شفق نيوز/ تطلقت مؤسسات صحية وأكاديمية متخصصة في العراق، تحذيرات متزامنة بين وقت وآخر مما أسمته بـ"القنابل الموقوتة" المتمثلة بأجهزة الموبايل والإلكترونية بأيدي الأطفال خصوصاً ممن دون سن السادسة واستخدامها لساعات طويلة من دون متابعة ذويهم.

وتكشف تقارير طبية عن زيادة واضحة تصل إلى الضعف في حالات "حول" الأطفال عما كانت عليه في السنوات السابقة، يؤكد أكاديميون أن اختبارات ذكاء الأطفال المتعرضين لهذه الأجهزة "مخيبة للآمال"، فيما يحذرون من "كوارث" مجتمعية تؤدي إلى تفكك الأسر مستقبلاً.

تحذيرات طبية عراقية

وكان مدير مستشفى ابن الهيثم التعليمي للعيون، وليد حميد جاسم، قد كشف في تصريحات تابعتها وكالة شفق نيوز، في 20 آب/ أغسطس، عن "زيادة نسبة انحراف العين (الحول) والأخطاء الانكسارية للأطفال ممن هم دون ست سنوات بنسبة تصل إلى 50%"، مبينا أنه "لا توجد إحصائية دقيقة لعدد الأطفال المصابين ولكن كنسبة فأنهم زادوا للضعف مقارنة بالسنوات السابقة وذلك نتيجة مشاهداتنا للمراجعات الطبية لقسم الحول الوحيد الموجود في العراق وتحديداً في مستشفى ابن الهيثم التعليمي للعيون".

ويوضح مدير المستشفى أن "ما نواجهه هو الاستخدام المفرط للموبايلات والأجهزة الإلكترونية عبر منح الأسر لأطفالها ممن هم دون ست سنوات هذه الهواتف والأجهزة"، مبيناً أن "من ضمن التأثيرات السلبية على الأطفال هو قلة الحركة والسمنة وتراجع الكفاءة الذهنية وزيادة حالات التوحد بسبب ابتعاد الطفل عن العالم الواقعي".

ويضيف أن "بعض أنواع الحول تتزايد نسبته باستخدام الموبايل وذلك بسبب شد عضلات العين"، موضحاً أن "في بعض الحالات يتحول الحول المخفي لدى الأطفال إلى ظاهري بسبب الاستخدام المتواصل لهذه الأجهزة، كما أن هناك تأثيرات سلبية أخرى لدى البالغين مثل جفاف العين وتشنج عضلاتها فضلاً عن أضرار أخرى".

وكان طبيب العيون، الدكتور محمد حمزة، شرح في حديث سابق لوكالة شفق نيوز، تأثير الأجهزة الإلكترونية على العين، موضحاً أن "استخدامها لفترات طويلة لمسافة أقل من 35سم يسبب جفاف العين، وحساسية مزمنة، وانتفاخ القرنية، واحمرار العين، والتهابات متكررة، بالإضافة إلى احتمالية الحول الداخلي، بسبب التركيز على نقطة قريبة لمدة طويلة".

ويبين حمزة، أن "الأطفال تحت سن العاشرة يحظر عليهم استخدام الأجهزة الذكية بكثرة، وتقليلها إلى ساعة في اليوم وتقسم بين الصباح والمساء، ويفضل استخدام الشاشات البعيدة (التلفزيون) التي تبعد ثلاثة أمتار عن العين للأغراض التعليمية وحتى للألعاب، أما فوق سن العاشرة فينبغي ألّا يزيد الاستخدام عن ساعتين في اليوم، وحسب الحاجة".

تقارير تحذر

ووفق إحصاءات سابقة لمنظمة اليونيسف فإن أكثر من 175 ألف طفل يستخدمون شبكة الإنترنت للمرة الأولى في كل يوم يمر، أي بمعدل طفل جديد كل نصف ثانية.

وحذرت المنظمة الأممية المعنية بالأطفال من أنه على الرغم من الفرص والفوائد العديدة التي تتيحها إمكانية الوصول الرقمية لهؤلاء الأطفال، إلا أن الإنترنت يعرضهم أيضاً لطائفة من المخاطر والأضرار، بما في ذلك الوصول إلى محتويات مؤذية، والاستغلال الجنسي والإساءات الجنسية، والتنمّر الإلكتروني، وإساءة استخدام معلوماتهم الشخصية.

كما كشف تقرير، نشر في الأول من آيار/ مايو الماضي، أعده خبراء بتكليف من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن أنه لا ينبغي السماح للأطفال استخدام الهواتف الذكية حتى يبلغوا 13 عاماً، بل يجب منعهم من الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية مثل "تيك توك" و"إنستغرام" و"سناب تشات" حتى يبلغوا 18 عاماً.

وأضاف التقرير "شديد اللهجة"، أن الأطفال بحاجة إلى الحماية من "إستراتيجية صناعة التكنولوجيا التي تهدف إلى الربح لجذب انتباه الأطفال، واستخدام جميع أشكال التحيز المعرفي لإبعاد الأطفال عن شاشاتهم، والسيطرة عليهم، وإعادة إشراكهم وتحقيق الدخل منهم".

وأوضح التقرير أن الأطفال دون سن الثالثة يجب ألا يتعرضوا للشاشات، بما في ذلك التلفزيون، ولا ينبغي أن يكون لدى أي طفل هاتف قبل سن 11 عاماً، كما بيّن إن أي هاتف يمنح لطفل يتراوح عمره بين 11 و13 عاماً يجب أن يكون هاتفاً لا يمكنه الوصول إلى الإنترنت، وحددت الحد الأدنى للعمر الذي يجب أن يسمح فيه له بهاتف ذكي متصل بالإنترنت عند 13 عاماً.

سلاح ذو حدين

وتقول الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي في حديث لوكالة شفق نيوز، إن "الموبايلات والأجهزة الإلكترونية هي سلاح ذو حدين، فهي من ناحية تنمي ذكاء الأطفال وتجعلهم يبدعون في مجالات معينة، وفي الجانب الآخر فإن الأطفال يتابعون أموراً وأشياء قد لا تليق بعمرهم".

وتضيف "بالمجمل فإن هذا الأمر تتحمله الأسرة لقلة اهتمامها بأطفالها وقلة وعيها لترك أطفالهم أمام الأجهزة لساعات طويلة، فلا ضير من متابعة الأطفال لهذه الأجهزة ومواقع التواصل ولكن برعاية أبوية ولساعات محددة كأن تكون ساعة أو ساعتين بالمجمل"، مبينة أن "هناك تأثيرات إيجابية على الأولاد نتيجة هذه المتابعات منها تعلم الرسم واللغة الإنكليزية على سبيل المثال".

وتبين أن "الألعاب الإلكترونية بالمقابل تسبب إدماناً لدى الطفل وتضر ببصر الأطفال إذا لم تتدخل الأسر لمتابعة أطفالها لأن بصر الطفل ممكن أن يضعف أو ينتهي تماماً، وهناك تقارير تتحدث عن أضرار أخرى في حركة اليد والأصابع لدى الأطفال نتيجة إدمانهم هذه الألعاب، وهذا الأمر خطر جداً على الأطفال".

"كوارث اجتماعية"

بدوره يحذر الباحث الأكاديمي الدكتور رافع مؤيد عبد الله، في حديث لوكالة شفق نيوز، من "آثار اجتماعية خطيرة مقبلة على الأسرة نتيجة متابعة الأطفال العاب الموبايل".

ويضيف أن "بعض الأمهات لديهن إهمال كبير لأطفالهن عبر متابعتهن مواقع التواصل الاجتماعي ومراكز التجميل والتسوق عبر الإنترنت، ولهذا فهي تمنح طفلها الموبايل وتتركه لساعات طويلة بلا رقابة، وأول حالة ستصادف الأطفال المتابعين بشراهة للموبايلات هي مرض التوحد".

وينقل الدكتور المختص تجربة شخصية مع إحدى الزميلات التي تمتلك مركزاً لمعالجة التوحد حيث يؤكد "وجود زيادة في حالات التوحد للأطفال حالياً عن الفترات السابقة بسبب متابعة الأطفال الموبايلات والأجهزة الإلكترونية".

ويؤكد عبد الله أن "ما يجب الانتباه له هو أن الاضرار لا تأتي على الطفل وحده وإنما تؤدي هذه الحالات إلى خلل بالعلاقات الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة وبين الزوج وزوجته وتصل في بعض الأحيان إلى الطلاق والتفكك الأسري".

ويشير إلى أن "المشاكل ستكون مستمرة بين الزوجين قبل وبعد تشخيص حالة الطفل المصاب وتبادل للاتهامات بين الزوجين لعدم متابعة الأطفال وهذه كوارث لا أحد ينتبه لها ولا يحمد عقباها".

"حول عقلي" ومنهج دراسي

من جانبه، يوضح عضو مركز البحوث النفسية بجامعة بغداد، الدكتور أحمد الذهبي، في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "جامعة بغداد أدخلت ومنذ نحو أربع سنوات منهجاً دراسياً لطلبتها في الدراسات العليا لمرحلتي الماجستير والدكتوراه وهو علم نفس الإنترنت، إذ يتناول الأضرار الطبية للإنترنت على الأطفال واعوجاج العمود الفقري نتيجة الجلوس الطويل على الإنترنت وعدم بروز شخصية الطفل وصعوبة التعامل مع المجتمع".

ويضيف "هناك حاجة فعلية لتربية الآباء قبل تربية الأبناء، وفي مركز البحوث النفسية فإننا نجري فحوصات لنسب الذكاء لدى الأطفال وتحديداً في المرحلة الابتدائية وصولاً إلى المرحلة المتوسطة وتوصلنا إلى أن نسب الذكاء مخيبة جداً بسبب إدمان الإنترنت".

ويتابع الذهبي أن "من ضمن الأضرار الطبية على الطفل احمرار العينين واعوجاج العمود الفقري ونلاحظ وجود حالة أخرى وهي أن الطفل الذي يتابع الأجهزة اللوحية والموبايل لساعات طويلة أما يكون نحيفاً أو سميناً بسبب تواجد الطفل لأكثر من عشر ساعات على الإنترنت"، مبينا أن "الحول العقلي موازٍ لحول البصر كما أثبتته نسب قياسات الأطفال في مركزنا".

ويوضح الأستاذ الجامعي أن "هناك شروطاً يجب على الآباء وضعها لمنع الأبناء من التعرض الدائم للإنترنت ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها وضع جدول زمني لتشغيل الإنترنت وإطفائه وعدم السماح ببقائه مفتوحاً على الدوام لأن هناك الكثير من الأبناء يغافلون آبائهم ويسهرون حتى ساعات الصباح على الإنترنت، فضلاً عن ضرورة التواصل المستمر بين الآباء والأبناء والاستماع لأفكارهم ليتم ترسيخ القيم التربوية الصحيحة".