شفق نيوز/ أثار إعلان زعيم التيار الوطني الشيعي، "التيار الصدري سابقاً" مقتدى الصدر، يوم الخميس، عن عدم مشاركته في الانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها في شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، دعوات سياسيين إلى التأكيد على ضرورة رفض الفاسدين وسارقي الأموال لتجنب تكرار وجوه الزعامات القديمة والكتل الكبيرة، فيما كشفوا عن وجود حراك لقوى مدنية التي قد تمثل بداية ملامح تشكيل الحكومة المقبلة.

ويقول الصدر، رداً على سؤال وجه له من أحد أنصاره حول المشاركة بالانتخابات النيابية العراقية المقبلة، إن "ليكن في علم الجميع، ما دام الفساد موجوداً فلن أشارك في أي عملية انتخابية عرجاء، لا هم لها إلا المصالح الطائفية والحزبية بعيدة كل البعد عن معاناة الشعب، وعما يدور في المنطقة من كوارث كان سببها الرئيس هو زج العراق وشعبه في محارق لا ناقة له بها ولا جمل".

ويتابع بالقول: "إنني ما زلت أعول على طاعة القواعد الشعبية لمحبين الصدريْن في التيار الوطني الشيعي، ولذا فإني كما أمرتهم بالتصويت فاليوم أنهاهم أجمع من التصويت والترشيح ففيه إعانة على الإثم .. وسنبقى محبين للعراق ونفديه بالأرواح ولا نقصر في ذلك على الإطلاق".

ويضيف "فأي فائدة ترجى من مشاركة الفاسدين والبعثيين والعراق يعيش أنفاسه الأخيرة، بعد هيمنة الخارج وقوى الدولة العميقة على كل مفاصله".

الصدر يوصد الأبواب

في السياق، يؤكد مصدر مقرب من زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر، مساء الخميس، أن الأخير قطع الطريق على كل من يرغب بالمشاركة في الانتخابات المقبلة، عقب قراره الأخير.

ويذكر المصدر، لوكالة شفق نيوز، أن "الصدر أعلنها صراحة بعدم المشاركة في الانتخابات القادمة وبالتالي لا يمكن لأي من أتباعه السياسيين أو النواب السابقين المشاركة بالانتخابات، والأمر بات ملزما للجميع، وحتى من يريد الدخول بقوائم وتحالفات أخرى ممن يحسب على الصدريين".

ويختتم المصدر، حديثه بالإشارة إلى أن "موقف الصدر الحالي يعني أنه سيعتبر من يشارك في الانتخابات مطروداً من (التيار الوطني الشيعي) ويخرج من مظلة آل الصدر".

"مرحلة الانهيار"

ويتفق القيادي في كتلة "مبادرة"، النائب السابق، كامل نواف الغريري، مع مع ذهب إليه الصدر، بأن "الزعامات والكتل الكبيرة لم تنجح في عملها طيلة الفترة السابقة، بل قادت المشهد السياسي من فشل إلى آخر، ولم تصل بالبلاد إلى بر الأمان".

ويؤكد الغريري، خلال حديث للوكالة، أن "الشعب اليوم يعاني من نقص في قطاع الخدمات والزراعة والصناعة والصحة والتربية وفي كل شيء، لذلك على الشعب تحديد موقفه ومصيره من هذه الزعامات التي أوصلت البلاد إلى مرحلة الانهيار".

ويضيف، أن "هناك مرحلة جديدة مقبلة، وهي مرحلة الانتخابات، لذلك على الشعب رفض الفاسدين وسارقي الأموال وعدم تكرار الوجوه القديمة في كل انتخابات، وترك العمل السياسي للمهنيين والكفوئين، والعراق لم ولن يخلو من الكفاءات". 

ومنذ أشهر، سرت توقعات بعودة الصدر إلى العملية السياسية، عبر المشاركة في الانتخابات، خاصة بعد دعوته جماهيره إلى تحديث بياناتهم الانتخابية.

يشار إلى أن مصادر عدة، أفادت سابقاً بأن أغلب الكتل السياسية وبمختلف عناوينها ومكوناتها بعثت ممثلين عنها للنجف في محاولة لجس موقف الصدر، من المشاركة بالانتخابات البرلمانية المقبلة من عدمها.

وقرر الصدر، في حزيران/يونيو 2022، الانسحاب من العملية السياسية في العراق، وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين"، بعد دعوته لاستقالة جميع نوابه في البرلمان والبالغ عددهم 73 نائباً.

قانون على مقاس الكتل الكبيرة

وتمر القوى السياسية الشيعية، بأزمات عديدة نتيجة للصراعات والخلافات في وجهات النظر بشأن الانتخابات المقبلة، وعدم الوصول إلى رأي موحد بشأن تعديل قانون الانتخابات لغاية الآن.

وبينما أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، أن قرابة 30 مليون شخص يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة، صرحت بأنها ستجري الانتخابات وفقاً لقانون الانتخابات الحالي، الذي يحدد 329 مقعداً في مجلس النواب، دون تغيير في عدد المقاعد بناءً على التعداد السكاني الأخير.

وفي 2014 أصدر البرلمان قانوناً جديداً للانتخابات، اعتمد فيه نظام "سانت ليغو" وفق نسبة 1.7، لكن هذه المعادلة شهدت تغييراً في انتخابات 2018 الذي شهد تعديل جديد على القانون، وجرى اعتماد نسبة 1.9.

وشهد القانون تغييراً جذرياً عام 2020، استجابة لمطالب المتظاهرين في حينها، إذ اعتمد على الأكثرية بدلاً من النسبية، وقسم المحافظة التي كانت في القوانين السابقة دائرة واحدة إلى عدة دوائر انتخابية.

"وبإعادة سيناريو (سانت ليغو) سيكون هو الحاجز أمام منافسة القوى الناشئة للقوى التقليدية"، وفق القيادي في تيار الخط الوطني، حامد السيد، الذي لا يتوقع وجود جدوى من المشاركة في الانتخابات لأنها أفرغت من نتيجتها مقدماً، حيث إن قانونها فُصّل على مقاسات القوى المتحكمة في السلطة، وهي نفسها التي انتفض ضدها العراقيون عام 2019".

لذلك يرى السيد، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "عدم مشاركة (التيار الصدري) متوقعة ومرتبطة بقسم أقسمه الصدر على نفسه بعد انسحابه من العملية السياسية بأنه لن يكون شريكاً للفاسدين في انتخاباتهم وحكوماتهم".

تداعيات المقاطعة

لكن قد تعطي دعوة الصدر أنصاره إلى عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، "مساحة للكثير من القوى السياسية لمحاولة كسب جزءاً من جمهور التيار، خاصة وأن شكل التحالفات غير واضح لحد الآن"، وفق المتحدث باسم حركة "نازل آخذ حقي الديمقراطية"، خالد وليد.

ويشرح وليد، خلال حديثه للوكالة، أن "الوضع الحالي ضبابي، فيما لا تزال قوى الإطار التنسيقي تخوض نقاشات مستمرة لكيفية خوض الانتخابات، بين قوائم انتخابية منفردة أو تحالفات، وسط أحاديث عن نية ذهاب رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، إلى ائتلاف انتخابي موسع".

ويضيف، أن "الحال ليس أفضل عند القوى المدنية، فهي لا تزال مشتتة وغير واضحة المعالم، وهي تفتقد للكثير من مقومات النجاح، ويُقصد بالمقومات ليست السياسية أو على مستوى القيادات أو الموارد البشرية، وإنما بالماكنات الانتخابية، والدعم المالي، وتوفير غطاء سياسي مشترك ما بين الجميع، فكل هذه التفاصيل تضعف من حظوظ القوى إن دخلت في تحالف مدني بعيداً عن بعض القوى الأخرى".

ويكشف وليد، عن وجود "نقاشات واجتماعات تجري بين عدد من القوى المدنية والمحسوبة على (تشرين) والمحسوبة على الصف الثاني والثالث من بعض القوى التقليدية التي هي مقبولة نوعاً ما من قِبل الشارع وتمتلك جذراً اجتماعياً في عدد من المحافظات، والبعض من هذه القوى أعضاء في مجالس المحافظات ومحافظين حاليين وسابقين".

ويشير إلى أن "تلك القوى مع القوى المدنية، من الممكن أن تمثل بداية ملامح تشكيل الحكومة المقبلة، بأن تكون خليطاً ما بين هذه القوى المتطلعة إلى التغيير والقوى الأخرى التي لم تُوفق مع القوى التقليدية في تحقيق الاستقرار وعملية الانتقال الديمقراطي السليم بعد عام 2003".

وينوّه وليد في ختام حديثه، "لكن الوضع الحالي هو معقد وضبابي ويحتاج إلى قرابة الشهر إلى الشهرين حتى تتضح معالم التحالفات الانتخابية، خصوصاً في ظل استمرار الضغوط الإقليمية والدولية واقتراب فصل الصيف وملف الطاقة والاقتصاد وملفات وأحداث كثيرة قد تؤثر في المرحلة المقبلة".

تحولات إقليمية ودولية

وهذا ما يذهب إليه أيضاً المحلل السياسي، مجاشع التميمي، الذي يقول إن "بناءً على المعطيات الداخلية والخارجية، يُتوقع أن تكون الحكومة العراقية المقبلة نتاج توازنات دقيقة بين القوى السياسية المحلية والتأثيرات الإقليمية والدولية، مع استمرار التحديات المرتبطة بالحفاظ على السيادة الوطنية وتحقيق الاستقرار السياسي".

ويوضح التميمي لوكالة شفق نيوز، أن "في ظل التغيرات المتسارعة في النظام الدولي، يترقب الجميع ملامح الشرق الأوسط الجديد وموقع العراق ضمنه، لا سيما بعد أن بدأت معالم هذا النظام تتضح، حيث يشهد الشرق الأوسط تصاعداً في النفوذ الأمريكي بالتوازي مع دور متنامٍ لإسرائيل، في مقابل تراجع نسبي للدور الإيراني في بعض المناطق العربية، لا سيما في شمال شرقي الوطن العربي".

ويستنتج التميمي، أن "بناءً على ذلك، فإن التطورات السياسية في العراق خلال المرحلة المقبلة ستكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهذه التحولات الإقليمية والدولية، ما يجعل العراق لاعباً أساسياً في إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في المنطقة".