شفق نيوز/ في الجدل الذي سبق حرب العراق في العام 2003، تصاعد النقاش حول التمييز بين "حروب الخيار" و"حروب الضرورة"، وكان معارضو حرب العراق يعتبرونها بمثابة خيار بينما أكد المؤيدون للحرب انها ضرورة.

ويقول موقع "ذا ناشيونال انترست" الاميركي في تقرير له ترجمته وكالة شفق نيوز، حول الحروب الخمسة التي لم يكن يجب على الولايات المتحدة ان تخوضها، وبينها حرب العراق، ان ذلك الجدل لم يكن في محله بتاتا، معتبرا ان اميركا واجهت حروبا قليلة "ضرورية" وانها خاضت حروبا اختيارية لم تكن بقرارات في محلها.

وذكر الموقع "كما يجب ان نتوقع في اي بلد، فان حروب اميركا لم تخاض كلها بحكمة".

واستعرض الموقع خمسة حروب يعتبر انه لم يكن على اميركا ان تخوضها، وان تبقى بعيدا عنها.

حرب العام 1812

اعلنت الولايات المتحدة الحرب على بريطانيا والتي كانت من تداعيات الصراع التنافسي البريطاني- الفرنسي، في حين ان الثورة الفرنسية في العام 1789 ساهمت في تأزيم الاجواء اكثر وجر الولايات المتحدة البعيدة والاكثر ضعفا الى الاقتتال الاوروبي.

وظلت الولايات المتحدة قادرة على النأي بنفسها عن الحرب الاوروبية بشكل كبير حتى العام 1812 على الاقل. وكانت المظالم الاميركية في تلك الحرب مشروعة وكبيرة، وكانت السفن البريطانية تتحرش بالسفن التجارية الأميركية وتعتقل بحارتها، وكانت بريطانيا ايضا تثير المتاعب مع قبائل السكان الأصليين وتسلحهم ضد القوات الاميركية.

لكن الاهم ان الحرب تلك كانت فرصة بالنسبة لعديد من صناع السياسة الأميركية الذين كانوا ينظرون الى كندا التي كانت تحت السيطرة البريطانية (او التي كانت ستصبح كندا لاحقا)، كعمل لم ينجز للحرب الثورية الاميركية ويجب تحقيقه.

ومهما يكن، فقد تبين ان الولايات المتحدة لم تكن مستعدة لخوض غمار الحرب، وفشل الغزو الأميركي لكندا، وبينما حقق الاسطول البحري الامريكي بعض الانتصارات، الا انه بشكل عام، تمكنت البحرية البريطانية من تحقيق اهدافها، ونجحت في حرق العاصمة الاميركية امام مقاومة بطولية لم تحقق سوى منع تدمير بالتيمور.

وبالاجمال، شهدت الجمهورية الاميركية الوليدة شبه انهيار شامل وغرقت في نزاعات داخلية قبل ان تتوصل كل من واشنطن ولندن الى اتفاق سلام.

حرب بلاك هيلز

في الاعوام ال120 من عمر الولايات المتحدة، كانت الحكومات الاميركية تشن حملات عسكرية متواصلة على قبائل السكان الأصليين الذين عاشوا في المناطق الغربية. وفي بعض الأحيان، كانت هذه الحروب نتيجة للهجمات الهندية على مستوطنات البيض، وفي احيان اخرى كان بهدف مباشر للاستيلاء على الاراضي والموارد التي كانت بحوزة الهنود.

وكانت احدى أسوأ تلك الحملات العسكرية التي بدأت في العام 1876، بسبب تعدي المستوطنين البيض على أراضي السكان الأصليين المملوكة لهم بموجب معاهدة رسمية، وخاصة مع قبائل السيوكس. ولم تكن الحكومة قادرة (وليست مستعدة غالبا) لمنع هجرة البيض الى مناطق بلاك هيلز، وبعد مفاوضات غير مثمرة، قررت ببساطة الاستيلاء على بعض أكثر تلك المناطق أهمية.

وتسببت الحرب في أحد أسوأ الهزائم في تاريخ الجيش الأميركي خلال الحروب الهندية وابادة قوات الخيالة الاميركية السابعة في معركة ليتل بيغورن. وفي نهاية الامر، فان سلسلة من المفاوضات والجهود اجبرت غالبية هنود الشيياني والسيوكس على الاستسلام، واضطر آخرون من القبائل على النزوح الى كندا. لكن الاشتباكات المتفرقة تواصلت ل15 سنة أخرى، وسيطرت الحكومة في نهاية المطاف على ما يعرف اليوم باسم ساوث داكوتا. لكن الخسائر البشرية والمادية بسبب الحرب الاميركية كانت كبيرة وشكلت نموذجا لسوء معاملة الولايات المتحدة للسكان الأصليين خلال القرن التاسع عشر.

الحرب الكبرى

عندما انفجرت الحرب في أوروبا في اغسطس 1914، قدر صناع السياسة في واشنطن بشكل صحيح ان الصراع مسألة اوروبية خاصة. وبرغم ان الولايات المتحدة كان لديها الاقتصاد الاكبر عالميا، الا ان واشنطن لم تتوصل الى خلاصة أن عليها مسؤولية ازاء الاستقرار العالمي وتسوية النزاعات. وبناء على ذلك، راقبت الولايات المتحدة واستفادت من التدمير التدريجي للحضارة الاوروبية بين عامي 1914 و1917.

وتعهد الرئيس وودرو ويلسون خلال الحملة الانتخابية العام 1916، بالبقاء خارج تلك الحرب. وادى الدور الذي قامت به الغواصات الالمانية وجهود برلين السيئة لاستمالة المكسيك الى جانبها في الحرب، ساهمت في تغيير الموقف النأي بالنفس الاميركي. ودخلت واشنطن الحرب، وخلال 18 شهرا (والاشتباكات الاعنف خلال صيف العام 1918)، قتل 116 الف جندي اميركي.

وما زال الباحثون الاميركيون يتجادلون ما اذا كان التدخل الاميركي في الحرب، حاسما. وفي نهاية الامر، فان اربع امبراطوريات انهارت (المانيا، روسيا، العثمانيون، والمجر-النمسا)، وتضخم الاثنتين الاخريين (بريطانيا وفرنسا)، من دون ان يتم حل اي من قضايا النزاع.

حرب فيتنام

منذ منتصف الأربعينات من القرن الماضي، انخرطت الولايات المتحدة في متابعة حروب جنوب شرق آسيا، وكانت المرحلة الاولى من خلال التمرد الفيتنامي ضد الاحتلال الياباني، والمرحلة الثانية شهدت تطور هذا التمرد للقتال ضد السلطات الاستعمارية الفرنسية. وبعد انتصار قوات تحالف فيت مينه الفيتنامي في معركة دين بين فو، اوضح الفرنسيون بشكل واضح انهم يعتزمون الانسحاب.

ومنذ تلك النقطة، جرت الولايات المتحدة نفسها الى النزاع، وساهمت في منع توحيد البلد تحت حكم الشيوعيين في الخمسينات، وساندت نظام نغو دين ديم الى ان تخلت عنه، وشنت حملة قصف استراتيجية استهدفت اجبار هانوي على الركوع، ثم اصحبت منخرطة بنفسها بشكل مباشر ميدانيا ضد قوات الفايتكونغ وقوات فيتنام الشمالية.

ثم ماذا كانت النهاية؟ انسحبت الولايات المتحدة من فيتنام الجنوبية في العام 1972، بعدما أقامت دولة بإمكانها على الاقل ولمرحلة زمنية معينة، ان تحمي نفسها ضد حرب العصابات. ولم تنجح فيتنام الجنوبية في حماية نفسها من الشمال الذي شن حملة عسكرية في العام 1975 سيطر خلالها على كل الاراضي. وتسبب هذا الاجتياح في بمعاناة إنسانية هائلة لكنها ليست اكثر مما جرى في الحرب التي جرت في العقد الذي سبقها. واليوم، تتمتع فيتنام الاشتراكية بعلاقات متنامية ديبلوماسية وعسكرية واقتصادية مع الولايات المتحدة، وقد تصبح أحد حصون الاستراتيجية الاميركية لاحتواء الصين.

حرب "عملية حرية العراق"

في العام 2003، غزت الولايات المتحدة العراق من اجل اطاحة نظام صدام حسين واقامة دولة صديقة وديمقراطية مكانه ولمنع انتشار اسلحة الدمار الشامل ووصولها الى تنظيمات ارهابية مرتبطة بالعراق.

لكن كل تلك الجمل تبدو سخيفة. فقد ربحت الولايات المتحدة الحرب ضد القوات العراقية في الاسابيع الاولى من الحرب، لكنها لم تتمكن من تحقيق نظام في البلد، ودخل العراق سريعا في مراحل عدة من الاقتتال الأهلي بكلفة بشرية واقتصادية عالية. وأظهرت التحقيقات المكثفة فيما بعد الغزو ان لا وجود لبرنامج خطير لاسلحة الدمار الشمال، ولا علاقات يعتد بها بين العراق وشبكات تنظيم القاعدة الارهابي.

وبعد طفرة التصعيد بعديد القوات الاميركية في العام 2007، تراجع مستوى العنف في العراق، وسحبت واشنطن غالبية قواتها لاحقا. وما زالت الحكومة العراقية في صراع مع تنظيم داعش وعرضة للنفوذ الايراني. الولايات المتحدة نفسها، اصبحت بشكل مذهل تنفر من التدخل، وصار مرشحو الرئاسة الاميركية مترددين في التعبير عن تأييدهم لقرارات الذهاب الى الحرب.

خلاصة

تجنب الذهاب الى حروب سيئة ربما يكون المسؤولية الأكثر أهمية، للقيادة. ومن بين اهم التحذيرات التي اطلقها الرئيس الاميركي الاسبق جورج واشنطن في خطاب الوداع، انه على الولايات المتحدة ان تحذر بقوة الانخراط في حروب غير ضرورية وتعزل نفسها عن النزاعات الخارجية. ويجب على زعماء اميركا ان يأخذوا هذه النصيحة بعين الاعتبار عندما يتخذون قرارا حول مغامرات خارجية اخرى.