شفق نيوز/ بينما تواصل المرأة العراقية تحقيق الإنجازات خلال العقدين الماضيين، لكنها ما تزال لغاية الآن لم تصل إلى مستوى الطموح، نظراً لوجود تحديات كثيرة (اجتماعية وقانونية وسياسية)، كما أن "العقلية الذكورية" تعد أكبر تحد اجتماعي تواجهه المرأة في هذا البلد.

ويأتي ذلك، في وقت يحتفل فيه العالم بيوم المرأة العالمي الذي يصادف 8 مارس/آذار من كل عام، وفي هذا اليوم تنظم الفعاليات حول العالم تكريماً لإنجازات المرأة، ورفع الوعي السياسي والاجتماعي بقضاياها.

وتخرج في العديد من المدن مسيرات وتجمعات ومظاهرات، وتمتلئ الشوارع في بعض هذه المدن باللون الأرجواني الذي يرتبط بحقوق المرأة.

ويأتي احتفال هذا العام تحت شعار "الحقوق والمساواة والتمكين لكافة النساء والفتيات"، ويدعو إلى اتخاذ إجراءات يمكن أن تطلق العنان للحقوق المتساوية والسلطة والفرص للجميع ومستقبل نسوي واعد، ومواجهة التهديدات المتزايدة التي تعيق تقدم المرأة.

إنجازات سياسية

وبحسب وزير الدولة سابقاً والناشطة في مجال حقوق المرأة، الدكتورة بشرى الزويني، فإن "هناك إنجازات تحققت للمرأة منذ التغيير عام 2003 وإلى الآن، حيث لها 96 مقعداً في البرلمان وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ العراق منذ تأسيس الملكية العراقية وإلى يومنا هذا".

وقالت الزويني، لوكالة شفق نيوز، إن "للمرأة في الحكومة الحالية وزارة سيادية وهي وزارة المالية، وهذا يحصل لأول مرة، كما هناك 111 مدير عام و5 وكيل وزير و122 بين قاضية ومدعي عام، كذلك هناك تواجد للمرأة في السلطة التنفيذية وهذا يعتبر إنجازاً".

أما على مستوى التشريعات، بينت الزويني، أن "هناك بحدود 13 تشريعاً آخرها حماية النساء الناجيات، وخصص القانون المرأة الإيزيدية لخصوصيتها، فقد عانت من أبشع أنواع العنف".

وتابعت: "كما هناك قانون استبدال أعضاء مجلس النواب الذي اشترط عند خروج امرأة من مجلس النواب دخول امرأة أخرى بغض النظر عن نسبتها وعددها في المجلس".

ورغم كل ذلك، نوهت الوزيرة السابقة، إلى أن "المرأة العراقية لم تصل إلى مستوى الطموح، حيث هناك الكثير من التشريعات بحاجة إلى التعديل، وخاصة قانون العقوبات المخالف للمادة 14 من الدستور، لأنه يفرّق بين المرأة والرجل، حيث تكون العقوبات أقسى على المرأة في بعض المواد القانونية، كما هناك حاجة إلى مراجعة قانون الأحوال الشخصية".

وأكدت أن "المرأة تواجه تحديات كثيرة (اجتماعية وقانونية وسياسية)، فلا يزال الرجل السياسي يجد المرأة منافساً وليس شريكاً في بناء الدولة، ولا زالت العقلية العراقية ذكورية تجد الكفاءة عند الرجل، مع العلم أن هذا بعيد عن المنطق، كما أن بعض الوظائف لا تتطلب قوة جسدية بل إلى عقلية، لذلك أكبر تحدي اجتماعي تواجهه المرأة العراقية هي العقلية الذكورية". 

تحدي ضغوط العمل

يذكر أن مجلة ceoworld، أفادت في أبريل/نيسان 2024، بأن العراق جاء في المرتبة العاشرة عربياً والـ123 عالمياً بأفضل البلدات التي تعيش فيها النساء، مستندة إلى بيانات جمعتها مصادر وحدة الاستخبارات الاقتصادية والمنتدى الاقتصادي العالمي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والتقرير العالمي ومؤشر الحرية الاقتصادية.

كما يحتل العراق المرتبة 168 في قائمة الدول التي تعامل فيه المرأة معاملة سيئة، بحسب دراسة أجراها معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن شمل 177 دولة، مما يجعله من أسوأ الدول من حيث انتهاكات حقوق الإنسان بشكلٍ عام وحقوق المرأة بشكلٍ خاص.

ووفقاً للمعهد، فإن واحدة من كل خمس نساء في أسوأ البلدان المدرجة في القائمة، تتعرض للعنف المنزلي من قبل زوجها، وستة من كل 10 نساء يواجهن أزمات معيشية وفقر، وفي متوسط 100 ألف ولادة، 540 تموت الأمهات بسبب عدم كفاية الإجراءات الصحية.

ورغم مساعيها لدخول سوق العمل، ما تزال مشاركة المرأة العراقية في الأعمال متدنية بنسبة (11%) بين بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب أرقام البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية. 

وتعاني المرأة في العراق من التمييز في سوق العمل، ومن التحديات القانونية والتنظيمية بالمجتمع العراقي، وكذلك من عدم مراعاة التوازن بين العمل والحياة الأسرية، "حيث يلاحظ وجود ضغوطات في العمل دون مراعاة لظروفها الأسرية"، وفق الناشطة المدنية ورئيس منظمة الأسل لتمكين المرأة والطفل، أزهار الدليمي.

وأضافت الدليمي، خلال حديثها للوكالة، أن "هناك نقصاً في فرص العمل للنساء، حيث يلاحظ عدم منحهن مراكز قيادية إلا بشق الأنفس، وعدم فسح المجال لهن للمشاركة في العملية الاقتصادية وكذلك السياسية، لوجود حالة عدم المساواة بين المرأة والرجل، وهذا أدى إلى تعويق تمثيل المرأة من الوصول إلى القرارات الصائبة وعدم قدرة المرأة بالتوفيق بين مسؤولياتها تجاه مكانتها السياسية وانتماءها الحزبي".

ولا تقتصر التحديات في مجال السياسة أو العمل، حيث أكدت الدليمي، أن "الكثير من النساء يعانين من العنف الأسري والاجتماعي، إلى جانب وجود بعض القوانين تساهم في تعنيف المرأة منها قانون الأحوال الشخصية الذي شُرّع مؤخراً والذي أبخس حق المرأة بحضانتها للأطفال وبالحصول على ورثها ونفقتها التي هي من حقها شرعاً وقانوناً".

وبحسب الدليمي، فإن التقاليد والأعراف الاجتماعية تمارس ضغوطاً على المرأة كون المجتمع عشائري، لذلك تواجه المرأة الكثير من الضغوطات".

سلب مستمر للحقوق

واتفقت الناشطة والإعلامية العراقية، لينا علي، مع ما ذهبت إليه أزهار الدليمي حول التحديات التي تواجهها المرأة، مبينة أن "الضغوطات تزداد بشكل أكبر مع مرور الزمن وخاصة فيما يتعلق بالعمل والأسرة، ما يؤكد الحاجة إلى وجود قوانين حامية لها كما في دول العالم، لكن ما يحصل في العراق هو سلب للحقوق كلما تقدمنا بالزمن".

 وأوضحت علي، لوكالة شفق نيوز: "في الوقت الذي نحتفل فيه بيوم المرأة، هناك قوانين قمعية شُرّعت في الفترة الأخيرة تسلب من حقوقها، وعلى سبيل المثال تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يتضمن فقرات تسلب حقوق المرأة بحجة الشرع، منها إلغاء شرط موافقة الزوجة الأولى على زواج الرجل من الزوجة الثانية، فيما تم التصويت على القانون قبل إتمام مدوناته الشرعية".

وأشارت إلى أن "أغلب النساء في مجلس النواب العراقي تابعات لأحزابهن لذلك يمضين بأفكار أحزابهن الذكورية، لذلك يلاحظ أن لجنة المرأة كانت أول من وقفت ضد المرأة بالمضي بتشريع قانون الأحوال الذي يسلب الحضانة من الأم، كما أنها تتبنى الأفكار الذكورية".

وعزت علي، ذلك إلى أن "النساء في البرلمان مسيّرات ولسن مخيرات، ومن كان لديهن رأي مخالف داخل المجلس من النائبات المستقلات فقد تعرضن للمحاربة، فضلاً عن حملات تشويه سمعة كما حصل مؤخراً لمحاميات لمجرد أنهن عبرن عن رأيهن بالقانون".

واختتمت الناشطة حديثها، بالقول إن "الكثير من أصحاب القرار يرون أن كلما زاد سقف حقوق المرأة كلما تعرضوا للخطر، لذلك هناك سياسة لتحجيم وتسليع المرأة وعدم توفير فرص العمل لها، وأن تكون في دور الخضوع فقط، ويعترضون على أي امتياز قد تحصل عليه المرأة وينسبون الاعتراض إلى الأعراف أو الدين، رغم أن إكرام المرأة من أساس الدين".