شفق نيوز / رسم معهد "كارنيجي" الأمريكي للأبحاث صورة قاتمة لإنهيار الزراعة في العراق بسبب الفساد والمحسوبيات، بعدما كان من ركائز الزارعة على مستوى العالم، قبل أن يبتلى بإنعدام الأمن الغذائي بفعل سنوات الحروب.
تراجع قياسي
تاريخياً، كان العراق يتمتع بأحد أكثر الأراضي خصوبة وملائمة للزراعة على مستوى العالم، حيث شكلت الزراعة أكثر من 18% من الناتج الاقتصادي للبلاد في العام 1995، لكن خلال الأعوام الثلاثين الماضية، فقدت الزراعة دورها الرئيسي في الاقتصاد وراحت ضحية الصراعات المستمرة منذ عقود، وبحلول العام 2019، لم تشكل الزراعة سوى 2% من حجم الاقتصاد في العراق، وفق تقرير للمعهد الأمريكي ترجمته وكالة شفق نيوز.
ولفت التقرير، إلى أن "تراجع قطاع الزراعة في العراق بدأ بفعل المقربين من السلطة والفساد الممنهج الناشئ عن النزاعات المسلحة في أواخر الثمانينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين، وهو ما تسبب بتلك التأثيرات السيئة، أي قبل سنوات عديدة من تشكيل تنظيم داعش ودخوله للعراق".
الحرب العراقية-الإيرانية
وبحسب "كارنيجي"، فإن "الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) أبعدت آلاف المزارعين عن حقولهم الزراعية إلى جبهات القتال، ما شكل الضربة الأولى للزراعة العراقية".
وأضاف أن "قيام صدام حسين (رئيس النظام العراقي السابق) بخصخصة الصناعات المملوكة للدولة، بما في ذلك المصانع الزراعية المنتجة للقمح وأرز الشعير والتمور والقطن، كانت محاولة لإحياء هذا القطاع، لكن هذه العملية منحت ملكية مصانع إنتاج الغذاء لعدد محدود من العائلات".
وعدّ التقرير الأمريكي، بنية المحسوبية التي أقيمت في العراق لصالح النخبة "أتاحت لها الانخراط في أنشطة أعمال تبتغي الربح السريع على حساب استدامة الغذاء على المدى الطويل"، مشيرا إلى أن "مع بدايات التسعينات من القرن الماضي، أدت مشاريع الري سيئة التخطيط في العراق الى استنزاف هائل لمصادر المياه".
وتابع التقرير، أن "العراق كان ينتج نحو مليون طن من التمور، وهو ما يمثل 75 % من الاستهلاك العالمي قبل العام 1980، لكن إهمال صدام حسين للزراعة والتدمير الواسع للاشجار قلص إنتاج التمور إلى النصف مع نهاية الحرب العراقية الإيرانية في العام 1988".
عراق بعد 2003
التقرير، اعتبر أيضاً أن "الغزو الأمريكي أدى إلى تعطيل وتقوية شبكات المحسوبية هذه"، مبينا أن "فترة حرب العام 2003، شهدت عودة ظهور المنتفعين من العراق، ضمن نموذج أمريكي جديد، حيث أن الميليشيات المسلحة المتحالفة مع الأمريكيين، أقامت نقاط تفتيش وطرقات تهريب للنفط والمنتجات الغذائية".
وفي عراق ما بعد عام 2003، اعتبرت الولايات المتحدة أن "شبكات بورجوازية الدولة القائمة، غير متوافقة مع مشروعها لبناء الدولة، وسعت الى تفكيكها، وفق معهد "كارنيجي"، الذي لفت إلى أن "قرار واشنطن لاقتلاع الموالين لصدام، اتسع ليطال كل الأفراد المرتبطين بالنظام".
وأشار إلى أن "في ظل نظام صدام المزدوج الذي يجمع بين دور الدولة وبين الليبرالية، بقي إنتاج البذور والأسمدة بين أيدي الشركات الصغيرة المملوكة للدولة وبإدارة العائلات، وهو ما عجل في إنعدام الأمن الغذائي بعد حرب العام 2003".
حلفاء عراقيون
وتابع أن "إعادة الإعمار في العراق بعد العام 2003 شهدت منح عقود الدولة إلى شخصيات أساسية في مجلس الحكم العراقي وهم استفادوا من العلاقات القوية التي ربطتهم مع مسؤولي البنتاغون، وكمثال على ذلك، حصل أحد رجال الأعمال هو شريك تجاري لرئيس المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي، على عقود بقيمة 80 مليون دولار لتوفير الحراسة والأمن لحقول النفط في البلاد".
واستنتج التقرير أن "السياسات التي قادتها الولايات المتحدة والمطبقة مع الشركات العراقية دفعت دون قصد الى إخراج المؤسسات الزراعية الصغيرة من السوق، وأدت أيضاً بشكل كبير إلى حرمان المزارعين من حقوقهم".
وأشار إلى أن "الولايات المتحدة عكست صورة المحسوبية ذاتها كالتي كانت خلال عهد صدام حسين، من خلال عقود إعادة الإعمار التي أقرتها ومنحتها لحلفاء مقربين".
ونتيجة لذلك، رأى معهد "كارنيجي" أن "السوق الزراعي اليوم يعاني من التخلف ومن استبعاد اللاعبين الفاعلين الأصغر حجما".
وأكد أن "بعد مرور أكثر من 15 عاما على الحرب، فشلت الأموال الضخمة في تحقيق نتائج ملموسة لاستقرار سياسي طويل الأمد في العراق الذي لا يزال محفوفا بالاضطرابات المدنية وانعدام الأمن الغذائي".
كوردستان
وفي تناوله لما جرى في إقليم كوردستان، ذكر "كارنيجي" أن "بعد غزو داعش في العام 2014، حرم غالبية المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، ونزحوا إلى المراكز الحضرية".
وتابع التقرير: "في ضواحي الموصل، باعت شبكات الاستغلال من الحرب التابعة لداعش ما يقرب من 40 % من الآلات الزراعية للمزارعين ودمرت الباقي".
وعلى الصعيد الوطني، نوه التقرير، إلى أن "الغزو الداعشي تسبب بخفض قدرة الانتاج الزراعي في العراق بنسبة 40 % على الأقل".
وخلص تقرير "كارنيجي" الى القول ان منع ترسيخ المحسوبية السائدة يجب ان يكون أحد الاعتبارات الرئيسية في النقاشات السياسية بشأن عمليات اعادة الإعمار في العراق، محذراً في الوقت نفسه من ترك "عناصر المحسوبية دون أي رادع، كون ذلك سيدمر احتمالات بناء الدولة".