شفق نيوز/ تتزايد المشكلات التي يخلفها التغير المناخي يوماً بعد آخر، خسائر اقتصادية كبيرة، وأخرى اجتماعية يتسبب بها الجفاف الذي دفع بسكان الريف للهجرة الى المدينة.
وفي خضم ذلك يرى موقع "دويتشه فيله" الألماني في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، ان "سكان القرى الريفية الذين يهاجرون الى المدن الكبرى كبغداد، بحثا عن العمل، يحملون معهم افكارهم ومعتقداتهم الاجتماعية والثقافية الخاصة التي تثير توترات وعنف داخل مجتمعاتهم الجديدة".
وينقل التقرير الالماني عن الصحفية مراما حبيب، المقيمة منذ فترة طويلة في حي الكرادة الراقي في بغداد، ولكنها متحدرة اساسا من قرية صغيرة بالقرب من كربلاء، قولها إنه "في القرية ، مثل تلك التي جئت منها، لا يقبل الناس بجلوس الغرباء خارج ممتلكاتهم او عند جدرانهم".
وفي المقابل، فان الجميع في المدن يفعلون هذه الامور بشكل اعتيادي، كما تشير حبيب موضحة انه من الطبيعي ان تجلس في الشارع خارج منزل شخص ما، لكن المزارعين الآتين من الارياف "لا يفهمون هذا ويخرجون ويبدأون في الجدال. لقد رايت الناس يتشاجرون".
واشار التقرير الى ان حبيب (وهذا اسمها المستعار اذ تخشى ردودا سلبية من محيطها المجتمعي والعائلي)، تقدم مثالا اخر على الصدام المتزايد بين الثقافتين الريفية والمدنية في العراق، موضحة ان العائلات الريفية ليست متعودة على رؤية النساء وهن يرتدين ملابس على الطراز الغربي".
واوضحت حبيب فكرتها قائلة إن "النساء في القرى، يغطين انفسهم بشكل اكبر"، مشيرة الى ملابس الرداء الطويل والفضفاض الذي يغطي اجسادهن".
وتضيف حبيب التي تلتزم هي نفسها بالملابس المحتشمة اجتماعيا، وهي تضحك بالقول انه "عندما ياتي المزارعون الى بغداد يعتقدون ان النساء اللواتي يرتدين ملابس غربية هن عاهرات، مضيفة ان ذلك من شأنه ان يسبب مشاكل.
وقالت "انا بالاصل من الارياف ولهذا ادرك من اين اتوا، واحاول التحدث معهم، لكن ذلك يسبب مشاكل".
مشكلة متفاقمة
واعتبر التقرير ان هذا النوع من المشاكل المجتمعية من المرجح ان يشهد العراق المزيد منها، مشيرا الى ان الامم المتحدة تقول ان العراق من اكثر خمس دول في العالم تعرضا للتضرر من التغيير المناخي، حيث ان نحو 92٪ من اراضي العراق مهددة بالتصحر بينما تتزايد درجات الحرارة سبع مرات اسرع من المتوسط العالمي، وهو ما يفرض صعوبة ان لم يكن استحالة ممارسة الزراعة، ويتسبب ايضا بهجرة عائلات المزارعين الى المدن بحثا عن العمل.
ونقل التقرير عن المدير في مكتب مجلس اللاجئين النرويجي في العراق جيمس مون قوله ان "المدن الريفية "تواجه بالفعل عددا من القضايا"، موضحا انه بسبب المراحل الطويلة للصراع، فان المناطق الريفية تعاني من شح الموارد، وهناك عدد اقل من الوظائف، بينما لا يتوفر الكثير من البنية التحتية، وهناك شح في المياه، وعدد محدود من المدارس والمستشفيات".
وتابع مون قائلا انها "الخلفية لما يجري الان، ولهذا فان التغيير المناخي يزيد من حدة جميع نقاط الضعف هذه، ويجبر المزيد من الناس على المغادرة".
ونقل التقرير عن متحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة التابعة للامم المتحدة في العراق، قوله انه بين يونيو /حزيران 2018 ويونيو/حزيران العام 2023، فإن المنظمة حددت نزوح ما لا يقل عن 83 الف شخص "بسبب التغيير المناخي والتدهور البيئي في وسط وجنوب العراق"ن موضحا ان هذه التحركات هي غالبا من الريف باتجاه المناطق الحضرية ولمسافات قصيرة".
واكد المتحدث ان "المجتمعات المضيفة في المناطق الحضرية اشارت الى حدوث توترات".
واشار التقرير الى ان العديد من هؤلاء النازحين ينتهي بهم الامر وهو يقيمون في مدن الأكواخ او المستوطنات العشوائية في المدن الكبرى وحولها.
وبحسب المتحدث باسم منظمة الهجرة، فانه يتم توظيف غالبية النازحين في وظائف منخفضة الاجر في القطاع غير الرسمي، مثل العمل اليومي او التجارة غير الرسمية، او الاعمال التجارية الصغيرة او في ورش العمل، في حين يحصل السكان المحليون في الغالب على وظائف حكومية".
وتحدث التقرير عن منافسة تجري بين القادمين الجدد مع المقيمين منذ فترات طويلة، سواء على البنية التحتية المثقلة بالاساس، وفي ميادين النقل والرعاية الصحية والتعليم، وحتى على انظمة الصرف الصحي ومياه الشرب النظيفة فيما شبكات الدعم الاجتماعية تكون محدودة الدور.
انقسام سياسي بين الريف والمدن
وذكر التقرير ان الكراهية بين الارياف والمناطق الحضرية اخذة في الازدياد، موضحا ان سكان المدينة يشتبهون بالقادمين الجدد في مجالات الجريمة والعنف والسياسة البدائية حيث يعتبرون انهم يجلبون معهم الصراعات العشائرية الى المدينة، في حين يميل السياسيون المحليون الى الاستفادة من النازحين من المناطق الريفية ككبش فداء.
الا ان التقرير اوضح ان هذا الوضع لا ينطبق على العراق وحده، حيث ان علماء الاجتماع لاحظوا منذ فترة طويلة الاختلافات السياسية بين سكان المدن الذين قد يكونون اكثر ليبرالية وتسامحا مع التنوع الثقافي، وبين سكان الريف الاكثر تحفظا او تدينا.
واعتبر التقرير ان المثال الاكثر وضحوا حول ذلك هو مدينة الصدر التي شيدت في الخمسينيات من القرن الماضي لاستيعاب ابناء الارياف الذين فروا من الجفاف والفقر والطرد، وهم مع مرور الوقت حولوا المناطق المحيطة الى مواقع اساسية للمقاومة وقواعد شعبية لدعم الشيوعيين والقوميين، ولاحقا للاسلاميين الشيعة، وفق ما اشار اليه استاذ الهندسة المعمارية هوما غوبتا في العام 2021، حيث اعتبر ان الهجرة الريفية الى بغداد "غيرت بشكل اساسي المسار السياسي للعراق".
وبعدما تساءل التقرير عما يمكن القيام به، من اجل الحفاظ على التماسك الاجتماعي في مواجهة النزوح المتزايد الناجم عن المناخ، قال التقرير ان الخبراء طرحوا حلولا محتملة، من بينها اقتراح منظمة الهجرة التي تقول انه بامكان البرامج المستقبلية ان تركز على دعم جهود التماسك الاجتماعي في المناطق التي يتم فيها تسجيل عدد كبير من المهاجرين بسبب المناخ، وانه يجب القيام بالمزيد من الابحاث حول التصورات القائلة بان المظالم العشائرية الريفية التي لم يتم حلها لديها القدرة على تعزيز الحوادث الامنية. كما انه يتحتم دائما تعزيز حقوق المهاجرين والنازحين الذين يتنقلون عبر المحافظات. وهناك ايضا لنصائح اخرى لخبراء يعتبرون ان بامكان السلطات المحلية القيام بحملات توعية وتشييد مساكن افضل للنازحين الجدد فيما يعاني العراق بالفعل من نقص في المساكن ومن المعتقد انه يحتاج الى 2.5 مليون وحدة سكنية اضافية، كما انه بالامكان المساعدة في التوظيف والوصول الى الخدمات التي تؤمنها الدولة.
الا ان التقرير اعتبر بانه بسبب قضايا مثل عدم الاستقرار السياسي والفساد، فان الحكومة العراقية لم تتمكن من الاستجابة بشكل مناسب لتغير المناخ بشكل عام.
ونقل التقرير عن الناشط البيئي العراقي احمد صالح نعمة، المقيم في جنوب العراق، قوله انه "بالرغم من ان بعض اجهزتها تتحدث عن ذلك، الا ان الحكومة العراقية ليس لديها خطة لهؤلاء الاشخاص".
واعتبر نعمة ان الحكومة لا تزال تنكر بعض الاحصائيات المتعلقة بالنزوح الداخلي. لذلك لا توجد خطة في هذا المجال. وتابع قائلا انه بالنسبة للمنظمات الدولية مثل تلك التابعة للامم المتحدة، فانها لا تزال في طور البحث والعمل على كيفية تقديم المساعدة.
ونقل التقرير عن مون، من المجلس النرويجي للاجئين، قوله ان "موقف الحكومة الفعلي يبدو انه بدلا من الاعتراف بالنزوح المرتبط بالمناخ، فانه من الاسهل الادعاء بانهم مهاجرون لاسباب اقتصادية".
واضاف قائلا، "نحن ندرك انها مشكلة ونحن نتتبعها بافضل ما لدينا من قدرات، ولكن، بشكل عام، لا يوجد فعليا اي نظام دعم دائم لهم، او حتى الكثير من الاعتراف بان هذه تمثل مشكلة".