رسم مركز "جيروزاليم تريبيون الاستراتيجي" الإسرائيلي صورة حضور الصين ونفوذها في الشرق الاوسط، ومستويات تنافسها مع الولايات المتحدة، واحيانا تناغم حركتها هذه مع الوجود الأمريكي، مشيرا الى محدودية الحضور العسكري الصيني، والى محدودية القدرة الامريكية على منافسة الصين تكنولوجيا في أنحاء هذه المنطقة التي تسميها بكين، غرب آسيا.
وفي تقريره الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ اعتبر المركز الاسرائيلي الذي يتخذ من القدس وواشنطن مقرين له، أن هناك صعوبة في إجراء مقارنة بين نفوذ الصين والولايات المتحدة في الشرق الاوسط، لان مقاربتهما في المنطقة مختلفة تماما، مشيرا الى الصينيين يستخدمون تعبير غرب آسيا بدلا من الشرق الأوسط للاشارة الى المنطقة التي تشمل بلاد الشام والعراق والخليج وتركيا وإيران.
ولفت التقرير إلى أنه برغم من ان الصين تنفذ برنامجا لتطوير أسطولها البحري بشكل مثير للإعجاب، إلا أن الصين لا تزال غير قادرة على تحدي الهيمنة الأمريكية على البحار في إطار اي افق زمني محدد، مضيفا انه لا يوجد ما يشير إلى أن بكين قد طورت، او ستطور قريبا، امكانياتها على نشر جنود في المنطقة.
ولكن مع ذلك، يقول التقرير إن الوجود الاقتصادي والتكنولوجي للصين تصاعد في المنطقة خلال السنوات العديدة الماضية، وليس بمقدور الولايات المتحدة أن تنافس الصين في مجالات حساسة مثل البنية التحتية العملاقة.
الميزان العسكري
وذكر التقرير أن الوجود العسكري الصيني في الشرق الأوسط لا يزال محدودا، مشيرا الى وجود 200 من مشاة البحرية الصينية في القاعدة الجيبوتية للمساعدة في عمليات مكافحة القرصنة وإنقاذ المدنيين، مضيفا أن الصين رعت أيضا تشكيل قوة بحرية مشتركة مع السعودية وايران والامارات وسلطنة عمان، لكنها لم تعلن عن أي التزام بالمساهمة بسفن في الخطة.
واعتبر التقرير ان "قدرة القواعد الصينية الحالية والالتزام بالقوة في المنطقة، يبدو غير كافية لدعم مستوى الانخراط الاقتصادي والدبلوماسي الذي يبدو أنه شيء طبيعي وجديد لبكين، ولذلك يتحتم على واشنطن الاستعداد لمزيد من التوسع"، مشيرا الى انه سرت تكهنات حول خطط لقاعدة بحرية صينية في الامارات، لكنها غير مؤكدة حتى الآن.
ونقل المركز الإسرائيلي عن تقرير حديث للبنتاغون لا يتوقع أن توسع الصين من قدرتها على التدخل العسكري السريع، مشيرا الى انه لدى الصين 30 ألف جندي مارينز فقط مقابل 200 ألف جندي مارينز أمريكي، وربما 12 ألف جندي من القوات الخاصة، مقابل 70 ألف جندي من القوات الخاصة الأمريكية.
وذكّر التقرير بشكوى للرئيس الامريكي الاسبق باراك أوباما في أغسطس/آب 2014، قال فيها إن الصين بمثابة "راكب مجاني" في الخليج، حيث تتحمل الولايات المتحدة تكلفة نفقات الأسطول العسكري الذي يحمي بذلك إمدادات النفط الصينية.
لكن التقرير اشار الى انه في حال تاكل الالتزام الأمريكي بحماية ممرات الشحن، فإن الصين قد تتدخل، غير أن ذلك لا يزال افتراضيا، مضيفا أن الصين في الوقت الحالي ستخصص الجزء الأكبر من مواردها العسكرية للدفاع الساحلي، بما في ذلك الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى، وصواريخ "جي-20" الاعتراضية، والأقمار الصناعية والحرب الالكترونية والغواصات.
وفي الوقت نفسه، ذكر التقرير أن موقف الصين حاليا هو أن مصالحها في المنطقة لا تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة.
ونقل التقرير عن الباحث في أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية بأن غوانغ قوله إن "استثمار الصين اقتصاديا واستثمار أمريكا عسكريا، يمكن أن يكمل كل منهما الآخر في بعض الأماكن، مثل دول الخليج"، موضحا ان هناك العديد من القواعد العسكرية الأمريكية الرئيسية في الخارج، وان أكبرها في قطر، وهناك اثنان في المملكة السعودية، وهناك ايضا في الإمارات، وبرغم ذلك فإن نشاط البنية التحتية في هذه الدول لا يقوم به عمال أمريكيون، ولكن العمال الصينيون، وعمال من دول جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا مثل تايلاند والفلبين وسريلانكا والهند".
وتحدث التقرير عن بلوغ صادرات الصين إلى السعودية في نهاية العام 2022 واوائل العام 2023 ما معدله السنوي حوالي 45 مليار دولار، أي ضعف حجم ما قبل وباء كورونا. وفي المقابل، فإنه في العام 2014، بلغت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى السعودية ذروتها عند 45 مليار دولار، ولكنها انخفضت الى 33 مليار دولار فقط في العام 2022. وفي المقابل ايضا، فقد بلغت الصادرات الامريكية ذروتها عند 19 مليار دولار في العام 2015 ، وانخفضت الى 11.5 مليار دولار في العام 2022.
وخلص من ذلك بالقول ان الصين ازاحت الولايات المتحدة واوروبا باعتبارها المورد الرئيسي للسلع الصناعية للسعودية، بما في ذلك البنية التحتية للاتصالات والطاقة الشمسية والنقل وغيرها من مما تتطلبه التقنيات العالية.
وتابع التقرير الصادرات الصينية الى تركيا وآسيا الوسطى، ارتفعت، وقد تضاعفت هذه المستويات ثلاث مرات تقريبا عن مستويات ما قبل وباء كورونا، لعدة أسباب بما في ذلك دور تركيا كوسيط بين الصين وروسيا، وخاصة بالنسبة للبضائع الخاضعة للعقوبات.
واضاف التقرير؛ ان احد المكونات الرئيسية للعلاقة الاقتصادية مع تركيا وآسيا الوسطى يتمثل في التزام الصين ببناء طرقات النقل البري بما فيها خطوط السكك الحديدية وخطوط الأنابيب في انحاء اسيا. واوضح انه بالنظر الى امكانية – حتى وان كانت ضئيلة - قيام الولايات المتحدة بمنع التجارة الصينية مع الخليج في حالة وقوع حرب، فإن الصين تقوم ببناء وسائل نقل بديلة. واكد التقرير ان بناء السكك الحديدية أرخص من بناء القوات العسكرية البحرية.
الاعتبارات الاستراتيجية
وقال التقرير؛ إن أهداف الصين تسترشد في جزء منها باستراتيجية طويلة الأمد وفي جزء منها كردة فعل وانتهازية، مضيفا أنها تعكس المصالح طويلة الأجل في المنطقة، وهي هذه الأربعة:
1-ضمان التدفق الحر للنفط من الخليج، الذي تعتبر الصين أكبر زبون له في العالم. وأضاف في هذا الاطار، فان الصين ستعمل على تعزيز الاستقرار.
2-اقامة "مبادرة الحزام والطريق" من خلال النقل البري للطاقة والسلع الاخرى كبديل لحركة المرور البحرية الهشة.
3-توسيع سوق صناعة التكنولوجيا العالية التطور خاصة في منطقة الخليج.
4-زيادة الدعم في العالم الإسلامي وخاصة مع تركيا لاحتواء التطرف الإسلامي في الداخل الصيني، وبناء فهم لسياسة الأويغور.
وذكر التقرير ان المحللين الأمريكيين غالبا ما يبحثون عن خطة صينية خفية تستهدف استغلال القوة الاقتصادية لتحقيق نفوذ سياسي او عسكري، مضيفا ان هذه الفكرة تغفل نقطة مهمة، موضحا أن النفوذ الصيني ينبع من القوة الاقتصادية الخام، وخصوصا من خلال احتكار التقنيات الحيوية التي تحتاجها المنطقة.
وفي هذا الاطار، لفت الى تفوق "هواوي" في الاجهزة المحمولة امام "ايركسون" و"نوكيا"، بينما تغيب الولايات المتحدة عن ميدان إقامة مشاريع البنى التحتية العملاقة، كما أن الصين في ما يتعلق بالطاقة الشمسية، التي تعتبر تقنية شديدة الاهمية بالنسبة لدول الخليج، فانها تمارس احتكارا شبه كامل لإنتاج الخلايا الشمسية. كما أن الصين تنتج تكنولوجيا ادارة الموانئ مشيرا في هذا السياق الى اقامة وتصميم ميناء تيانجين الآلي بالكامل كمنتج للتصدير.
وتابع التقرير؛ أن هناك اعتباراً آخر للصين يتمثل في الانسحاب الامريكي من افغانستان، مضيفا ان بكين (بالاضافة الى روسيا والهند) تشعر بالقلق من التطرف الاسلامي في اسيا الوسطى، ولهذا فان التركيز الدبلوماسي والاقتصادي للصين على المنطقة هو بدرجة ما محاولة لسد الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة، وأيضا محاولة لاستمالة طالبان لتكون أكثر استعدادا للتعاملات التجارية، حيث تقوم الصين بنشاطات تنمية واستغلال الموارد الطبيعية الأفغانية.
وقال التقرير إن حرب أوكرانيا عززت من نفوذ الصين بعدة طرق، حيث بعد العقوبات الامريكية ضد روسيا، والتي عززت العملة الصينية، كما أنها عززت موقع تركيا كوسيط تجاري لروسيا، بالإضافة إلى ظهور الهند كزبون رئيسي للنفط الروسي، وهو ما ساهم في إفساد الجهود الأمريكية لتجنيد الهند في تحالف مناهض للصين، مما ادى بشكل غير مباشر إلى تعزيز موقع بكين الاستراتيجي.
وخلص التقرير الى القول ان الصين لا تتحدى الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الاوسط، كما ان امريكا لا تتحدى زعامة الصين في التجارة والاستثمار في البنية التحتية. واضاف انه برغم ان التدخل العسكري المباشر للصين لا يزال محدودا، إلا أن نفوذها الاقتصادي سيعزز ويساهم في تشكيل العلاقات في المنطقة. وفي الوقت نفسه، فإن محاولة أمريكا لاحتواء الصين من الناحية التكنولوجية غير فعالة ومضللة بشكل رئيسي.
ترجمة: وكالة شفق نيوز