شفق نيوز/ سجل العراق تنفيذ 5 عمليات اغتيال لشخصيات معروفة خلال 3 أسابيع فقط، 3 منها فارق المستهدفون حياتهم فيها، فيما نجا اثنان منها، رافق هذه الاغتيالات جرائم جنائية أبرزها ما حدث في سوقي بغداد الجديدة ومريدي، في تدهور للوضع الأمني يشير إلى دخول البلاد في "دائرة الخطر"، في ظل انتشار "المستوى الثالث" من الجرائم والتي هي الجريمة السياسية التي تتم عبر عمليات الاغتيال، وفق مراقبين.
فبعد استقرار نسبي للمناوشات بين الفصائل المسلحة والقوات الأميركية، عادت عمليات الاغتيال مؤخراً لتلقي بظلالها على الشارع العراقي، في مشاهد مرعبة تهدد أمن المواطنين، وسط تحذيرات بمزيد من الانهيارات الأمنية في مقبل الأيام، بحسب المراقبين.
وبدأت عمليات الاغتيال في 7 شباط الحالي باغتيال طبيب الأطفال الدكتور خالد زهير نعمة، وسط بغداد، وفي 18 من الشهر نفسه، قُتل اثنان من أقارب رئيس تحالف (نبني) هادي العامري في العاصمة أيضاً.
وبعدها بيوم تعرّض الناشط والمدوّن المعروف أيسر الخفاجي إلى حادثة خطف واغتيال في محافظة بابل، الذي ينتمي إلى التيار الصدري، ويعمل ضمن قاطع إعلام "سرايا السلام".
وفي 21 من الشهر ذاته، أصيب آمر قوة الرد السريع الأسبق في محافظة واسط العقيد عزيز الامارة، وقتل شقيقه في هجوم مسلح بمدينة الكوت.
وآخرها نجاة المستشار الأسبق لرئاسة الجمهورية ورئيس مؤسسة (المدى للإعلام والثقافة والفنون) فخري كريم من محاولة اغتيال أيضاً، بعد حادث الامارة بيوم، (أي في 22 شباط الجاري) حيث قطعت سيارة (بيك أب) طريق السيارة التي كان يستقلها وانطلقت منها 11 رصاصة وسط العاصمة بغداد.
دلالات عمليات الاغتيال
وفي هذا السياق، يقول الخبير الأمني، سيف رعد، إن "الوضع الأمني منذ 22 يوماً يشير إلى وجود فشل استخباري وخروقات أمنية، إذ جرت تنفيذ 5 عمليات اغتيال، منها أيسر الخفاجي في محافظة بابل، وعزيز الامارة في الكوت، واستهداف فخري كريم في بغداد، وهذه جميعها لها دلالات واضحة بأن هذه العمليات تم التخطيط لها بعناية من قبل جماعات لإثارة الفوضى وخلق توتر أمني".
ويوضح رعد لوكالة شفق نيوز معنى الاغتيال بالقول "هو كل جريمة قتل عمد لسبب ما، كأن يكون باستهداف شخصية دينية أو سياسية أو ثقافية أو فكرية أو عسكرية أو اقتصادية، أو ربما أشخاص تابعين لهذه الأفكار من أجل تحقيق غايات استراتيجية".
ويشرح، "إذ كان وراء استهداف أيسر الخفاجي جرّ التيار الصدري إلى صدام في بابل، وقد يجر هذا الصدام لبعض المحافظات الأخرى، لكن تم درء الفتنة وإطفاء غضب الصدريين بعد تغريدة السيد الصدر، وهذه تُحسب له بكشفه هذا المخطط".
ويضيف، "وكذلك ما حدث باستهداف عزيز الامارة، وهو ذات خلفية عسكرية، أما استهداف فخري كريم فقد كان الاستهداف لخلفيته الفكرية، وهو أحد القامات المعروفة صاحب الفكر والثقافة وغيرها".
ويبيّن، "فكل تلك العمليات لها دلالات، وحتى عملية استهداف عديل وابن أخ هادي العامري، فقد كان لها ارتباطات سياسية، لذلك كل ما يحدث هو عبارة عن تأثيرات ورسائل تشير إلى أن هذه الحوادث قد تكون وراءها أجندات دولية ومخابراتية، وقد تكون لها دلالات على ما حدث في تشكيل مجالس المحافظات والأبعاد السياسية والمناصب وغيرها".
وتابع، "وقد تكون هناك جهات تسعى إلى إجهاض حكومة السوداني بأمور معقدة وشائكة، توالت كلها في وقت محدد خلال 3 أسابيع بتصاعد العمليات، وهذا يدل إلى أن هناك جهات خفية تقف خلف هذا التصعيد".
وينوّه، "لكن هذا لا يشمل ما حدث في سوقي مدينة الصدر وبغداد الجديدة، إذ هناك فرق بين ما جرى من حوادث اغتيال وما حدث في السوقين فهي تعتبر جرائم جنائية أو تحت مسمى الدكة العشائرية أو الثأر العشائري أو غيرها، وهي حوادث عرضية تشير إلى وجود سلاح منفلت".
ويؤكد، أن "هناك تقصيراً وينبغي محاسبة الأجهزة الأمنية التي تتحمل الجزء الأكبر مما يحصل، كما أن الجانب السياسي يتحمل أيضاً، وذلك لأن سلطة تطبيق القانون التي تنفذها الأجهزة الأمنية مرتبطة بالقرار السياسي، لذلك القرار السياسي هو جزء ومؤمن على أداء الأجهزة الأمنية لكشف الحقائق".
ويشير إلى أن "ما حدث بمحاولة اغتيال فخري كريم فقد كان قريباً من المنطقة الخضراء، فلم يكن يبعد عنها سوى مئات الأمتار، وهذا ناقوس خطر، ورغم مرور أكثر من 3 أيام على الحادث، لكن لم تكشف وزارة الداخلية أو قيادة عمليات بغداد المسؤولين عن الجريمة، ما يخلق ضبابية على الأحداث".
وأعرب رعد عن مخاوفه "من استخدام سلاح وعجلات الدولة كما حصل من قبل باستهداف هشام الهاشمي أو أحمد عبدالصمد، لذلك يجب أن تظهر نتائج ما حدث حتى يطمئن المجتمع العراقي".
وكان وزير الداخلية، عبدالأمير الشمري، وجّه في 23 شباط الحالي، بتشكل فريق عمل أمني مختص للبحث والتفتيش عن عناصر "إجرامية" استهدفت بإطلاقات نارية عجلة رئيس مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون فخري كريم، مساء الخميس الماضي، في منطقة القادسية ببغداد، وقد نجا من هذا الحادث "الغادر".
وشدد الشمري في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، على تكثيف الجهد الأمني والاستخباري للوصول إلى المنفذين وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم.
ونجا رئيس مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون، فخري كريم، من محاولة اغتيال في منطقة القادسية ضمن العاصمة بغداد، أثناء عودته برفقة مدير عام المؤسسة، غادة العاملي، من معرض العراق الدولي للكتاب.
ووفق بيان لمؤسسة المدى، ورد لوكالة شفق نيوز، نفذ مسلحون مجهولون كانوا يستقلون عجلتين نوع (بيك آب) في الساعة التاسعة مساءً، محاولة الاغتيال، حيث اعترضوا الطريق لإيقاف سيارة فخري كريم، ثم قاموا بإطلاق الرصاص على سيارته من أسلحة خفيفة ولاذوا بالفرار.
واعتبرت المؤسسة، أن "محاولة الاغتيال الاثمة والفاشلة، تؤكد أن قوى الظلام لا يسرها أن ترى العراقيين فرحين متفاعلين مع حدث ثقافي كبير ومؤثر مثل معرض العراق الدولي للكتاب"، مطالبة بفتح تحقيق سريع لكشف منفذي الهجوم ومن يقف خلفهم، وتقديمهم للعدالة سريعاً لينالوا جزاءهم العادل.
المستوى الثالث من الجرائم
من جهته، يقول الخبير الاستراتيجي، د.أحمد الشريفي، "لا شك عند التحدث عن الوضع الحالي فنحن دخلنا في دائرة الخطر، وسبب تقييمنا لهذا الأمر لأن هناك تراتبية في قراءة أعمال العنف أو الجريمة".
ويشرح الشريفي لوكالة شفق نيوز، أن "الجرائم تصنف على ثلاثة مستويات، أولها الجريمة الجنائية التي تأتي عبر أعمال العنف التي يقوم بها الأفراد أو الجماعات، ثم الجريمة المنظمة والتي فيها من الخطورة الشيء الكثير على اعتبار أنها تجمع بين الجريمة الجنائية وبين الأبعاد والدوافع السياسية، وربما تكون عابرة للحدود".
ويضيف، "أما "المستوى الثالث والذي نتعرض له حالياً، فهو الجريمة السياسية والتي توصف بأنها التي تتم عبر عمليات الاغتيال، وهذا يعني إسقاط ركن من أركان المبادئ والأسس للنظام الديمقراطي، لأن الاغتيال السياسي لا يحصل إلا إذا كانت هناك معارضة واختلاف في الرأي".
ويوضح، أنه "في النظم الديمقراطية، الرأي والرأي الآخر مقبول، والمعارضة مقبولة وفاعلة ومؤثرة، وتصل إلى مستوى التأثير في صانع القرار السياسي، واللجوء إلى التصفية السياسية أو التصفية الجسدية يتنافى وقيم الديمقراطية".
"إذن هناك مبدأ مهم، وهو مبدأ التداول السلمي للسلطة الذي قد يتيح لفترة ما المعارضة أن تتسنم السلطة يجري اغتيالها لكي لا يكون هناك معارض، ومعنى ذلك أن أصل النظام الديمقراطي مهدد في مبدأ التداول السلمي للسلطة"، يقول الشريفي.
ويرى الخبير الاستراتيجي، "نحن على اعتاب ديكتاتورية جديدة، وإن كانت تتحرك بفضاء يطلق عليه بالفضاء الديمقراطي، ومسألة ما يجري في العراق واضحة، منذ تشكيل الحكومة الحالية والإطاحة بالتحالف الثلاثي الذي كان يمثل الأغلبية أدركنا أن السلاح سيكون حاضراً في تصفية الحسابات السياسية".
ويتابع، "وهذا ما تمت ملاحظته في اشتباكات المنطقة الخضراء وسقوط ضحايا ولم تكشف حقائقها وتفاصيلها للرأي العام، وأدى ذلك إلى انسحاب التيار ومن ثم انهيار التحالف الثلاثي في العملية السياسية ومجيء الجهة التي كانت تمثل الأقلية وحكمت البلاد، واستمرت الأمور وكأن هي عملية أقرب لعملية الانقلاب الناعم الذي تسير فيه الأحداث".
ويؤكد، "نحن الآن في أخطر مرحلة، حيث إن الاغتيالات تجري دون الكشف عن تفاصيلها، وبدأت تشمل قوى المشاركة بالعملية السياسية كما حصل مع جهة مقربة من هادي العامري، وجهة أخرى مقربة من التيار الصدري، وجهة أخرى وهي فخري كريم الذي هو شخصية إعلامية وسياسية في آن واحد، ويمثل خطاً متقدماً في العملية السياسية على مستوى قادة الرأي في البلد".
ويبيّن، "لذلك نحن الآن أمام معادلة خطرة جداً، وفي هذه المعادلة يفترض أن تحضر مرونة في إدارة الاستراتيجية الأمنية وتكتيكاتها، أي عند حلول حادثة على سبيل المثال في سوق مريدي ويحصل اشتباك في منطقة مكتظة بالسكان وتراشق بالسلاح وليس سلاحاً خفيفاً وإنما سلاحاً متوسطاً، ثم يقتل شخص وتسرق عجلته ويجري تصويره، ويلاحظ أن العملية استغرقت وقتاً طويلاً دون أن يكون هناك رد فعل للأجهزة الأمنية، ويفترض أن في مثل هذه المناطق التي هي خطرة وحساسة أن يكون هناك حضور أمني وهذا الحضور الأمني ضامن لاثبات هيبة الدولة ووجودها كرادع لإدارة مثل هكذا تحديات".
ويؤكد، أن "هذه التحديات بحد ذاتها أزمة وتحدي يفترض أن تكون المؤسسة الأمنية حاضرة فيه وبقوة، إذ يجب عدم التركيز في العمل الأمني أو حتى العسكري في استراتيجية الردع للذهاب باتجاه اعتقال من قام بمثل هكذا جريمة، بل ينبغي منع وقوع مثل هكذا جرائم، وهذا هو النجاح الحقيقي".
ويكمل، "لذلك في تقديري هناك تراجع أمني يشي إلى أن المرحلة المقبلة ستكون فيها تصفية حسابات، وخطورتها تكمن أنها تصفية حسابات سياسية قد تتصاعد وتيرتها في ظل عجز الحكومة ومؤسساتها عن ردع الجهات السياسية المتصارعة".
وخلص إلى القول "لذلك نحذر الحكومة والتحذير لا يأتي بفعل التسقيط أو دوافع التقسيط، وإنما التحذير يأتي لدوافع التحفيز على اتخاذ الإجراءات حتى لا يكون هناك تداعي قد يؤدي إلى مزيد من الانهيارات الأمنية".
وأكدت وزارة الداخلية العراقية، يوم الاثنين، القبض على جميع المتورطين في الجريمتين اللتين وقعتا في منطقة بغداد الجديدة وسوق مريدي شرقي العاصمة.
وقال الناطق باسم وزارة الداخلية وخلية الإعلام الأمني، العميد مقداد ميري، في تصريح صحفي، ورد إلى وكالة شفق نيوز، إن جميع منفذي حادثي مدينة الصدر وبغداد الجديدة في قبضة العدالة.
وأكد ميري، أن الداخلية القت القبض على جميع المتورطين بحادث مدينة الصدر، وكذلك حادث منطقة بغداد الجديدة اللذان وقعا خلال اليومين الماضيين، مشيراً إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق جميع المتهمين.
وأمس الأحد، قتل شخص اثناء تبادل اطلاق النار في سوق مريدي شرق بغداد، قبل ان يتركه الجناة بدمه على الأرض وينتزعون سلاحه ويهربون، في مشهد صادم.
وأول أمس السبت، في بغداد أيضا، قتل شخصان بهجوم مسلح في سوق بغداد الجديدة، قبل أن يتبين فيما بعد ان الجناة هم ضابطان كبيران احدهما برتبة عقيد يعملان في مكتب وزير الداخلية.
وتأتي هذه الأحداث في وقت تطلق وزارة الداخلية العراقية مبادرات لحصر السلاح بيد الدولة، ومنها تخصيص مبلغ مليار دينار (نحو 7.63 مليون دولار) لكل محافظة، بُغية شراء الأسلحة المتوسّطة من المواطنين.
"إسكات الآخرين"
بدوره يقول السياسي المستقل والنائب السابق، مثال الآلوسي، إن "ما حدث دليل على أن الأجهزة الأمنية لا زالت لا ترتقي إلى المستوى الحرفي، وأن الحكومة العراقية في أزمة كبيرة مع منافسيها بل وحتى مع مكوّنات هذه الحكومة، وهذا بصراحة لا يبشّر بخير".
ويبيّن الآلوسي، في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "هذا يعني أن قيادات الإطار والميليشيات لا يراعون رئيس حكومتهم، ولا يراعون الجو العام، وهذه الاغتيالات هي سياسية واضحة لإسكات الآخرين والمنافسين وإرهابهم، وهو تنافس واضح بين الميليشيات على من هو الأقوى بينها".
ويلفت إلى أن "مصادر رسمية تتحدث عن أن الحرس الثوري الإيراني هو من قام بإسكات ما يسمى بـ(المقاومة) بمنعها من القيام بأي عمل عسكري ضد الأميركان وغيرهم، وهذا يعني أن القوة القادرة على ضبط الأمن في الشارع العراقي ومنع الاغتيالات ليس العراقيين، وإنما إيران".
ويرى الآلوسي، إن "مصلحة الحرس الثوري والنظام الإيراني واضحة في إثارة الفوضى وإزعاج أميركا والمحيط العربي والإقليمي بفوضى الاغتيالات كما في لبنان وسوريا وغيرها، في وقت أن القرار خارج سلطة القوات المسلحة العراقية والقرار السياسي العراقي وإنما المليشيات التي تأتمر بإيران".
ويؤكد أن "ما يحدث هو أزمة حقيقية تهدد أمن المواطنين وعلى السوداني أن يكون رئيس وزراء دولة العراق وإلا الأمور ذاهبة إلى كوارث أكبر، لذلك عليه الذهاب إلى أميركا ويعلن من هناك أنه رئيس حكومة عراقية وعندها سوف يلقى ترحيباً من واشنطن".