شفق
نيوز/ شهدت الساحة السياسية في العراق تطوراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة مع بروز
جماعة الحوثيين اليمنية على المسرح العراقي بشكل علني، بدأ هذا الظهور بمشاركتهم
في مناسبات عامة وعقد لقاءات بين قادتهم والمسؤولين العراقيين، ما أثار تساؤلات
حول طبيعة هذه العلاقة وأبعادها الإقليمية.
كما
تأتي هذه العلاقة في ظل غياب أي تصريحات رسمية من الحكومة العراقية حول هذا الأمر،
تتباين الآراء بين المراقبين حول مدى تأثير هذه العلاقة على المشهد الدبلوماسي
الإقليمي، خاصة مع المملكة العربية السعودية، التي تعمل على ترميم علاقتها مع
العراق، بيد أن التوتر والخلاف يتسد علاقتها مع الجماعة اليمنية المقربة من طهران.
نبذة
عن الحوثيين
والحوثيون،
أو جماعة "أنصار الله"، هي حركة سياسية ودينية شيعية زيدية تأسست في
شمال اليمن في أواخر التسعينيات، ينتمي قادتها وأعضاؤها في الغالب إلى الطائفة
الزيدية، التي تشكل نحو 30-40% من سكان اليمن. ظهرت الجماعة في محافظة صعدة، حيث
قاد حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس الحركة، أولى تحركاتها في مواجهة الحكومة اليمنية
في عام 2004، اعتراضًا على ما اعتبره تهميشًا للزيدية وتدخلًا أجنبيًا في الشؤون
اليمنية.
بعد
مقتل حسين الحوثي في نفس العام، تولى شقيقه عبد الملك الحوثي قيادة الحركة، وواصل
قيادة التمرد ضد الحكومة اليمنية. اشتبكت الجماعة مع القوات الحكومية اليمنية في
سلسلة من الحروب الأهلية في الفترة من 2004 إلى 2010، واكتسبت قوة وشعبية نتيجة
للظروف الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة في البلاد، بالإضافة إلى تزايد الاستياء
من التدخلات الأجنبية.
في
عام 2014، استغل الحوثيون الفراغ السياسي الناتج عن ضعف الحكومة اليمنية بقيادة
عبد ربه منصور هادي، وقاموا بالاستيلاء على العاصمة صنعاء، مما دفع هادي إلى
الفرار إلى عدن ثم إلى السعودية. هذا الحدث أدى إلى اندلاع حرب أهلية في اليمن،
حيث تشكل التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الحكومة المعترف بها دوليًا ومحاربة
الحوثيين.
الحوثيون
بالمقابل تلقوا دعماً من إيران، سواءً سياسياً أو عسكرياً، ما أدى إلى تعقيد الوضع
في اليمن وتحويله إلى ساحة لصراع إقليمي بين القوى الكبرى في المنطقة. وتتهم
السعودية والتحالف العربي الحوثيين بأنهم وكيل لإيران في اليمن، بينما يرى
الحوثيون أنفسهم كمدافعين عن السيادة اليمنية ضد التدخلات الأجنبية.
على
الرغم من الضغوط العسكرية والسياسية، تمكن الحوثيون من الاحتفاظ بالسيطرة على
مناطق واسعة من شمال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، واستمروا في إطلاق الصواريخ
والطائرات بدون طيار باتجاه الأراضي السعودية، مما ساهم في استمرار النزاع وتصعيده
على مدى سنوات.
"في
إطار العلاقات الدبلوماسية"
الخبير
الأمني، الدكتور عماد علو، أشار إلى أن "العلاقات العراقية مع جماعة الحوثيين
في اليمن تأتي في إطار العلاقات السياسية والدبلوماسية للعراق مع مختلف القوى في
المنطقة. اليوم، الحوثيون لهم علاقات دبلوماسية باعتبارهم قوة تسيطر على أجزاء
كبيرة من الجغرافية اليمنية، وخاصة العاصمة صنعاء، لذلك، هم يبنون علاقات في مختلف
دول الشرق الأوسط".
وأضاف
علو في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "العراق يلعب دوراً متوازناً ودبلوماسياً
لتأمين الأمن والاستقرار في المنطقة، ولذلك يحرص على أن تكون له علاقات جيدة مع
مختلف الأطراف. من هنا تأتي العلاقة العراقية مع الحوثيين عبر نافذة فصائل
المقاومة الإسلامية التي لها تمثيل واسع داخل الحكومة العراقية الحالية".
جذور
العلاقات اليمنية-العراقية
وأوضح
علو أن "العلاقات العراقية-الحوثية لم تبدأ في هذه المرحلة الأخيرة، بل تمتد
منذ سنوات طويلة، هذه العلاقة تمثلت بوجود مكتب لهذه الجماعة في بغداد إلى جانب
التمثيل الدبلوماسي للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا ومقرها في عدن".
وأكد
أن "هذه المسألة لم تعد خافية على أحد، وما برز في الآونة الأخيرة هو وجود
تعاون عسكري بين جماعة الحوثيين وفصائل المقاومة، حيث أعلن المتحدث الرسمي باسم
الجماعة، يحيى سريع، عن وجود هذا التعاون العسكري بين الطرفين لتوجيه ضربات مشتركة
تجاه إسرائيل، فضلًا عن نشاط الجماعة في بغداد من خلال اللقاءات مع الرموز
السياسية العراقية".
يرى
الدكتور عماد علو أن "هذا التقارب العراقي-الحوثي ينعكس سلبًا على العلاقات
العراقية-السعودية، التي شهدت تصاعدًا ونموًا في الآونة الأخيرة، خاصة من النواحي
الاستثمارية، بالنسبة لمسألة الاستقرار في المنطقة، لا يُعتقد أن جماعة الحوثي هي
من تقودها، بل يرى أن السلوك العدواني للكيان الغاصب (إسرائيل) هو ما يفتعل هذه
الأمور في الوقت الحالي".
"السعودية
ترى العراق ضمن المحور الإيراني"
يرى
المحلل السياسي صلاح الموسوي أن السعودية تنظر إلى العراق كجزء من المحور
الإيراني، خاصة مع سيطرة الأحزاب الشيعية على الحكم في العراق. وفي حديثه لوكالة
شفق نيوز، أشار الموسوي إلى أن "السعودية وأمريكا تدركان جيداً أن العراق، من
خلال ارتباطه الوثيق بالأحزاب الشيعية الأخرى مثل جماعة الحوثي، سيكون له دور متصل
بهذه الجماعة، رغم عدم وجود دعم علني من قبل العراق في الإعلام طوال فترة صراع
الحوثيين مع السعودية".
وأضاف
الموسوي أن "السعودية ترى أن العراق جزء من المحور الإيراني، حتى لو حاولت
حكومة عراقية أخذ نمط من الاستقلال، فإن ذلك لن يقنع السعودية. في ظل التأكيد
المستمر على دعم إيران للحوثيين، تعتبر السعودية أن العراق لا يمتلك استقلالية
سياسية حقيقية في هذا الملف، وأنه لا يستطيع تغيير المعادلة القائمة، كما أن دول
الخليج تدرك أن الولايات المتحدة هي اللاعب الرئيسي في هذا السياق، نظراً لنفوذها
الواضح في العراق".
وفي
سياق حديثه، استذكر الموسوي الحادثة التي تعرضت فيها منشأة أرامكو السعودية لهجوم
بالصواريخ، حيث أشارت تقارير إلى أن مصدر الهجوم قد يكون من العراق. ومع ذلك، لم
تتطرق السعودية إلى هذا الموضوع بشكل رسمي، تفادياً لتعقيد العلاقات مع العراق.
وقال الموسوي: "لا أعتقد أن هناك دعماً يذكر من العراق للحوثيين، فالسعودية
تعرف العراق جيداً في هذا الشأن".
وفيما
يتعلق بالحرب السعودية-الحوثية، أوضح الموسوي أن "الحرب قد انتهت بشكل كبير،
وأن تدخل الحوثيين في حرب فلسطين لم يغير رؤية السعودية، ولكنه أضاف بُعدًا جديدًا
إلى موضوع غزة وتوحيد الساحات". وأكد الموسوي أن "السعودية على دراية
تامة بما يجري في العراق، وأن النفوذ الإيراني هو المسيطر حاليًا. ومع ذلك، تتمنى
السعودية أن يُمنح لها مجال في العراق من خلال بعض الاستثمارات لبناء
قواعدها".
ولم
تتحدث المصادر اليمنية الحوثية صراحة عن وجود عناصر عسكرية حوثية على الأرض
العراقية، لكن معلومات إسرائلية وغربية تحدثت عن مقتل عسكري تابع للحوثيين خلال
قصف امريكي استهدف مؤخراً معسكراً للفصائل العراقية جنوبي بغداد.
وبحسب
معلومات تحصلت عليها وكالة شفق نيوز، فإن "أبو إدريس أحمد الشرفي"، يعد
ممثلاً رسمياً لجماعة الحوثيين في العراق، وللجماعة مكتبها الخاص كممثلية في منطقة
الجادرية ببغداد.
وتظهر
مقاطع فيديوية القيادي الحوثي وهو يقوم بزيارات ولقاءات رسمية للمسؤولين الحكوميين
العراقيين في بغداد، أو بحضور مراسم عزاء ومناسبات خاصة.
"إيران
عامل مشترك في دعم العراق للحوثيين"
تقول
أستاذة العلاقات الدولية، د. ازهار الغرباوي، إن "جماعة الحوثي تعد جماعة
مسلحة متطرفة مدعومة بشكل واضح من قبل إيران، يتنوع هذا الدعم بين الدعم المادي،
اللوجيستي، والإيديولوجي، مما يعكس قوة امتداد إيران الإقليمي على سواحل الخليج
العربي، وخصوصًا على المدخل الجنوبي الغربي له ومدخل البحر الأحمر. هذا الامتداد
مكن الحوثيين من التحكم في البحر الأحمر وطرق التجارة الدولية الداخلة والخارجة
منه، مما أجبر إسرائيل على اتخاذ مسارات بديلة في تجارتها مع دول العالم".
وأضافت
الغرباوي، في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "دخول العراق في هذا الدعم الإيراني
يعكس قدرة إيران على تحريك قوى عربية في المنطقة لمواجهة قوى غير عربية مثل
إسرائيل وأمريكا. وعلى الرغم من أن الحوثيين يخوضون حربهم لأسباب سياسية وثقافية
تخص الطائفة الزيدية في اليمن، فإن دخول أطراف أخرى، مثل العراق، قد يحول هذا
الصراع إلى مركز صراع إقليمي ودولي، مما يتيح للجميع التدخل ويجعل النزاع داخليًا
يتحول إلى نزاع دولي".
وأشارت
إلى أن "السؤال الرئيسي المطروح اليوم هو ما هو هدف إيران من حربها في اليمن
ودفاعها عن الحوثيين؟ وكيف يدخل العراق كطرف عربي مهم في المعادلة على الرغم من
بعد المسافة؟ يبدو أن الوجه المعلن لسياسة إيران هو إيديولوجي يتعلق بصراع المذهب
الشيعي الزيدي مع الوهابية السعودية. لكن الوجه الخفي لطهران يتمثل في
استراتيجيتها لتمديد نفوذها على سواحل البحر الأحمر، ومنع تفكك اليمن إلى دويلات
متعددة، مما قد يسقط سواحل البحر الأحمر بيد قوى معادية لها".
كما
أشارت الغرباوي إلى أن "وجود العراق كطرف مع الحوثيين في صراعهم ضد اليمن قد
يخلق نوعاً من البرود في العلاقات بين الرياض وبغداد مستقبلاً، لكنه لن يصل إلى
مرحلة القطيعة. ومع ذلك، قد تدخل هذه العلاقة في مرحلة من الفتور الذي قد لا يكون
في مصلحة الطرفين". وأضافت: "إذا أصيبت العلاقات العراقية-السعودية
بالفتور، فالسبب في ذلك سيكون رغبة العراق في دعم التمدد الإيراني في المنطقة. أما
إذا كان الدعم ثقافيًا كما أعلن التيار الصدري سابقًا، فلن نشهد مثل هذا
الفتور".
"ميول
العراق متعددة"
يوضح
رئيس المركز الإقليمي للدراسات، علي الصاحب، أن "العراق يُعد من الدول ذات
الاتجاهات والميول المتعددة، حيث يحتضن على أراضيه العديد من المعسكرات سواء كانت
قتالية، فكرية، أو عقائدية. هذه التعددية تؤدي إلى ردود أفعال من بعض دول الجوار،
التي لديها خلافات أو نزاعات مع جهات مدعومة من الداخل العراقي، مثل الحوثيين
الذين يمثلون جزءاً حيوياً من محور المقاومة والممانعة. هذا التعاون بطبيعة الحال
يثير قلق المملكة العربية السعودية التي تسعى لحماية أمنها ومصالحها".
وأشار
الصاحب خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "منطقة الشرق الأوسط تعيش حالة من
عدم الاستقرار، تشبه الصفيح الساخن، حيث تجعل الأحداث الدراماتيكية المتسارعة
الأمور شبه معقدة. نتيجة لذلك، تخضع معظم دول المنطقة لأجندات واصطفافات مبنية على
المصالح. فالمعسكر الأمريكي يفرض هيمنته على منطقة الخليج بالكامل، بينما يقف
المعسكر الإيراني والفصائل المسلحة والمقاومة ضد هذا المشروع وتلك الأطماع. وفي
هذا السياق، يجد العراق نفسه واقعاً لا محالة بين هذين المعسكرين، مما يجعله يتأثر
بشكل كبير بهذه القوى المتصارعة، حتى لو حاول استخدام سياسة التوازن أو مسك
العصا من الوسط".