شفق نيوز/ قدم "معهد تشاتهام هاوس" البريطاني للأبحاث، تصوره لأوضاع اطراف "محور المقاومة" الاقليمي الذي عانى من انتكاسات خلال العام الماضي، أضعفته بشكل خطير، طارحا على صناع السياسات اتباع نهج جديد يقوم على اساس التعامل مع ايران وحلفائها، بدلا من تجاهلهم او السعي لاحتوائهم او تهميشهم.
وأوضح المعهد البريطاني في تقرير له ترجمته وكالة شفق نيوز، أن "التعامل مع محور ايران المتطور ونفوذه الاقليمي بشكل ناجح، يتطلب نهجا جديدا، يجمع ما بين الجهود المحلية والعابرة للحدود، مع التناغم مع تعقيدات المنطقة وتحولات النظام العالمي".
واشار التقرير الى ان "التاريخ القصير لمحور المقاومة، يظهر تطور المنظمات التي تخطت اصلها كجماعات مسلحة، لتتحول الى اطراف فاعلة سياسية واجتماعية واقتصادية تتمتع بسلطة حقيقية في العديد من دول الشرق الاوسط، وذلك على الرغم من ان ايران وحلفائها عانوا من ضربات عديدة، بما في ذلك الغزوات الاسرائيلية والامريكية والهجمات العسكرية والاغتيالات والعقوبات من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الاوروبي".
واوضح التقرير ان "الولايات المتحدة وبريطانيا واوروبا، حاولت ازاء العراق ولبنان، انشاء بدائل للجماعات المرتبطة بايران كوسيلة لمواجهة نفوذها، مثل تمويل وتدريب الجيوش الوطنية الرسمية مثل القوات المسلحة اللبنانية في لبنان او من خلال انشاء جهاز مكافحة الارهاب في العراق"، مضيفا انه "برغم ان هذه المبادرات نجحت احيانا في اضعاف المحور واعادة تشكيله، الا انها لم تبدل سلوك المحور بشكل جذري".
تأثير محدود
وذكر التقرير، أن "النهج الاكثر تشددا للقضاء على اعضاء المحور، تمثل ب"العمل العسكري المباشر"، مشيرا بهذا السياق الى "اغتيالات طالت الجنرال الايراني قاسم سليماني وزعيم الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس على يد الولايات المتحدة، وكذلك الاغتيالات الاسرائيلية لكبار اعضاء حزب الله، مثل الأمناء العامين عباس الموسوي في العام 1992 وحسن نصر الله في العام 2024، بينما تعتبر الحملة العسكرية الاسرائيلية بعد احداث 7 تشرين الاول/اكتوبر 2023 المثال الاكثر عدائية لهذه السياسة، حيث استهدف الجيش الاسرائيلي حماس في غزة وحزب الله في لبنان، بينما استهدفت الولايات المتحدة وحلفاؤها جماعات الحشد الشعبي في العراق وسوريا والحوثيين في اليمن".
وتابع ان "الحلول العسكرية، بما في ذلك القضاء على القادة (مثل اغتيال الموسوي)، فشلت في السابق في تفكيك الشبكات، حيث اظهر العمل العسكري المباشر انه اكثر فعالية ضد الجماعات المسلحة التي تتمتع بقوة محلية ضعيفة او معدومة (كتنظيم داعش)، او الجماعات التي تفتقر الى الترابط العابر للحدود"، مبينا ان "التدخلات العسكرية ضد ايران وجماعات مثل حزب الله وحماس والحوثيين او قوات الحشد الشعبي، لم تؤد في احيان كثيرة الا عن انتكاسات مؤقتة. ونقل التقرير عن احد صناع السياسات في بريطانيا قوله "اننا نعلم ان الضربات على الحوثيين لم تلحق الضرر بقدراتهم العسكرية حتى الان".
ولفت التقرير الى انه "على عكس حركات التمرد مثل داعش التي يمكن تفكيكها وتعطيلها بسهولة اكبر من خلال الضربات المستهدفة والانتفاضات المحلية، فان ايران والمحور، اظهرا القدرة على اعادة تحشيد صفوفهما واعادة تسليحهما والاستمرار في عملياتهما، حيث ان العديد منهم يتمتعون بروابط مع القواعد الاجتماعية، وامكانية الوصول الى مصادر التمويل المحلية وعبر الوطنية، والقدرة على الاستفادة من شبكات الدعم الاقليمية والعالمية، وهي شبكات متنوعة تمتد الى روابط سياسية واجتماعية واقتصادية".
عقوبات اقتصادية
واعتبر التقرير ،ان "الممارسة المتطورة التي يتبعها المحور والتي تتمثل في المزج بين الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي، بما في ذلك عمليات مثل الفساد والتهريب والاختلاس، قد تظهر عند بعض صناع السياسات ان العقوبات القانونية قد تكون اداة فعالة ضد هذا المحور، الا ان هنا ايضا الكثير من التشكيك بفعالية ذلك"، موضحا ان "العقوبات التي فرضت على القادة والجماعات اظهرت مدى سهولة تمكن مجموعات المحور وكبار القيادات من التغلب على العقوبات بمهارة من خلال علاقاتهم مع دولهم وبين بعضهم البعض".
وعلى سبيل المثال، اوضح التقرير ان "حزب الله خفف منذ فترة طويلة من تاثير الاجراءات المالية الامريكية ضده من خلال تجنب اي ارتباط مباشر بالقطاع المصرفي اللبناني، ومن خلال التعامل بالنقود والوسطاء، في حين ان احد القيادات الخاضعين للعقوبات، تباهى باستخدامه لطائرة خاصة للسفر داخل العراق وحتى الى اماكن اخرى في المنطقة".
ونوه الى "تضاؤل فعالية العقوبات بشكل متزايد حول العالم، حيث انه في ظل تعرض المزيد من الدول للعقوبات، اصبحت الدول الاخرى مترددة بشكل في التحالف مع الولايات المتحدة وحلفائها، كما ان كثيرين يساعدون المحور ومؤيديه في التحايل على هذه العقوبات، مثلما يجري بين روسيا ودول الخليج مثلا، او تعزيز الصين علاقاتها مع ايران، وهو ما يحد من الاثار العقابية المستهدفة".
وفي المقابل، ذكر التقرير ان "العقوبات ساهمت في بعض الاحيان بشكل غير مباشر، في تعزيز شبكات التهريب، موضحا مثلا ان شبكات التهريب التي سيطر عليها تنظيم داعش في وقت لاحق لتصبح "اغنى جماعة ارهابية في العالم" طورها في الاصل نظام صدام حسين في العراق للتحايل على العقوبات المفروضة في التسعينيات".
نهج جديد
واضاف التقرير ان "المقاربات الاكاديمية والسياسية لم تحقق فهما حتى الان لمحور المقاومة بشكل كامل"، مشيرا الى ان "صناع السياسات يفتقرون الى استراتيجية واضحة ومتماسكة للتعامل مع ايران وحلفائها باعتبارهم شبكة معقدة تعمل في نظام عابر للحدود وعبر عالم متعدد الانحيازات".
ولفت الى ان "هذه السياسات الحقت احيانا الضرر بالمواطنين العاديين اكثر من اعضاء المحور الذين تمكنوا من استخدام مجموعة متنوعة من الاليات لتغيير الشكل والتعافي"، ودعا التقرير الى تطوير نهج اكثر واقعية للتعامل مع المحور من خلال الحد من التاثير السلبي للمحور على شعوبهم، واقامة حكومات اكثر خضوعا للمساءلة في البلدان الخاضعة لسيطرته، ان يباشروا برسم خريطة شاملة ودقيقة لعلاقاته، وفهم الياته المحددة".
وبين ان "من شان هذا النهج ان يقدم رؤى مهمة حول حدود الشبكة، بالاضافة الى ان رسم خرائط الشبكة سيكشف عن استراتيجياتها وقدراتها بالكامل، مما يتيح لصناع السياسات الغربيين ان يتوقعوا ردود الفعل المحتملة بشكل افضل".
وكمثال على ذلك، قال التقرير ان "رسم خرائط الشبكات كان فعالا في تحديد شبكات المتمردين في العراق، وشمل ذلك تحديد القادة الرئيسيين وطرق الامداد والمنازل الامنة"، كما دعا التقرير "صناع السياسات الى التعامل مع ايران وحلفائها، بدلا من تجاهلهم او السعي لاحتوائهم او تهميشهم"، مضيفا ان "اعضاء المحور ليسوا مجرد مجموعات متمردة، بل هم قوى فاعلة متجذرة بعمق في الاقتصاد السياسي لبلادهم والمنطقة".
وبين التقرير انه "لم يؤدي تجاهل المحور او احتوائه او محاولة تعزيز البدائل الى تغيير القوة التي يمارسها بشكل جذري"، مضيفا انه في الوقت الذي تضعف فيه طهران وحلفاؤها، فان لدى صناع السياسة الغربيين فرصة للاستفادة من شبكات ايران للتوسط في ابرام صفقات تركز على المكاسبالاقتصادية المتبادلة، والاستقرار الاقليمي والحد من النشاط الاقتصادي غير الرسمي".
واوضح ان "اي اتفاق مع ايران لابد ان يطرح عليها تخفيفا متدرجا للعقوبات في مقابل فرض قيود يمكن التحقق منها على التخصيب النووي، والانشطة العسكرية والاقتصادية الاقليمية، مشيرا في هذا السياق الى الانخراط الناجح في خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 بين ايران ومجموعة الخمسة زائد واحد (الصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا بالاضافة الى المانيا) والذي اظهر فعالية الانخراط الدبلوماسي بدلا من العزلة، برغم تخلي ادارة ترامب عنها لاحقا".
واستدرك انه "يجب ان يتضمن الجزء المهم من اي استراتيجية للانخراط، التعامل مع الوسطاء الذين يمكنهم تمثيل صناع القرار في المحور والتاثير عليهم بشكل فعال"، مشيرا في هذا السياق الى "تجربة مستشار الامن القومي العراقي قاسم الاعرجي، الذيي يقدم مثالا جيدا عن هذه الشخصية، فهو بعدما خرج من منظمة بدر المتحالفة مع ايران وقوات الحشد الشعبي، قام في السنوات الاخيرة، بتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وبريطانيا وحلف "الناتو" ودول الخليج، مع الحفاظ في الوقت نفسه، على العلاقات مع ايران وحلفائها".
واعتبر التقرير ان "اشخاصا كالاعرجي في دول اخرى في المحور، يمكن تشجيعهم كوسطاء على دعم الاصلاح داخل المحور، في حين يحاولون التصدي لقدرته على المقاومة او التعطيل"، داعيا الى "وضع اليات مساءلة ومحاسبة قوية للحد من الاثار السلبية على السكان، وانما يجب ان يتمكن المشاركون المحليون من تحديد احتياجاتهم واستراتيجياتهم الخاصة، اذا انه بينما يمكن ان يكون الدعم الخارجي المستهدف والسري مفيدا، فان التدخلات العلنية من الخارج تثير مخاطرة بتصوير الاصلاحيين على انهم "وكلاء للقوى الاجنبية"، الامر الذي قد يؤدي الى تاكل ثقة الجمهور ودعمه".
وتابع التقرير، انه "يجب دعم المجتمع المدني والصحفيين المستقلين والاصلاحيين بشكل امن وغير مباشر"، مضيفا انه "قد لا يتم تعطيل المحور بشكل فوري، ولكن بشكل لاحق مثلما جرى مع سقوط نظام الاسد".
واوضح التقرير انه "من اجل تعزيز المساءلة بشكل اكثر فعالية، فانه يتحتم معالجتها ايضا على المستوى العابر للحدود ، بما يعكس الترابط الاقليمي بين قوى محور ايران"، موضحا انه "يمكن ان يؤدي الحد من الفساد داخل القطاع الحكومي الى تعزيز ثقة الجمهور وجذب الاستثمار الاجنبي، وبالتالي تعزيز الاقتصاد الرسمي وتحسين الادارة الشاملة، مما يحد من المساحة المتاحة للاقتصادات غير الرسمية".
وختم التقرير بالقول إن "سعي الشعب السوري لانهاء نظام الاسد، كان في جوهره، مطلبا للمساءلة والمحاسبة، وكان له اثار متتابعة على الشبكات الاقتصادية للمحور كله، مما اجبرها على اعادة تشكيل نفسها".