شفق نيوز/ يؤكد فنانون عراقيون أن الظروف المادية الصعبة أجبرت زملاء المهنة على العمل وفق أجور "زهيدة" تحددها شركات الإنتاج والقنوات الفضائية، وفيما يؤشرون وجود عمليات "استغلال وسرقة للجهود" وغايات تقف وراء اكتشاف وجوه جديدة وإعادة أخرى قديمة للساحة الفنية، يحددون مسؤوليات يجب القيام بها من قبل نقابة الفنانين لضبط ايقاع المهنة، مع تسليط الضوء على ظاهرة "مشاهير" مواقع التواصل الاجتماعي في الأعمال الدرامية "وخبيطة ولوثة" الشهرة الحالية.
وبين الأجور المنخفضة والحال المعيشية الصعبة، فقد العراق عدداً من نجومه وربما بعضهم كان يعاني مادياً قبل وفاته، وكان آخر الراحلين الفنان مكي عواد الذي توفي في بغداد بتاريخ، 27 شباط 2024، بعد صراع طويل مع المرض ورحلة علاج "فاشلة" دامت لسنوات في الولايات المتحدة، لتغلق صفحة فنان له أكثر من 170 عملاً مسرحياً وسينمائياً ودرامياً لا تزال عالقة في ذاكرة العراقيين، أبرزها مسرحية بيت وخمس بيبان، ومسلسل "عالم الست وهيبة".
ويعزو فنانون أبرز أسباب التدهور المادي الكبير الذي ضرب الممثلين، ومنها رحيل بعضهم عن الدنيا بهدوء إلى ضعف الميزانيات الإنتاجية، وسياسة الفضائيات في اختيار المواضيع، وتدخل الجهات الحزبية في طبيعة اختيار الأعمال الفنية والفنانين المشاركين بناءً على رغبات معينة.
ومؤخرا تداول ناشطون على مواقع التواصل صورة للفنان الفنان الكوميدي العراقي "جاسم شرف" البالغ 68 عاما، وهو راقد على فراش المرض، وبرفقته الفنان العراقي سامي محمود، الذي قال إن أربع جلطات دماغية وجلطة قلبية، ضربت "صديق عمره" وبات غير قادر على تحريك الأجزاء اليمنى من جسده.
"سرقة" وأجور بائسة "وخبيطة" الشهرة
وبهذا الصدد يقول الفنان العراقي اياد راضي، لوكالة شفق نيوز، إن "الإنتاج العراقي شحيح فنياً، ووضع الفنان العراقي دون المتوسط مادياً ومعيشياً، لأنه يعتمد على الأعمال الدرامية، وأجور العمل الواحد لا تكفيه لعام كامل، لأنها أجور بائسة واستثني من ذلك النجوم المطلوبين بالصف الاول وعددهم على أصابع اليد والبقية فهم يكاد يدبرون وضعهم المعيشي"، مبينا ان "اللوم يقع على القنوات العراقية وبعض شركات الإنتاج بالدرجة الأساس، لأن هذه الشركات تسرق جهود الفنانين، وتربح بطريقة جشعة وتأخذ اكثر من نصف ميزانية العمل الفني، وهذه مصادرة للجهود".
ويضيف أن "بعض القنوات الفضائية، تطبل وتعلن انها تكتشف وجوهاً جديدة وشابة، ولكنها في الحقيقة لديها غايات أخرى من هذا الاكتشاف، فالوجه الجديد لا يطالب بالمال وإنما الشهرة، وتعمل هذه القنوات أيضا للبحث عن الفنانين الغائبين عن الساحة لسنوات طويلة، ليس استذكارا لهم، وإنما استغلال حاجتهم وتيقنها انه يمكن ان يعملوا بأسعار زهيدة".
ويتابع الفنان اياد راضي أن "كثيراً من القنوات والمنتجين زجوا بمشاهير السوشيال ميديا لان هؤلاء لديهم متابعين ولا بأس أن يفكر المنتج بهذه الطريقة، ولكن يجب ان تكون هناك ضوابط ومعايير لكيفية العمل بالشكل الصحيح، فكل مهنة لها قوانينها، ولا يمكن ان تكون مخترقة بهذا الشكل والسهولة، وهو التساؤل يطرح على نقابة الفنانين العراقيين، فمثلا نقابة الفنانين المصريين حينما أشركت أحد مشاهير السوشيال ميديا في عمل فني قامت الدنيا ولم تقعد، فلماذا لدينا أكاديمية ومعهد فنون جميلة لتخريج الفنانين؟"، مؤكدا بالقول "اختلط الحابل بالنابل فنياً، والأمور اصبحت (خبيطة)، والكل يريد ان يشتهر ويمثّل، ولوثة الشهرة طالت الجميع".
ويبين الفنان أياد راضي بشأن المقارنة بين أجور الفنانين العراقيين والعرب أن "لدي معرفة تصل الى نحو 80% بأجور الفنانين العرب في مصر وسوريا ومثيلها في العراق، فهناك سرقة لجهود الفنانين العراقيين"، مطالباً الفنانين الشباب بأن "يؤسسوا لأنفسهم خطاً ورأيا والا يكونوا سلعة رخيصة إزاء تقديمهم بالشاشة فقط وان يجعلوا قيمة لأنفسهم والا سيندثرون بعد مدة والا تغرهم الانوار حالياً".
وتلتقي تصريحات الفنان اياد راضي مع تصريحات سابقة للفنانة عواطف نعيم لوكالة شفق نيوز بينت فيها، أن "الأجور التي تُمنح من قبل القنوات للفنان العراقي، هي أجور لا تتناسب وما يقدمه من مستوى أداء عالٍ وجهد نفسي وعضلي وتضحية بالوقت والالتزام، وحتى في بعض الأعمال يتحمل الفنان أو الفنانة مسؤولية إحضار الأزياء والإكسسوارات"، مبينة أن "المنتج المنفذ إن كان فرداً أو شركة، هو سبب معاناة الفنان أو الفنانة، لأنه يمنح الفرص في توزيع الأدوار وليس المخرج، بل أحياناً هو من يختار هذا المخرج أو ذاك، أو يبعد المخرج العراقي ليأتي بالمخرج العربي".
كما أن الفنان خليل فاضل، أوضح في تصريحات لوكالة شفق نيوز، إن "الأجور الحالية لا تليق بالفنان العراقي عند مقارنتها بالفنان العربي، إذ لا يوجد إنتاج يسوّق للفضائيات العربية، ولذلك يكون الأجر العراقي بهذا الشكل".
الصورة "البكاءة" ونقابة الفنانين
من جهته كان للفنان العراقي سنان العزاوي رأي مخالف تقريباً بشأن الوضع المادي الصعب للفنانين، إذ يقول، لوكالة شفق نيوز، إن "الفنان العراقي لازال محترماً وهو ما يتمثل في تعامله الخارجي سواء في المستشفيات أو غيرها من الأماكن التي يرتادها، مستشهداً بحادثة وفاة والده الفنان صبحي العزاوي" مبيناً انه "لم يكن هناك تقصير من أي طرف طوال مدة مرضه سواء من نقابة الفنانين أو غيرها من الجهات المسؤولة عن وضعه الصحي"، منتقداً "الصورة البكاءة التي يروجها بعض الفنانين عبر الشكاوى والبكاء في وسائل الاعلام لأنها معيبة بحقه".
ويبين أن "هناك بعض الفنانين هم المسؤولون عما وصلوا اليه من وضع معيشي صعب لأنهم (لم يلزموا ايدهم) وهناك من لا يعرف تدبير اموره بشكل صحيح".
ويعود العزاوي مرة أخرى ليوضح أسباباً أخرى قد تتعلق بالوضع المادي للفنانين العراقيين، مبيناً أن "هناك من الممثلين لديه هوس أن يظهر على الشاشة كل عام في رمضان حتى وان كان بأجور قليلة"، مبررا ذلك بالقول بأنهم "ربما يعيشون على أجور العمل الفني بينما انا لدي راتب لأني موظف في وزارة الثقافة".
وبشان المقارنة بين أجور الفنان العراقي والعربي يبين العزاوي، أن "أجور الفنان العراقي لا تقارن بالنجوم السوريين او المصريين او اللبنانيين لان الموضوع مرتبط بجهتين وهما نقابة الفنانين والجهات التسويقية"، مؤكدا بالقول "كان يجب على النقابة ان تحدد أجور الفنانين بناء على تصنيف أول وثاني وهكذا.. وبالتالي يتم اخذ أجور ضريبية من كل فنان بنسبة 10% بناءً على هذا المستوى، وثانيا انه لا يوجد عملية مثاقفة تجارية بين القنوات المحلية ونظيرتها العربية لبيع الاعمال الفنية العراقية"، مبينا ان "القنوات العراقية تمتنع عن التعاون مع بعضها نظراً لانتماءاتها الحزبية".
ويرى الفنان سنان العزاوي أنه "لا يوجد لدينا دراما وانما هناك جهات سياسية فتحت لها (جنابر) ويقصد بها القنوات الفضائية، لبث آيدلوجياتها السياسية وهذا سبب انخفاض أجور الفنانين، بالإضافة الى مسؤولية النقابة عن تصنيف الفنانين العراقيين كمستويات وأجور".
وكان عدد من الفنانين قد أوضحوا في تصريحات سابقة لوسائل إعلامية معاناتهم المادية، وربما أبرز مثال على الفنان العراقي الشهير سامي قفطان في احدى لقاءاته التلفزيونية وسر اشتراكه بإحدى البرامج "غير المقنعة" بالنسبة له، معللا ذلك بسبب الحالة المعيشية الصعبة التي يعيشها، فيما كشفت الفنانة العراقية الشابة سارة أوس في احدى لقاءاتها أنها تدفع إيجار منزلها من أعمالها الدرامية، ما يعكس صعوبات مادية يعانيها أبناء الوسط الفني.
أجور الفنان العراقي والكومبارس العربي
مصدر فني رفض الكشف عن هويته أوضح لوكالة شفق نيوز، في 3 نيسان 2024، إن "الأجور في العراق تتم بناءً على الحلقة التلفزيونية وليس على المشهد، وتبدأ من 70 دولاراً وتصل إلى 150 دولاراً، أما نجوم الصف الأول فهي مثل أجور الكومبارس العربي، إذ تبدأ من 300 دولار وتصل إلى 500 دولار".
ويشير إلى أن "معظم المنتجين أصبحوا يعتمدون على أرقام السوشيال ميديا، لذلك بدأوا باستقطاب مشاهير مواقع التواصل على حساب جودة الممثل، إذ يرون أن لهؤلاء المشاهير جماهير قد تساعد على إنجاح العمل، وفي الوقت نفسه يوافق هؤلاء على أدنى الأجور لرغبتهم بالظهور وزيادة شهرتهم فقط، وهو ما أثّر في النتيجة على الممثل الكفوء".
رأي نقابة الفنانين
وحتى ساعة إعداد هذا التقرير، لم ترد نقابة الفنانين على تساؤلات وكالة شفق نيوز، بهذا الموضوع، رغم التواصل المستمر معها طوال الأيام الماضية، وذلك بسبب انشغال النقيب جبار جودي، كما بيّن لوكالة شفق نيوز، فيما تفسح الوكالة المجال لنقابة الفنانين لإبداء رأيها بالتصريحات الواردة أو أي تعقيب على التقرير لاحقاً.
أرقام حكومية لدعم الفن العراقي
وفي ظل الحديث عن الواقع الفني والإجراءات الحكومية بهذا الصدد، فقد أعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في 4 كانون الأول 2023، عما اسماه بـ"مشروع ثقافي وفني كبير" في العراق، لدعم السينما والدراما والمسرح والفن التشكيلي والأدب والكتاب وأدب الطفولة، فيما أكد تخصيص مبلغ ثلاثة عشر ملياراً وخمسمئة مليون دينار عراقي لتنفيذ المشروع، توزعت بين 5 مليارات دينار لدعم الدراما العراقية، و5 مليارات دينار مثيلتها لدعم السينما العراقية، فيما خصص مليار دينار عراقي لطباعة النتاجات الأدبية والفكرية للكتّاب والأدباء العراقيين.
ووفقا للمشروع ذاته فقد تم تخصيص 200 مليون دينار، لدعم الفنانين التشكيليين في إقامة المعارض الخاصة، وتخصيص 300 مليون دينار لدعم الفنون الموسيقية المختلفة، وكذلك تخصيص مليار ونصف دينار لاتحاد الأدباء والكتّاب في العراق، لإقامة المؤتمرات والمهرجانات الرسمية، فضلاً عن تخصيص 500 مليون دينار لدعم أدب الطفل".
في حين اكد السوداني أن الحكومة سبق أن خصصت 5 مليارات دينار سابقاً لنقابة الفنانين تخص صندوق تقاعد الفنانين، وكذلك 3 مليارات لصندوق التكافل الاجتماعي الخاص باتحاد الأدباء".