شفق نيوز/ بينما تسيطر منذ أيام طويلة رائحة الكبريت الكريهة والسماء الضبابية على أجواء العاصمة العراقية بغداد، أطلق مختصون تحذيرات من خطورة هذا الغاز السام الذي بارتفاعه إلى نسب قاتلة قد يسبب توقف القلب والدورة الدموية وقد يسبب الاختناق وحتى توقف الجهاز التنفسي.

وتجددت اليوم الاثنين، ظاهرة ارتفاع مستويات التلوث في بغداد، لتصل إلى مستويات خطيرة تفوق تلك المسجلة في الأيام السابقة، فيما وثق مواطنون عبر مقاطع فيديو شبه انعدام الرؤية في مناطق مختلفة من بغداد ما يعكس مدى تلوث الهواء، مطالبين الجهات المختصة بالتدخل العاجل لاتخاذ إجراءات فعالة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة.

"أنا اختنق يومياً"

ويقول عباس يالحسيني طبيب استشاري أطفال يسكن بغداد، "أنا اختنق يومياً في الليل وبدأت أعاني من تحسس قصبي ويصبح صوتي به نوع من (البحة) نتيجة استنشاق الروائح الكريهة التي تشهدها العاصمة منذ أيام، وهي أشبه برائحة البيض الفاسد نتيجة انبعاثات كربونية نتيجة احتراقات غير جزئية وخاصة في شرق القناة في المناطق القريبة من مواقع الطمر (غير الصحي)".

ويشير الحسيني خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "دول العالم تستثمر النفايات وتجعلها مورداً سواء للكهرباء أو موارد طاقة إلا في العراق، حيث تتحول النفايات إلى بيئة سامة، ونتيجة لهذا الطمر غير الصحي يتحول إلى (ثاني أوكسيد الكبريت) وهو غاز سام قد يسبب مشاكل عند الأطفال وكبار السِن".

ويوضح، أن "استنشاق هذا الغاز السام قد يسبب عند الأطفال دون الخمس سنوات التهابات رئوية والتهابات تحسسية في القصبات وكذلك عند كبار السِن، وقد يتطور الأمر إلى التهابات في الدم نتيجة الالتهابات الرئوية، وقد يكون عاملاً مسرطناً، وبارتفاعه إلى نسب قاتلة قد يسبب توقف القلب والدورة الدموية وقد يسبب الاختناق وتوقف الجهاز التنفسي".

تلوث الهواء على قسمين

من جهته، يعزو الباحث والراصد الميداني المختص بمجال البيئة، صميم سلام، الأسباب الرئيسية لتلوث الهواء إلى قسمين، "الأولى المنشآت الصناعية (محطات توليد الكهرباء، ومعامل الأسفلت المؤكسد وغير المؤكسد، ومصفى الدورة وغيره)".

ويبين سلام لوكالة شفق نيوز، أن "النشاطات الصناعية في حزام بغداد أو المدن القريبة منها - التي أغلبها غير حاصل على الموافقات البيئية - تنتج أبخرة وانبعاثات ثاني أوكسيد الكبريت أو ثنائي كبريتيد الهيدروجين، وهذه تتفاعل وتكون أثقل من الهواء، وبالتالي تتركز بين الأبنية".

وعن السبب الثاني لتلوث الهواء، يذكر سلام، هو "حرق النفايات بالمطامر غير الصحية الموجودة في معسكر الرشيد وحول المدن التي تسمى (طمر وسطي) وينقل بعدها إلى الطمر النهائي، وهذه النفايات قد تُحرق بشكل غير مقصود كأن يكون من النباشة الذين يبحثون عن النحاس والكرتون وغيره، ما قد يسبب هذا التلوث".

بغداد الأولى عربياً

تصنف بغداد بالمرتبة الأولى في العالم العربي والمدينة 13 في العالم بتلوث الهواء في عام 2022، "لكن لم يتم اتخاذ إجراءات منذ ذلك الوقت لغاية الآن"، بحسب الخبير في مجال البيئة، جاسم الأسدي.

ويؤكد الأسدي لوكالة شفق نيوز، أن "تلوث الهواء في بغداد خطير، وهذه ليست المرة الأولى التي يؤشر فيها هذا التلوث، حيث شهدت العاصمة قبل هذا التلوث، تلوث المياه والتربة بمياه الصرف الصحي المشبعة بالعناصر الثقيلة ومخلفات المستشفيات التي ترمى في دجلة، والتصحر الذي يزحف على بغداد".

ويرجع الأسدي الغمامة السوداء (ثاني أوكسيد الكبريت) التي تغطي بغداد، إلى "مصفى الدورة وسط بغداد إضافة إلى معامل الطابوق القريبة من التجمعات السكانية، وحرق القمامة في مناطق مختلفة من العاصمة وعوادم السيارات الهائلة والمولدات".

وكان مصدر مطلع، أفاد بأن الحكومة العراقية تدرس مقترحاً لنقل مصفى الدورة إلى خارج العاصمة، حيث أبلغ المصدر وكالة شفق نيوز بأن مجلس الوزراء يدرس مقترحاً لتفكيك ونقل المصفى من بغداد. ويتضمن المقترح عرض مساحة المصفى في بغداد لمشروع استثماري.

بدوره، أرجع مرصد "العراق الأخضر" المتخصص في شؤون البيئة، أسباب انتشار رائحة الكبريت في سماء العاصمة بغداد بشكل متكرر إلى استخدام نفط عالي الكبريت في محطات توليد الكهرباء.

وحذر المرصد، من أن هواء بغداد، خاصة خلال الأيام الأخيرة، بات محملاً بمواد خطرة تهدد صحة الأطفال وكبار السِن، مشيراً إلى أن بغداد تسجل لأول مرة نسبة تلوث في الهواء تصل إلى 515%.

موقف وزارة البيئة

من جانبها، أعلنت وزارة البيئة العراقية عن عقد جلسة "طارئة" لمناقشة حلول تلوث الهواء في بغداد برئاسة محافظ العاصمة. وقالت في بيانٍ لها إن الجلسة شهدت مناقشة مستفيضة لمشكلة تلوث الهواء وسبل مواجهتها.

وفي خطوة تعكس جديّة الحكومة في معالجة هذه القضية، أصدر رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، السبت الماضي، توجيهاته بتشكيل لجنة وزارية متخصصة لمعالجة مشكلة تلوث الهواء في سماء بغداد، على أن تقدم توصياتها خلال يومين.

وفي هذا السياق، يقول المتحدث باسم وزارة البيئة العراقية، لؤي المختار، لوكالة شفق نيوز، إنه "تم تشكيل لجنة من قبل رئيس الوزراء وهي تعمل بشكل جدي وأخذت مسحات من الجو، وهناك إجراءات تم اتخاذها لتحسين الواقع، وسيتم الانتهاء من التقرير اليوم، وبعدها سيرسل لرئيس الوزراء، وسيتضمن إجراءات آنية وأخرى حلول جذرية لهذه المشكلة".

وكانت وزارة البيئة قد أوضحت في وقت سابق، أن الانبعاثات الغازية الضارة والروائح الكريهة التي يعاني منها سكان بغداد، خاصة في أوقات متأخرة من الليل، ترجع إلى احتراق النفط الأسود في محطات توليد الطاقة، ومعامل الإسفلت والطابوق، فضلاً عن إشعال النيران في مطامر النفايات غير الصحية في أطراف العاصمة.