شفق نيوز/ خلُصت ندوة نظمتها مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث، بالتعاون مع مركز عشتار لدعم الديمقراطية، إلى التركيز على المشتركات التي تجمع المكونين، الشيعي والكوردي والتي تمتد جذورها عميقاً في تاريخ الدولة العراقية الحديثة.
الندوة أقيمت في يوميّ 25 و26 حزيران/ يونيو الماضي، حيث حضر وفد كوردي رفيع المستوى من إقليم كوردستان ضم قياديين من الأحزاب الكوردية وأكاديميين وقادة الرأي من المجتمع المدني، حيث زاروا محافظة النجف والعاصمة بغداد.
وركزت الندوة على تحفیز الحوار ودعم السلم المجتمعي بین المكونات العراقية، وفي الیوم الاول للزیارة اجتمع الوفد الكوردي بمجموعة من قادة الأحزاب والنواب والاکادیمیین الشیعة.
وفي بدایة الجلسة، اکد رئیسي مرکز عشتار، ومؤسسة میري، علی أهمیة الحوار بین مكونات الشعب العراقي، خاصة في هذا الوقت الذی یواجه العراق أزمات سیاسیة واجتماعیة واقتصادیة وبیئیة عدة.
وأکدوا أن هذا الحوار ليس له اي طابع رسمي، بل الهدف هو خلق بیئة مناسبة لدعم الحوار الصریح البناء والبحث عن حلول لمشكلات متراكمة منذ زمن، وتقدیم مقترحات سیاسیة لصانعي القرار في العراق.
وتم الاجتماع حسب تعلیمات چاتام هاوس، أي أن المعلومات ومخرجات الحوار قابلة للنشر دون تنسیب المقولات لأصحابها.
وفي اليوم الثاني للزیارە، نظم الطرفان جلسة حوارية مفتوحة حيث شارك فيها نخبة من الساسة والأكادیمیین وقادة المجتمع المدني في مدینة النجف، نقل مجريات الجلسة مباشرة في الكثير من القنوات الفضائیة مع تغطية إعلامية وافیة فیما بعد.
واهم نقاط الحوار والمقترحات السیاساتیة التي طرحت في كلا الجلستین:
1. الشيعة والكورد لهم علاقة تاریخیة منذ زمن تأسيس الدولة العراقیة، ولهم نضال مشترك ضد الدكتاتوریة. وشاركت القيادات والقوی السیاسیة الكوردیة والشیعیة بجدیة لبناء الدولة العراقیة الحدیثة وقادوا معا کتابة الدستور. لکن في السنوات الأخيرة وخاصة بعد إجراء الانتخابات المبكرة اصبحت هذه العلاقة متوترة بشكل عام ولو تركت لحالها، لأصبحت الاشکالیات أعقد وأکبر.
لقد تغیرت دینامیات العلاقة بین المكونات العراقية، والجیل الصاعد غیر الجیل القدیم، حیث لا يهتم بالماضي بنفس القدر ولا يقدر مدى أهمية عمق العلاقات بین المكونات.
وفي نفس الوقت، بدأ الوعي السياسي الجماهيري یزداد، فعلى القوى السیاسیة أن تشخيص الثغرات في نظام الحكم لسدها، ونقاط الخلاف والنقاط المشترکة التي يمكن أن توظف من أجل السلم المجتمعي وبناء الدولة الحديثة ذات الحكم الرشيد.
2. بناء الدولة العراقية هو مسؤولية كبيرة على عاتق جميع الأحزاب السیاسیة وقادتها. هناك زعزعة للاستقرار السیاسی ويحتاج العراق الى اعادة النظر في سياسة الدولة تجاه المواطنين والخدمات وسيادة الدستور والقوانين.
3. العراق بلد متعدد المكونات، فیجب علی كل مكون أن يتقبل الاخر. كانت فلسفة الحكم في العراق الجديد ما بعد سقوط النظام مبنية على أساس "التوافق والشراکة والتوازن"، وهذا ما يحتاجه العراق الان.
4. أكد الكثير من المشاركين على أن القیادات في الإقليم علیها ان تقدم المستحقات المالية الی المرکز، و علی المرکز أن یعامل الإقليم بالمثل وتقديم مستحقاته.
5. أكد بعض المشاركين بأن القوی السیاسیة الشیعیة واقعة تحت الضغط من قبل الشارع، ويقع الممثل السياسي تحت ضغط جماهیره وناخبيه بسبب ما يوصف بـ"تنازلات للكورد". یجب علی القیادات السیاسیة الكوردية ان لا تحرج الممثل الشیعي أمام ناخبيه وجماهيره. والمثال الأهم الذی تكرر كثيرا في اللقاء كان مسألة "الانتقائية" في تطبيق قرارات المحكمة الاتحادية.
6. العلاقة الشيعية الكردية علاقة نضال وهي اطول من العملية السياسية الحالية، تطورت هذه العلاقة في العام 1982 أثناء الانتفاضة الكوردية وزادت بعد الانتفاضة الشعبانية في العام 1991.
الجيل الحالي اليوم لا يؤمن بالرمزية أبداً، والقرار كان يأتي من كوردستان واحد، والشيعة كذلك كان قرارهم واحد يأتي من خلال المرجعية الدينية، أما اليوم تقطعت الأوصال عاموديا وافقيا فيجب ان ينتفض من لديه المصلحة لمواجهة الخطاب والحرب الإعلامية والمشاكل الحاصلة في البلد.
الشیعة لديهم المرجعية الدينية التي أنقذت البلد من خلال فتاويها ولكن الان حتى هي وصلت الى طريق مغلق بل الجميع وصل الى طريق مغلق. فاليوم هناك مشكلة حقيقية لذلك يجب ان يتحول الخطاب السياسي والسلوك السياسي للعراق والأولوية تكون للقانون والقرارات القضائية التي ان تجاوزناها تجاوزنا مفهوم الدولة وانتقلنا الى مفاهيم تزعزع الأمن والاستقرار.
7. یجب ان تكون هناك قدرة جماعیة على ایجاد عوامل مشتركة لتطبیق المفاهیم الدستوریة التی اتفق الجميع عليها. المشكلة ليست بالدستور والمفاهيم، وإنما في عدم الثقة بين الأطراف السیاسیة واختلال علاقات القوى السیاسیة والأزمات الأمنية التي مرت بالعراق.
عندما تتوفر الثقة الحقیقیة بین الاطراف تعاد المفاهیم إلى مكانها. فیجب علی القوی السیاسیة ان تعمل على تعزيز الثقة بين الأطراف الشیعیة والكوردیة لإرجاع المفاهیم الدستوریة الی مکانها، وهناك امکانیة فعلیة للحصول على هذه الأهداف إذا ما بنينا دولة المواطنة، والكل يأخذ استحقاقاته مع مشارکته القرار والتوزيع العادل للثروات.
8. الحوار ضرورة إنسانية وشرعية وإستراتیجیة وطنیة، حيث لا یمكن النهوض بالبلد إلا بالحوار ومشارکة الجمیع. على الرغم من أن کلنا كننا شرکاء في اسقاط النظام الدكتاتوري، لکن یجب ان نعترف بفشلنا في بناء الوطن وإدارة التنوع وتطبيق الدستور، ويجب أن نعترف بأن منذ تشكيل الحكومة الأولی وکل الحوارات الموجودة كانت أساسها مشاركة "غنائم السلطة" ولیس تحمل المسؤولية لبناء الوطن.
9. المكونان الكوردی والشيعي لم یعودا كما كانا من قبل، متحدين في قراراتهم الاستراتیجیة. فالآن تجزءا في الخطاب والسلم ولم یعد المواطن یثق بسياسييهما بشكل عام، ویجب ارجاع الثقة للمواطن الكوردی والشیعي بالبعض وبنظام الحكم علی أساس الدستور.
10. هنالك فشل عمیق وحقیقي في العراق فیما یخص تطبیق الدستور، وفیما یخص إرساء الحكم الرشيد وتقديم الخدمات ومحاربة الفساد المنتشر من قبل الأحزاب المشارکة إدارة الدولة.
هنالك تراجع في مفهوم المواطنة وحصر السلاح بید الدولة، وهذا معناه تراجع عن مفهوم بناء الدولة. التعريف الأساسي للدولة العراقیة في الدستور یصف النظام بأنه اتحادي، لكن هناك تنكر واضح لهذه الحقیقة.
علق بعض المشاركین من الكورد بأن هناك واجبات علی الاقلیم تجاه بغداد وبقیة العراق، لكن عدم تقدیم الخدمات في محافظات الجنوب هو نتیجة الفساد المنتشر اذ لا تلعب السلطة دورها الرقابي. فحصة الإقليم من المیزانیة التي لم تعد ترسل الی أربیل ولم تجد طریقها الی إعمار الجنوب. فالحل یجب ان يكون التوازن في مؤسسات الدولة، فنحن بحاجة الی ترتیب نظام سیاسي جدید دون التنكر عن ما هو موجود في الدستور، بل العودة الحقیقیة للدستور.
11. السلاح المنفلت وغیر المنظم ظاهرة خطیرة. ربما تعود أسبابه إلى ما مر بالعراق من احتلال وحل الجیش العراقي وما أحدثه الإرهاب. هناك حاجة لعلاج هذا الوضع الخطير.
12. اتفق الحضور على أن الانسداد السیاسی وتأخر تشكيل الحكومة یتطلب حلولا، على سبیل المثال: نحتاج الی طرح مسودة الحلول علی طاولة الحوار الكوردی- الشیعی. یجب أن لا یكون هذا الحوار محصورا بین السیاسة فقط، وإنما بین جمیع المكونات العراقية.
13. یجب أن يدافع الخطاب الإعلامي عن القیم والعيش المشترك، مع ضرورة التواصل مع مصادر القرار وصناع القرار ومواجهتهم واعلامهم بخطورة الخطاب التحریضي.
أکثر انواع الكراهية المتفشية هو الانتقاد الجارح والشتائم بحق الشخصيات والرموز السیاسیة و الدینیة والاجتماعیة على القنوات الإلكترونية والصفحات الشخصية التي لها نتائج سلبية على الشارع.
يجب حث المؤسسات الإعلامية والمقربة من الجهات الحاکمة على توفير الجو التسامحي.
یجب إيقاف التصریحات المستفزة وغیر البناءة في الاعلام الرسمي وغیر الرسمي، بما فیها مواقع التواصل الإجتماعي.
نحتاج الی ترتیب زیارات لمجامیع الشباب من الاقلیم لزیارة النجف وبعکسها من النجف للاقلیم، وتشجیع الحوار بین الأجيال المختلفة ووضع ورشة تأدیبیة لترسیخ التوافق والتسامح.
یمكن الإستفادة من، والانفتاح على، المنظمات الدولیة التی تهتم بموضوع محاربة الكراهیة والتعایش.
14. رأی بعض المشاركین بأن هناك حقائق تاریخیة تحتاج الی لفت الانتباه لها. غیر خاف أن الكورد لهم عقدة الظلم التاریخیة من المرکز، ونتیجتها هو الحلم الكوردي لتكوین الدولة. وهذا لیس له علاقة بالشیعة، لكن الكورد یحتاجون الی الاطمئنان من الجانب العربي والجانب الشیعي. ولا یخفی بأن هناك خلل في العلاقة الشیعیة - الكوردیة، هناك وجود أو عدم اكتراث في تشجیع خطاب الكراهیة من الجانبین، والتي تؤدي في النهایة الی أزمات سیاسیة مفتعلة أو حقیقیة.
15. کتب الدستور العراقي في 2005، وكان ذلك بدایة جدیدة لبناء دولة العراق، والوطن المشترك. لكن لم يتم تطبیق الدستور كما یجب. الیوم هناك ثغرات مصیریة في تطبیق الدستور، ما زال وبین کل الاطراف من المكونات العراقیة هناك طریقة انتقائیة لتطبیق الدستور، الكل قصروا بتطبیق الدستور، لهذا دخل العراق في أزمات ووصلت الی الانسداد الاخیر وفشلت القوی السیاسیة في تشكیل حكومات المواطنة قادرة علی إرضاء المواطن وقادرة علی حمایة سیادة العراق وقادرة علی الشراکة الدولیة. لهذا علی الجمیع ان تتواصل داخل مكوناتهم وبین المكونات، والتعرف علی وجهات نظر المؤسسات الدینیة والاکادیمیة والاجتماعیة والسیاسیة وجه لوجه.