شفق نيوز/ اعتبرت مجلة "فورين آفيرز" الأمريكية أن الصين ستواجه التعثر في تطور نظامها السياسي والاقتصادي خلال منتصف القرن الحالي، بسبب تراجع معدلات الخصوبة والشيخوخة السريعة مع الانخفاض المطرد في عدد سكانها. 

 وترجمت وكالة شفق نيوز تقريرا للمجلة الأمريكية استهلته بالقول إن الصين تتقدم في العمر وتتراجع، حيث أنه بعدما ارتفع عدد سكانها من 540 مليونا في العام 1949 الى الذروة البالغة 1.4 مليار في العام 2021، إلا أنها تحولت الآن إلى الانخفاض خلال العام 2022. 

ولفت التقرير إلى انه خلال العقود المقبلة، فان الصين يتتبع بقية دول شرق آسيا في مستقبل يتسم بتراجع معدلات الخصوبة وتزايد الشيخوخة بسرعة، وانخفاض مطرد في عدد السكان. واضاف انه مع حلول منتصف القرن الحالي، فإنه من المتوقع ان ينخفض عدد سكان الصين بما يصل الى 200 مليون شخص عما هو عليه اليوم، وفي الوقت ذاته، فإن متوسط ​​العمر سيتزايد بشكل مطرد من 38 عاما في العام 2020 إلى حوالي 50 عاما.

وبعدما قال التقرير إن "الديموغرافيا ليست قدرا"، اوضح ان تقلص عدد السكان أو شيخوخة السكان لا يؤديان بالضرورة الى فناء الصين، إلا أن التحديات التي يشكلها تراجع القوة العاملة وتزايد أعداد كبار السن، ستكون كبيرة وهو ما يتطلب تخطيطا فعالا وطويل الأجل وقرارات لا تحظى بالشعبية، معتبرا أن النظام السياسي الآخذ بالتطور في الصين تحت حكم الامين العام "الاستبدادي" شي جين بينغ، يبدو غير ملائم لكي يتعامل مع هذه التحديات.

واعتبر التقرير أنه في ظل عودة الصين الى عصر حكم الرجل الواحد، فان ممارسات الحكم التكنوقراطي القائمة منذ عقود، آخذة بالتداعي، وهو ما يجعل من الصعب تطبيق التخطيط طويل الأجل، خصوصا في المناطق الريفية في الصين. 

ولفت التقرير الى محدودية قدرة الصين على الاعتماد على الهجرة الوافدة كتكتيك للتخفيف من آثار تراجع القوة العاملة، كما أن هناك احتمالات لتفاقم الانخفاض في معدل الخصوبة من خلال تعزيز العوامل الأساسية التي تدفع شباب الصين، وخاصة النساء، الى الانسحاب من الزواج وتربية الأطفال.

وتابع التقرير أنه مع حلول منتصف القرن ال21، فإن الصين قد تجد نفسها مطوقة بمجموعة من التحديات الداخلية الحادة، بما في ذلك التوترات المتزايدة مع النخب في المناطق الحضرية حول تكاليف المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية، وتدهور أحوال كبار السن في المناطق الريفية،وهو ما سيقيد بشكل متزايد صعود الصين كقوة عالمية.

وذكر التقرير؛ أن أكثر التحديات الديموغرافية في الصين خطورة تكمن في المناطق الريفية الفقيرة، موضحا أن السكان المسنين يتركزون في الريف حيث أنه في العام 2020 ، كان 17.7 % من سكان الريف يبلغون من العمر 65 عاما او اكبر، مقارنة بـ 11.1 % فقط في المناطق الحضرية. وتابع أن هذه الأرقام سترتفع خلال العقود القادمة، ما سيفرض ضغوطا اقتصادية واجتماعية هائلة على المجتمعات، مضيفا أن التخطيط لاحتياجات كبار السن في الريف، ستكون من أكثر المهمات التي تواجه قادة بكين، صعوبة. 

ولفت التقرير الى الفوارق فيما يتعلق بكبار السن، حيث يتلقى سكان الريف معاشات تقاعدية شهرية تبلغ 26 دولارا تقريبا، وهو أقل بكثير من ال 506 دولارات التي يتلقاها نظرائهم في المناطق الحضرية. 

واعتبر التقرير أن عودة الصين الى حكم الرجل الواحد، وتهميش المؤسسات التكنوقراطية، تزيد من تضاؤل قدرات بكين على التخطيط للمستقبل. 

ولفت الى ان التغيير الديموغرافي سيؤدي الى اجبار بكين على إعادة النظر في الوعود التي أطلقت من اجل الاجيال السابقة فيما يتعلق بالمزايا الحكومية، موضحا انه مع تقدم المجتمع الصيني في العمر، صارت برامج التقاعد غير مستدامة بشكل متزايد. 

الى ذلك، اشار التقرير الى ان كل مجتمع في شرق آسيا كان يواجه تدهورا ديموغرافيا، تحول الى الاعتماد على العمالة المستوردة للتخفيف من آثار انخفاض معدلات المواليد والشيخوخة المتسارعة، إلا أن تمحور الزعيم الصيني حول القومية العرقية، سوف يدمر قدرة بكين على استخدام هذه الاداة.

وتابع قائلا انه برغم التصورات المتعلقة بالقوى العاملة في القرن ال21 على أنها تنتشر فيها الروبوتات، إلا أن التكنولوجيا لم تلغ الحاجة إلى العمالة البشرية الشابة.

ولفت إلى أن عدد المقيمين الأجانب في كوريا الجنوبية وتايوان ارتفع من مستويات لا تذكر خلال الثمانينيات، إلى أكثر من 3% من السكان في كل منهما حاليا. وتابع أن هناك 1% أخرى تتعلق بالأجانب المتجنسين الذين حصلوا على الجنسية عن طريق الزواج. 

وتابع ان العاصمة التايوانية تايبيه، تشهد وجود العديد من النساء الفلبينيات والاندونيسيات اللواتي يعتنين بالمسنين والعجزة التايوانيين، كما أن عشرات الآلاف من الفيتناميين يعملون حاليا في مواقع البناء وقوارب الصيد التايوانية.

وأضاف أن اليابان قامت بالتخفيف من قيود قوانين الهجرة في العام 2019 ، ومنحت حقوقا أكبر للعمال الأجانب وطرح تأشيرات جديدة لجذب العمال من أصحاب المهارات المتوسطة، كما تبنت تايوان إصلاحا موازيا في العام 2022، واعلن رئيس مجلس التنمية الوطني ان تايبيه تسعى لجذب 400 ألف عامل مهاجر إضافي خلال العقد المقبل.

ورأى التقرير أنه لو كانت بكين جادة في التخطيط لمستقبلها الآخذ بالتقدم في السن، لكان لديها أوراقها الخاصة لتلعبها.

وتابع قائلا ان الصين تتمتع بمجموعة من الروابط مع أفريقيا، التي تعتبر المنطقة الوحيدة في العالم التي ستشهد طفرة شبابية خلال العقود القادمة. 

واوضح التقرير ان عدد الطلاب الافارقة في الصين ارتفع من 1793 في العام 2003 إلى أكثر من 80 الفا في العام 2018، مشيرا إلى ازدهار مجتمع حيوي يضم عشرات الالاف من التجار والمهاجرين الافارقة في منطقة قوانغتشو بحلول العام 2010. كما أن بكين تشارك في توسع كبير في التعليم المهني في افريقيا، مشيرا الى انه بالامكان تصور برامج مصممة خصيصا لتدريب جيل من الفنيين الافارقة للمساعدة في ادارة المصانع الصينية ومقدمي الرعاية الافارقة من اجل العناية بعشرات الملايين من كبار السن في المناطق الريفية مع تقدم سكان الصين في العمر.

إلا أن التقرير قال إن الشعارات الاشتراكية تؤكد على تأطير أكثر وضوحا للصين من حيث الثقافة والعرق، اذ ان السلطات حظرت الانتاجات الثقافية الاجنبية، سواء كانت معمارية أو احتفالات عيد الميلاد، وتعتبر أنها تتعارض مع جوهر الصين نفسها. ولفت ايضا الى تحول عرقي يؤجج نيران المشاعر المعادية للاجانب. 

وذكر التقرير بأنه منذ أوائل العام 2010، قامت الحكومة بإصلاح نظام الهجرة الخاص بها لتعميق العلاقات مع المغتربين الصينيين في الخارج وجذب المواهب الاجنبية بشكل افضل، الا ان بكين عندما أصدرت مسودة لوائح مقترحة تهدف إلى توسيع نطاق الإقامة الدائمة للأجانب بشكل معتدل في العام 2020، أثار ذلك دوامة من المشاعر الوطنية عبر الانترنت، حيث كان هناك أكثر من 4 مليارات مشاهدة للمنشورات حول هذا الموضوع على منصة التواصل الاجتماعي ( Weibo ) خلال أسبوع واحد. 

مستقبل رمادي

وختم التقرير بالقول إن مثل هذه الاتجاهات ستكون اختبارا بالنسبة الى الصين وهي تتقدم في العمر وتتقلص سكانيا، وان المناطق الحضرية ، ستشهد تزايدا في الصراع بين الحكومة والأعداد المتزايدة من المتقاعدين الحضريين العازمين على حماية مزاياهم. 

وتابع ان السلطات الصينية مضطرة الى التعامل مع التحولات الديموغرافية السريعة والقيود المتزايدة على الميزانية، ولهذا فإن المسؤولين المحليين سوف يميلون إلى التراجع عن الإجراءات التي تؤثر سلبا على المجتمعات الحضرية أو تأخيرها. 

وفي حين توقع التقرير تراجعا حاد في نسب المواليد، وفي تزايد الاعتماد على برامج رعاية المسنين في كافة انحاء الصين، رأى ان المناطق الريفية هي التي ستواجه ستواجه العبء الاكبر. وتوقع التقرير تطور الضغوط الاجتماعية في اتجاهات أكثر قتامة تحت الارض، بما في ذلك التوسع في الاتجار بالبشر للنساء الباكستانيات والبورميات في المناطق الريفية الفقيرة في الصين او ظهور برامج تجلب اسميا الطلاب الدوليين من البلدان الأقل تقدما الى الصين من أجل التعليم، بينما في الواقع يتم استغلالهم كمصدر للعمالة منخفضة التكاليف.

وخلص التقرير الى القول ان هذا لا يشكل وصفة لصعود النفوذ على العالم، ولا حتى لاستقرار اجتماعي بعيد المدى، موضحا أن شيخوخة السكان المتسارعة والنظام السياسي الاستبدادي الصارم بشكل متزايد، سوف يمثل عرقلة قوية للصين في منتصف القرن ال21.

ترجمة: وكالة شفق نيوز