شفق نيوز/ نشرت مجلة "نيويوركر" الامريكية للمرة الاولى صوراً لـ"مذبحة حديثة" بمحافظة الانبار التي ارتكبها الجيش الامريكي وراح ضحيتها 24 من المدنيين العراقيين بينهم اطفال في العام 2005.
ووصفت تلك المجزرة وفقاً للصحيفة بانها بمثابة فضيحة "أبو غريب" اخرى، الا انه لم يتم نشر صورها سابقا.
واستعادت المجلة الامريكية في تقرير لها ترجمته وكالة شفق نيوز، ما جرى في صباح يوم 19 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2005، عندما كانت قوة من جنود (المارينز) تتحرك في أربع سيارات "همفي" على طريق في مدينة حديثة، عندما انفجرت عبوة بالقافلة العسكرية، فقتل احد الجنود وهو ميغيل تيرازاس واصيب اثنان اخران.
وأشار التقرير الأمريكي إلى ان ما جرى بعد هذا الهجوم، سيثير واحدة من أكبر التحقيقات في جرائم الحرب في تاريخ الولايات المتحدة.
واوضح التقرير انه "في الساعات القليلة التي تلت الهجوم، عمدت قوات (المارينز) الى مقتل 24 رجلا وامراة وطفلا من العراقيين".
وتابع قائلا، إن "الجنود قتلوا بالقرب من موقع الانفجار، 5 رجال كانوا في سيارة متجهين الى احدى الكليات الجامعية في بغداد، ثم دخل جنود (المارينز) 3 بيوت في الجوار وقتلوا كل من كان بداخلها تقريبا، حيث كان أصغر الضحايا فتاة تبلغ من العمر 3 سنوات، واكبر الضحايا رجل في الـ76 من العمر".
ولفت التقرير الى ان "الجنود الامريكيين، ادعوا لاحقا انهم كانوا يشتبكون مع مسلحين من المتمردين في ذلك اليوم، إلا أن القتلى كانوا جميعا من المدنيين".
إلا أن التقرير كشف أنه بعد انتهاء عملية القتل، قام اثنان اخران من جنود "المارينز" بتوثيق ما جرى، وهما العريف ريان بريونيس والعريف اندرو رايت، باستخدام كاميرا رقمية، وقاما بوضع علامات على الجثث بالارقام ثم تصويرها. وبالاضافة الى ذلك، فان جنودا آخرين من "المارينز" بمن فيهم احد العاملين مع الاستخبارات، قام بتصوير المشاهد.
وتابع التقرير انه مع اكتمال ما قاموا به، فان هؤلاء الجنود كانوا قد جمعوا من خلال هذه الصور ما سيكون أقوى دليل ضد زملائهم في "المارينز".
وقال التقرير إن ما جرى عرف باسم "مذبحة حديثة"، وقد جرى توجيه اتهامات بالقتل الى 4 من "المارينز"، الا ان هذه الاتهامات جرى اسقاطها لاحقا، مشيرا الى ان الجنرال جيمس ماتيس، الذي أصبح وزيرا للدفاع لاحقا، كتب رسالة إلى أحد الجنود، أسقط فيها التهم الموجهة إليه وأعلن براءته.
وتابع التقرير أنه مع حلول العام 2012، عندما أقفلت القضية النهائية من خلال صفقة إقرار بالذنب دون عقوبة السجن، كانت حرب العراق قد انتهت، مضيفا أنه نادرا ما جرى الاهتمام بقصص حول ارث الاحتلال الأمريكي.
جرائم حرب
وبعدما قال التقرير إن تأثير جريمة الحرب المفترضة غالبا ما يكون مرتبطا بشكل مباشر بفظاعة الصور التي تصل الى متناول الجمهور، ذكر التقرير كيف تحولت الانتهاكات بحق المعتقلين في سجن ابو غريب، الى فضيحة دولية عندما جرى نشر صورها المروعة.
إلا أن التقرير قال إن عمليات القتل في مجزرة الحديثة لم تحظ بهذا التأثير، اذ ان عددا قليلا من الصور التي التقطها جنود المارينز وصلت إلى ايدي عامة الناس، كما انه لم يتم نشر معظمها نهائيا.
وذكر التقرير كيف أن قائد قوة المارينز وقتها الجنرال مايكل هاجي، تباهى خلال مقابلة في العام 2014، بأن صور المجزرة بقيت سرية، قائلا ان "الصحافة لم تتمكن من الحصول عليها، على عكس ابو غريب".
وذكر التقرير كيف أن المحاور فريد اليسون، وهو متخصص بشؤون المارينز، قاطعه معلقا "الصور... لقد حصلوا على الصور. وهذا هو ما كان سيئا للغاية فيما يتعلق بابو غريب"، حيث رد الجنرال هاجي قائلا "نعم وقد تعلمت من ذلك، فهذه الصور اليوم لم تتم مشاهدتها حتى الآن، ولهذا فانني فخور جدا بذلك".
واشار التقرير الى ان فريق المجلة تقدم في العام 2020، بطلب بموجب قانون حرية المعلومات إلى سلاح البحرية الامريكية، من اجل الوصول الى السجلات التي تتضمن الصور، على امل اعادة تحديد ما جرى في ذلك اليوم، ومعرفة الأسباب التي جعلت الجيش يسقط الاتهامات بالقتل ضد الجنود المتورطين، إلا أن سلاح البحرية لم يرد، فجرى التقدم بدعوى قضائية ضد سلاح البحرية و"المارينز" والقيادة المركزية الامريكية، بهدف اجبارهم على تسليم الصور والسجلات الاخرى المتعلقة بما جرى في الحديثة.
ولفت التقرير إلى أنه كان من المتوقع ان تدعي الحكومة أن نشر هذه الصور سيلحق ضررا بأفراد عائلات القتلى الذين بقوا على قيد الحياة، وهي حجة كان المدعون العسكريون قد طرحوها بالفعل بعد محاكمة المتهم الأخير بين جنود المارينز.
وفي الوقت نفسه، قال التقرير إن فريقا من المجلة سافر إلى العراق لكي يجتمع بافراد عائلات الضحايا في حديثة، حيث تحدثوا عما جرى يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، ومحاولاتهم لتحقيق العدالة، والتي منيت بالفشل.
ونقل التقرير عن المحامي خالد سلمان رصيف الذي خسر 15 شخصا من أفراد عائلته في المجزرة، قوله "اعتقد انه من واجبنا قول الحقيقة".
تعاون غير عادي
كما نقل التقرير عن رجل آخر يدعى خالد جمال الذي كان في ال14 من عمره عندما قتل والده وأعمامه في المجزرة، قوله إنه امضى سنوات يتساءل عما حدث في اللحظات الاخيرة لأفراد عائلته. وتساءل جمال قائلا "هل ماتوا كرجال شجعان؟ هل كانوا خائفين؟.. اريد ان اعرف التفاصيل".
ولفت التقرير إلى أن رصيف وجمال وافقا على على منح المجلة صورا متعلقة بأفراد عائلتهما المقتولين، وهو ما وصفه التقرير بأنه تعاون غير عادي حيث يعمل صحفي امريكي مع رجلين عراقيين قُتل افراد من اسرتيهما، معا من اجل كشف أسرار الجيش الامريكي.
واشار التقرير الى ان الرجلين حملا استمارات تتيح نيل موافقة افراد الأسرة الباقين على قيد الحياة التوقيع عليه، كوافقة على حصول المجلة على الحق بنشر الصور على الصور. وفي أحد المنازل، قال جمال لوالد أحد الرجال المقتولين في السيارة التي كانت متوجهة الى بغداد، "بالتأكيد أنا واحد منكم". وعندما طلب منه جمال التوقيع على الاستمارة بالقول "سينكشف ما حدث في المجزرة”، رد الاب حميد فليح حسن بالقول "الغريق سيتعلق بالقشة، سنوقع. نوقّع، وسأوقّع عليه مرتين، وليس مرة واحدة".
وختم التقرير بالقول إنه جرى جمع 17 توقيعا. وتابع أنه بعد مرور أكثر من 4 سنوات على الطلب الأولي بموجب قانون حرية المعلومات، فإن الجيش الأمريكي رضخ ومنح الصور للمجلة التي اختارت نشر مجموعة منتقاة منها، بعد الحصول على إذن من أفراد العائلات، والتي تتضمن مشاهد لرجال ونساء واطفال صغار، وقد اصيب العديد منهم بطلقات في الرأس من مسافة قريبة نسبيا.
ترجمة: وكالة شفق نيوز