت وكالة "رويترز" أن المشروع العراقي الذي يربط بشكل مباشر بين الفاو وبين الحدود التركية شمالا ويقصر وقت السفر بين آسيا وأوروبا، يستهدف إدخال تحول في اقتصاد العراق بعد عقود من الحرب، وهو أيضا ما يشكل منافسة لقناة السويس المصرية.
ونقل التقرير عن مدير عام الشركة العامة لموانئ العراق فرحان الفرطوسي قوله إن "طريق التنمية ليس مجرد طريق لنقل البضائع أو الركاب"، مضيفا ان هذا الطريق "يفتح الباب أمام تنمية مناطق شاسعة من العراق."
وأشارت "رويترز" في تقرير نشر بالإنكليزية، وترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أن المشروع سيكون بمثابة خروج عراقي واسع النطاق من شبكة النقل القديمة القائمة، موضحة أن خدمة القطارات حاليا تتضمن عددا قليلا من الخطوط، بما في ذلك الشحن البطيء للنفط، وقطار وحيد لنقل الركاب ليلا من بغداد الى البصرة، في رحلة تستغرق ما بين 10 إلى 12 ساعة لمسافة 500 كيلومتر.
ونقل التقرير عن الفرطوسي قوله ان ميناء الفاو الكبير الذي تم تصميمه منذ أكثر من عقد من الزمان، تم انجاز نصفه تقريبا.
كما ذكر التقرير، بأن فكرة نقل الركاب ما بين العراق وأوروبا تعود الى مطلع القرن العشرين حيث كانت هناك خطط كبرى لإنشاء خط سريع من بغداد الى برلين.
وبحسب الفرطوسي فان العراق سيعمل على "تنشيط هذا الخط مجددا وربطه بدول أخرى"، مشيرا الى وجود خطط لنقل السياح والحجاج الى المواقع الشيعية المقدسة في العراق وفي مدينة مكة السعودية لأداء مناسك الحج.
ومع ذلك، لفت التقرير الى ان العراق كان يشهد منذ وقت طويل وعودا بمشاريع التنمية، وأن البنية التحتية لا تزال متدهورة حتى برغم قيام حكومة السوداني بالدفع باتجاه إعادة بناء الطرق والجسور.
الا ان المسؤولين العراقيين يقولون أن "طريق التنمية" يعتمد على شيء جديد حيث ان هناك فترة من الاستقرار النسبي منذ أواخر العام الماضي، وهم يأملون في استمرارها.
وبحسب الفرطوسي، فإنه في حال جرى البدء بالعمل في أوائل العام 2024، فسيتم الانتهاء من المشروع في العام 2029، مضيفا أنه حتى لو ان العراق كان غائبا طوال عقد أو عقدين من الزمن، "فلا بد ان يعود يوما ما، ونأمل أن تكون هذه الأيام هي بداية عودة العراق".
من جهته، قال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أن البنية التحتية العراقية تعرضت للدمار بسبب عقود من الصراعات، بما في ذلك الغزو الأمريكي والحرب اللاحقة منذ العام 2003، والحرب مع تنظيم داعش الذي هزم في أواخر العام 2017.
وبحسب التقرير البريطاني، فانه برغم ان العراق شهد في السنوات الأخيرة، تراجعا في الإجراءات الأمنية والمواجهات المسلحة والتفجيرات، إلا أن "الجمود السياسي وعدم اليقين أدى إلى ابطاء عملية إعادة الإعمار".
أما صحيفة "غلوب آند ميل" الكندية، تناولت نقطة اخرى مرتبطة بفكرة المشروع المعتمد على التعاون الإقليمي، وقال ان علاقات العراق مع دول الخليج خلال العقود الأخيرة كانت متوترة حيث برزت ميليشيات مدعومة من إيران في العراق بعد الغزو الذي قادته واشنطن والذي أطاح بصدام حسين، وخلق فراغا في السلطة في البلد.
الا ان التقرير الكندي، أشار الى وجود مؤشرات على تحسن علاقات العراق مع جيرانه، مذكّرا على سبيل المثال، أن العراق استضاف في كانون الثاني/يناير الماضي، بطولة كأس الخليج الذي يضم ثماني دول في البصرة، وهي أول بطولة دولية لكرة القدم يستضيفها العراق منذ نحو 4 عقود.
وتحت عنوان "عقبات أمام احلام العراق الكبيرة لمشاريع البنية التحتية في الشرق الاوسط"، قالت صحيفة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية ان العراق عانى من مشكلات ضخمة في بناه التحتية خلال العقود الماضية، لأسباب من بينها العقوبات خلال التسعينيات بعد غزو صدام للكويت، ثم لاحقا بعد العام 2003 بسبب الاقتتال الطائفي.
واضاف التقرير ان الاستثمارات الامريكية بعد الغزو لم تحقق الكثير من النجاح، حيث جرى اختلاس المليارات أو ضخها في مشاريع فاشلة، مشيرا ايضا الى انه عندما استولى داعش على ثلث العراق في العام 2014، وقعت أضرارا اضافية بسبب الحرب، وتعرضت مدن مثل الموصل لخسائر بالغة ودمرت خطوط السكك الحديدية والمطارات.
وتابع التقرير مستعرضا التحديات أمام العراق، قائلا ان هناك خلافات داخلية مع اقليم كردستان حول قضايا مثل الميزانيات وصادرات النفط، حيث ان بغداد غالبا ما تسعى الى تجاوز إقليم كردستان، رغم انها منطقة مستقرة وناجحة.
ولفت إلى أن العديد من العراقيين نقلوا استثماراتهم الى اقليم كوردستان، كما أن تركيا تستثمر بشكل كبير في الإقليم.
وتابع ان العراق واجه مشكلة في اعادة الاستثمار في المناطق المتضررة من حرب داعش، مثل سنجار.
واضاف التقرير انه في حال وضع العراق خطوط سكك حديدية جديدة، فانه سيكون دليلا على انه قد حقق الأمن في البلد.
وذكر التقرير ان هناك قضية اخرى تتمثل بالمشاكل البيئية، حيث يواجه العراق تحديات بيئية خطيرة، وهو ما يشمل التلوث في البصرة والأنهار المليئة بالملوثات والركام، في حين ان المياه غير صالحة للشرب.
وتابع التقرير أن هناك أيضا مشاكل مائية في الشمال بسبب السدود التركية التي تسببت في تقلص نهر دجلة وإلى الشح في منسوب المياه في سد الموصل.
وأوضح التقرير الإسرائيلي ان كل ذلك يعني أن القضايا الأساسية في كافة أنحاء البلد مثل مياه الشرب والكهرباء تشكل تحديات أمام العراق، ولهذا فانه "من غير الواضح كيف سيصبح البلد طريقا رئيسيا ومحوريا لخطوط السكك الحديدية".
ترجمة وكالة شفق نيوز