شفق نيوز/ ليس سهلاً محاولة رسم صورة أو سرد تفاصيل عن رجل قابع في عمق المشهد الأمني والاستخباراتي في العراق، يدور الجدل حوله خاصة عندما أصبح كشخصية أحمد أبو رغيف الذي يتصدر عناوين الاحداث والاخبار في الشهور الماضية، بتحوله إلى ما يمكن تسميته ب"القوة الضاربة" لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.
ويمكن على سبيل المثال، استنباط ملامح لهذه الشخصية من خلال عناوين الأخبار والدور المحوري الذي صار يلعبه أبو رغيف، حيث تتوالى العناوين حوله بهذا الشكل: "ابو رغيف يحيل مسؤولا امنيا رفيعا للتحقيق لتلاوة القرآن بزي عسكري"، "ابو رغيف يطيح بمدير استخبارات الطارمية"، "لجنة ابو رغيف تعتقل مسؤولا استخباراتيا كبيرا"، "لجنة ابورغيف تعتقل مسؤولا حكوميا هو الثاني خلال يوم"، "لجنة ابو رغيف تطيح بمدير عام شركة حكومية"، "ابو رغيف يصدر أوامر مشددة للامن الاقتصادي لمنع التلاعب بالأسعار"، ثم "مفوضية حقوق الإنسان تتلقى شكاوى بوجود عمليات تعذيب من قبل لجنة ابورغيف".
هذه مجرد نماذج لعناوين إخبارية عن مهام ابو رغيف الذي يتولى شؤون الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية منذ 23 كانون الثاني/ يناير العام 2021، ويترأس اللجنة العليا للتحقيق بقضايا الفساد الكبرى والجرائم الاستثنائية منذ تشكيلها 27 آب/أغسطس العام 2020.
تتضمن صلاحيات ابو رغيف الأمن والاستخبارات والفساد والأمن الاقتصادي، لكن الملف الذي أخذ منحى آخر، قضية القيادي البارز في الحشد الشعبي قاسم مصلح والذي يعتقد ان ابو رغيف نفذ عملية اعتقاله، ما كاد يفجر أزمة سياسية -أمنية كبيرة في العاصمة بغداد، وتحديدا في المنطقة الخضراء، وتعالت أصوات من بعدها تطالب برأس أبو رغيف، سياسيا.
من هو أبو رغيف؟
تقول مصادر خاصة لوكالة شفق نيوز، إن أبو رغيف خريج كلية الشرطة وحاصل على شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في القانون، وهو من اهالي الكوت في محافظة واسط، وعُيّنَ في عدة مناصب أمنية من بينها الوكيل المساعد لشؤون الاستخبارات، معاون مدير شرطة بغداد، معاون قائد شرطة بغداد، معاون مدير شؤون الداخلية، مدير شؤون الداخلية والوكيل المساعد لمدير وكالة الاستخبارات، ومدير المعهد العالي في وزارة الداخلية.
وعند سقوط نظام صدام العام 2003، كان أبو رغيف يحمل رتبة رائد واعيد للخدمة في شرطة بغداد برتبة رائد شرطة مع عودة الشرطة للعمل بعد العام 2003، وفي العام 2005 حصل على رتبة مقدم، وفي العام 2006 على رتبة عقيد، وفي 2007 على رتبة عميد، وفي 2009 حصل على رتبة لواء، وفي 2011 حصل على رتبة فريق.
وتشير المصادر الخاصة إلى أن أبو رغيف أُحيل إلى التقاعد يوم 1 كانون الأول/ديسمبر العام 2014، من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي في وقتها ثم أُعيدَ إلى الخدمة يوم 26 تشرين الأول/ أكتوبر العام 2016 من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي.
واليوم، يعد أبو رغيف أحد الثلاثة المقربين من الكاظمي، رفقة عبد الوهاب الساعدي رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، وعبد الغني الأسدي رئيس جهاز الأمن الوطني.
اعتقال قاسم مصلح
جاء اعتقال القيادي الحشدي قاسم مصلح، لـ"يفتح العيون" على ابو رغيف، خاصة من جانب القوى السياسية والفصائل المسلحة التي رأت في الخطوة مساسا بوجودها. وربما الأخطر من ذلك، أن ابورغيف من خلال الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها، بما يمكنه من ملاحقة قضايا أمن وفساد على السواء، تجعله في صدام حتمي مع "الدولة العميقة" في العراق والتي لا يعرف لها رأس، ولا يمكن قطع أذرعها بالكامل.
ولهذا، فان اعتقال قاسم مصلح، أتى ليفجر الشرارات التي تراكمت خلال الشهور الماضية مع الاعتقالات التي يعتقد أنها طالت أكثر من 30 شخصية، بينها أسماء بارزة في عالمي السياسة والاعمال، وكان ابو رغيف هو من أشرف عليها، وهو ما من شأنه يؤجج العاصفة السياسية ضده سواء في المنابر الإعلامية او ربما في داخل قبة البرلمان ايضا.
ومن الواضح أن الكاظمي يضع رهانه على ابورغيف للتصدي للعديد من الملفات الامنية والمتعلقة بالفساد ايضا، وهو ملف تعهد الكاظمي للعراقيين منذ أكثر من سنة، بمعالجته، وها قد مضى أكثر من عام على توليه رئاسة الحكومة، وما زال العديد من العراقيين يقولون ان اختراقا جديا لم يحصل.
وتقول مصادر مطلعة لوكالة شفق نيوز، "من غير الواضح ما إذا كان اعتقال قاسم مصلح سيودي بأبو رغيف او لا، على الرغم من أن قادة في الفصائل وضعوا هذا المطلب أمام رئيس الوزراء".
خلاف الحشد وأبو رغيف
الحشد الشعبي من جهته يرفض فكرة أن تقوم لجنة مكافحة الفساد التي يقودها أبو رغيف بإصدار مذكرة ضد قيادات الحشد، وهو ما يضع السلطة التي تمثلها ثنائية الكاظمي-ابو رغيف، في مواجهة الفصائل العراقية الأكثر قوة وتسليحا. ولم يكن زعيم تحالف الفتح هادي العامري جازما في ما إذا كان يلمح الى الكاظمي ام إلى ابو رغيف عندما قال قبل ايام "لايمكن ان يختزل القضاء والاجهزة الامنية بشخص واحد... هناك بعض الممارسات الخاطئة من اعتقالات بدون مذكرات قبض، وهناك اساليب تعذيب لا يمكن ان نقبلها مطلقاً، وهذه الخطوة الاولى بالعودة باتجاه الدكتاتورية".
ونتيجة لطبيعة المهام الموكلة لأبو رغيف، التي تضعه في اجواء التهديدات والخطر التي يعمل تحت ظلالها، فبحسب المصادر المطلع أنه يقدم تقاريره مباشرة الى الكاظمي وبشكل حصري.
كان اسم ابو رغيف تردد أيضا في الأيام الأولى من شهر أيار/مايو، عندما اندلعت اشتباكات في مدينة البصرة بين مسلحين يعتقد انهم من عصائب أهل الحق، وبين قوة من خلية الصقور التي يديرها ابو رغيف، خاصة بعدما اعتقلت القوة مجموعة متهمين بالقتل والسلب، بينهم من ينتمي الى ما يعرف بـ"خلية الموت" المتهمة باغتيال نشطاء.
ولهذا فان اسم ابو رغيف في دائرة الجدل دوما، لكن ذلك لا يقتصر على الملفات الامنية، اذ ان ملفات الفساد التي تدخل فيها، لا تقل أهمية وخطورة. ومنذ تشكيل اللجنة العليا للتحقيق بقضايا الفساد وتوليه مسؤوليتها، ازداد التفاؤل بإمكانية إنجاز حلول لأحد أكثر القضايا حساسية في العراق، لكن في الوقت نفسه، تعرضت اللجنة ورئيسها الى انتقادات واسعة.
وجاءت الانتقادات من أحزاب وقوى وكتل برلمانية مستندة على معلومات بان اللجنة التي احتجزت عشرات المتورطين او المتشبه بهم بقضايا فساد، ولفترات طويلة بلا محامين، وتمارس عمليات تعذيب وتنتزع الاعترافات بالقوة. وقال المنتقدون ايضا انه سواء كانت الشبهات صحيحة او لا بحق المعتقلين، فان قضاة التحقيق يجب ان يشرفوا على عمليات التحقيق وليس أعضاء لجنة لمكافحة الفساد مهما كانت صلاحياتها القانونية واسعة. واضطر الكاظمي نفسه الى التصدي لهذه الانتقادات بنفسه معتبرا أنها مختلقة، وأن من لديه شكاوى، بإمكانه اللجوء إلى القضاء.
ويدرك ابو رغيف ان التصدي لقضايا الفساد في العراق يشبه من يحاول تفكيك عبوة مفخخة شديدة التعقيد، قد تنفجر به شخصيا، ذلك ان "الدولة العميقة" قد لا تترك لضابط أمني مهما كان بارزا، طريقا معبدا بالزهور امامه. ووصلت الى مسامع ابو رغيف ايضا الاتهامات التي كيلت ضده، بانه يستخدم كأداة بيد الكاظمي في إطار "النكايات السياسية" للتخلص من خصومه مثلما جرى مثلا في قضية اعتقال رئيس حزب الحل جمال الكربولي، بقضايا فساد، او حتى في قضية محافظ نينوى السابق نوفل العاكوب.
ويخشى كثيرون أن تكون "المهمة المستحيلة" الموكلة إلى ابو رغيف بمكافحة الفساد والمفسدين، سيكون مصيرها الفشل، اسوة بالعديد من لجان ومجالس محاربة الفساد التي شكلت في العراق خلال السنوات الماضية، وهو ما يرفع سقف التحدي امام ابو رغيف من اجل انجاح مهمته، لكنه أيضا في نهاية المطاف، يضع عنقه تحت سيف مسلط طوال الوقت، ما لم يحظ بالغطاء السياسي القوي الذي يتح له التقدم ولو ببطء.
ويعني ذلك انه سيكون مشروعا ابقاء التساؤلات قائمة عما اذا ابو رغيف، سيتمكن من البقاء في خضم البحر العراقي الهائج هذا، أم تفتح في وجهه قفير نحل "الدولة العميقة".