شفق نيوز/ يستعد العراق لإجراء التعداد العام للسكان والمساكن في 20 تشرين الثاني 2024 بعد مرور أكثر من 20 عاماً على آخر تعداد أجري في البلاد، وسيتم الاعتماد فيه لأول مرة على التكنولوجيا باستخدام الأجهزة اللوحية "التابلت" لملء استمارة التعداد.
وكان آخِر تعداد سكاني قد أُجريَ عام 1997، وأظهر حينها أن عدد سكان العراق يبلغ 22.33 مليون نسمة، في حين قدّرت وزارة التخطيط العام، في بياناتها الرسمية، أن عدد سكان العراق لسنة 2022 بلغ 42 مليوناً و248 ألفاً و883 نسمة، بمعدل زيادة سنوية 2.5 في المائة.
ويؤكد مختصون أن التعداد السكاني ضرورة ملحّة حيث يعد المصدر الأول للحقائق السكانية اللازمة للتخطيط الاقتصادي، كما يعدّ ضرورياً للسياسات الحكومية في المجالات المختلفة.
لكن في المقابل، يشكك مختصون آخرون بنجاح التعداد السكاني وجدواه الاقتصادية في ظل تصارع الأحزاب على تغييب الكثير من الحقائق المجتمعية، لذلك ستبقى البيانات مجرد أرقام تحفظ بالدرج ولا تبرهن بنتائج اقتصادية تبنى عليها مشاريع خدمية وإنتاجية للبلاد.
الاستعدادات على قدم وساق
تواصل وزارة التخطيط العراقية استعداداتها لإجراء التعداد العام للسكان والمساكن في العراق الذي سينفذ في 20 تشرين الثاني 2024، وفق المتحدث باسم الوزارة، عبدالزهرة الهنداوي، مبيناً أن "بعض الاستعدادات اكتملت وبعضها الآخر سيكتمل بحسب التوقيتات الزمنية للخطة خلال ما تبقى من المدة التي تفصلنا عن موعد تنفيذ التعداد العام للسكان".
ويؤكد الهنداوي لوكالة شفق نيوز، أن "المتطلبات الفنية واللوجستية اكتملت تقريباً وهي المتمثلة بالتعاقد مع شركة عالمية لتصنيع الأجهزة اللوحية (التابلت)، حيث بدأت الشركة المعنية بالتصنيع وتم استلام أول وجبة من هذه الأجهزة منذ مطلع أيار الجاري وسيتم استخدام هذه الأجهزة في تنفيذ التعداد التجريبي الذي سينفذ قبل نهاية الشهر الحالي".
ويضيف، "كما هناك شركات أخرى تم التعاقد معها وهي تواصل عملها فيما يتعلق بإنشاء مراكز للبيانات وللاتصالات وكذلك التطبيقات والبرامجيات، وتم اكمال الصور الفضائية والخرائط للوحدات الإدارية على مستوى المحافظة والقضاء والناحية والقرية، وسيتم ربط نظام الاستمارة بنظم المعلومات الجغرافية لتكون حركة العداد وفقاً لهذا النظام بالوصول إلى المسكن أو المكان المحدد للعداد".
ويوضح، أن "عمليات تدريب العدادين ستبدأ خلال العطلة الصيفية المقبلة، حيث سينخرط العدادون وهم من الكوادر التعليمية والتدريسية في وزارة التربية في دورات تدريبية مكثفة لتعلم كيفية ملء الاستمارة واستخدام الأجهزة اللوحية وغيرها من التفاصيل".
ويتابع، "كما ستتم عمليات الحزم والترقيم والحصر التي تستمر لمدة شهرين (آب وأيلول 2024)، وهذه العملية تتضمن ترقيم جميع الدور والمباني والمنشآت في عموم العراق، وعند اكمال هذه المراحل والعمليات ستكتمل الاستعدادات لتنفيذ التعداد العام للسكان والمساكن في موعده المقرر في 20 تشرين الثاني 2024".
التعداد السكاني ضرورة ملحة
يعد التعداد المصدر الأول للحقائق السكانية اللازمة للتخطيط الاقتصادي، كما يعدّ ضرورياً للسياسات الحكومية في المجالات المختلفة وذلك لتسهيل نشاطها في الحاضر والمستقبل، فضلاً عن ضرورتها في التحليلات العلمية وتوزيع تغير السكان، بحسب الباحث الاقتصادي، علي عبدالكاظم.
ويضيف عبدالكاظم لوكالة شفق نيوز، "كما أن للتعداد السكاني أهمية كبيرة من حيث بيان الالتزامات العسكرية والضريبية والعملية للأفراد في المجتمع، والتعرف على عوامل الهجرة والخصوبة والخصائص الاقتصادية ومحددات الأمن الاقتصادي التي صاحبت التنمية الاقتصادية".
ويتابع، "بالإضافة إلى توفير المعطيات حول الخصائص المهمة للسكان والتي تحتاجها الحكومات والمصالح وهيئات البحوث سواء في التخطيط أو السياسة أو التنفيذ أو في مواجهة المشكلات اليومية الملحّة وحلها، وبالتالي أن التعداد السكاني ضرورة ملحة للعراق خصوصاً وأن البلاد قد شهدت الدخول في النافذة الديمغرافية عام 2022 وأصبح سن الشباب هو الذي يقود سوق العمل".
ويتفق الخبير الاقتصادي، عمر الحلبوسي، مع ما قاله علي عبدالكاظم حول أهمية مشروع التعداد السكاني من حيث "تحقيق نتائج اقتصادية مهمة للمجتمع خصوصاً التوزيع العادل للثروات والخدمات، وكذلك إعداد الخطط اللازمة لتحقيق النهضة الاقتصادية، فضلاً عن تنشيط القطاعات الإنتاجية والخدمية وخلق فرص عمل تسع الشباب".
ومن فوائد التعداد السكاني أيضاً يبيّن الحلبوسي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، "جمع البيانات عن المجتمع وتوزيع المواطنين جغرافياً مما يوفر للوزارات كافة متطلبات إعداد الخطط الوزارية لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين وتلبية احتياجاتهم، مما يسهل على الدولة توزيع المشاريع بشكل مخطط خالي من الهدر المالي والفساد".
شكوك من جدوى التعداد السكاني
ورغم كل ما سبق من الفوائد، ينوّه الحلبوسي قائلاً: "لكن في ظل الفساد المالي والإداري المهيمن على البلاد، اشكك بنجاح التعداد السكاني وجدواه الاقتصادية في ظل تصارع الأحزاب على تغييب الكثير من الحقائق المجتمعية، وهو ما سوف يجعل التعداد السكاني غير مجدٍ اقتصادياً كونه سيخضع لتجاذبات حزبية، وبالتالي ستبقى البيانات مجرد أرقام تحفظ بالدرج ولا تبرهن بنتائج تبنى عليها مشاريع اقتصادية وخدمية وإنتاجية للبلاد".
وهذا ما يؤكد عليه أيضاً المحلل السياسي، باسل الكاظمي، الذي يقول إن "في كل أنظمة العالم يتم إجراء التعداد السكاني حتى تكون الدولة على اطلاع بالنسب السكانية ليتم تقديم الخدمات بناءً على ما تمتلك كل محافظة من سكان، لكن في العراق المسألة مختلفة".
ويوضح الكاظمي لوكالة شفق نيوز، أن "التعداد السكاني في العراق لن يفضي إلى تقديم أي شيء للمواطن، فلا توجد نتائج مترتبة من وراء هذا التعداد، لذلك هو ليس لخدمة المواطن بل هو فيه جنبة سياسية حتى تبقى الصراعات والمزايدات وتزعم كل قوة سياسية أن محافظتها هي ذات التعداد السكاني الأكثر لتكون لها الحصة الأكبر من المغانم".
ليس فيه جنبة سياسية
لكن نائب رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجي النيابية، محمد البلداوي، يطمئن بأن "التعداد بعيد بشكل كبير عن الجنبة السياسية التي تتعلق بالحزبية والفئوية والقومية والمذهبية، فلم يرد في نص القانون الانتماء الحزبي أو العرقي أو المذهبي أو القومي، فلا توجد فقرة بهذا الخصوص".
ويوضح البلداوي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "التعداد التنموي الذي سيجري في العراق يختلف عن باقي التعدادات السابقة، كون هذا التعداد يعتمد على إحصاء البنية التنموية سواء كانت مساكن أو سكان، وكذلك المنشآت الصناعية والتجارية والأراضي الزراعية والبنى التحتية ومقدار توفرها والأفراد الموجودين".
ويضيف، "كما أن هذا التعداد يدخل في تكييف حالة الأفراد والأسرة بشكل صحيح بحيث تشخص أعداد الشباب والأطفال والبالغين والنساء والرجال، كما يدخل في طبيعة الأمراض التي يعاني منها المجتمع والبيئة الاجتماعية وطبيعتها، وأيضاً الحالة الوظيفية والمادية للأفراد، وهذا اعطى أهمية كبيرة له حيث يمكن على أساسه تقييم حالة الأفراد".
ويبيّن، "كما أن هذا التعداد سيتم استخدام التكنولوجيا فيه لأول مرة في العراق، حيث سيتم استيراد 120 ألف (تابلت) فيها التطبيق الخاص باستمارة التعداد العام للسكان والمساكن، وسيتم فحص هذه الأجهزة يوم 26 من الشهر الجاري في منطقة الصالحية، بأخذ نموذج للتدريب على الحصر وأخذ البيانات وكيفية ملء الاستمارة وتجربة التطبيق الموجود على (التابلت)، وبعد ذلك سيتم إجراء تعداد تجريبي مصغر لكل مدن العراق للاطلاع على البطالة وصولاً إلى نهاية العام الحالي الذي سيجري فيه التعداد بشكل كامل".