شفق نيوز- طهران
قبل خمسة أيام من موعد الانتخابات البرلمانية في العراق المقرر إجراؤها الثلاثاء المقبل 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، تتابع الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية باهتمام المشهد العراقي وهي ترصد تطوراته ومآلاته المحتملة.
وعلى الرغم من تنوع الآراء والتقديرات في طهران حول الوضع في العراق، إلا أن القاسم المشترك بينها هو الاطمئنان إلى عمق العلاقة بين البلدين والإيمان بأن استقرار العراق يمثل ركيزة لاستقرار المنطقة برمتها، وفي مقدمتها إيران.
ويجمع أربعة باحثين إيرانيين خلال حديثهم لوكالة شفق نيوز، على أن الانتخابات العراقية المقبلة لن تغيّر جوهر العلاقات بين بغداد وطهران، وأن رهان إيران الحقيقي هو على وعي الشعب العراقي وقدرته على حماية تجربته الديمقراطية.
وفي الوقت الذي تستبعد فيه طهران أي نتائج "معادية لها"، فإنها تراقب بحذر "التحركات الأميركية والإقليمية التي قد تؤثر في مخرجات العملية الانتخابية"، بحسب تلك الآراء، مؤكدة أن استقرار العراق جزء لا يتجزأ من أمن إيران ومصالحها الاستراتيجية.
اطمئنان إيراني
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي الإيراني علي أكبر برزنوني، إن "إيران لا تشعر بأي قلق حقيقي تجاه الانتخابات العراقية، لأن العلاقة بين الشعبين والحكومتين في طهران وبغداد راسخة وعميقة، ولا يمكن أن تتأثر بتقلبات سياسية مؤقتة أو محاولات خارجية لزرع الفتنة".
ويضيف برزنوني لوكالة شفق نيوز، أن "الانتخابات شأن داخلي عراقي تعبّر عن إرادة الشعب، وأن طهران تحترم هذه الإرادة ولا تتدخل في مسارها".
وبرأيه، أثبتت التجارب السابقة فشل كل المساعي الرامية لإضعاف العلاقة بين البلدين، لأن الروابط "ليست سياسية فقط، بل تاريخية وثقافية ودينية وإنسانية".
ويشدد برزنوني على أن "إيران ترى في العراق شريكاً استراتيجياً لا ساحة نفوذ، وأن قوة العراق واستقلال قراره السياسي تصب في مصلحة المنطقة بأكملها".
كما يلفت إلى أن طهران "ستواصل دعم استقرار العراق ومساندة شعبه في بناء دولة قوية ومستقلة"، معتبرا أن "الانتخابات المقبلة دليلاً على نضج التجربة الديمقراطية العراقية".
مشاركة ضرورية
ومن طهران، يوضح مدير مركز "آفاق" للدراسات الإيرانية - العربية جلال جراغي، أن "طهران تعوّل على وعي الشعب العراقي في اختيار ممثليه، خصوصاً في ظل محاولات أميركية للتأثير في الانتخابات ونتائجها"، وفق قوله.
ويؤكد جراغي لوكالة شفق نيوز أن "إيران تأمل في مشاركة واسعة من مختلف الأحزاب والتيارات، لأن ارتفاع نسب التصويت سيعزز الاستقرار السياسي والأمني في العراق، وينعكس إيجاباً على المنطقة وإيران تحديداً، إذ أن الأمن العراقي من أمن الجمهورية الإسلامية والعكس صحيح".
وعن المشاركة الشيعية في ظل مقاطعة التيار الصدري للانتخابات، يبيّن جراغي أن "طهران لا تنظر إلى الانتخابات من زاوية مذهبية، بل من منطلق وطني شامل، حيث إن الأهم بالنسبة لإيران هو مستوى المشاركة، وليس هوية المشاركين".
ويحذر من أن "ضعف الإقبال قد يفتح الباب أمام مؤامرات أميركية وصهيونية، لذلك النظام الايراني يرى من الواجب مشاركة الشعب العراقي في هذه الانتخابات، خصوصاً أن العراق يمثل محوراً أساسياً في الاستراتيجية الإقليمية لإيران".
تحفظ استباقي
أما الكاتب والباحث في الشأن الإيراني صالح القزويني، فيعتبر أن "إيران لا تخشى نتائج الانتخابات ما دامت تفضي إلى استقرار سياسي واقتصادي في العراق"، مبيناً أن "الفوضى في أي دولة مجاورة تنعكس سلباً على طهران".
ويوضح القزويني لوكالة شفق نيوز أن "التحفظ الإيراني الوحيد هو على أي مسار قد يهدد المصالح أو الأمن القومي الإيراني، وهذا موقف مبدئي يشمل جميع دول الجوار وليس العراق فقط".
ويشير القزويني إلى أن "إيران تسعى إلى أن تكون العلاقة وطيدة مع دول الجوار كافة، وأثبتت مرونتها السياسية في التعامل مع مختلف المكونات في المنطقة، مستشهداً بعلاقتها الحالية مع حركة طالبان في أفغانستان رغم التوقعات السابقة بحدوث صِدام بين الطرفين".
ويؤكد أن "هذه هي التحفظات والمحظورات الإيرانية، وما دون ذلك فإن طهران تدعم أي عملية ديمقراطية تعزز استقرار الدول المجاورة، والعراق في مقدمتها".
قلق خارجي
ويتفق مع الآراء السابقة، الخبير في الشؤون الإيرانية مهدي عزيزي، لكنه يميز بين "القلق" و"الخوف"، موضحاً أن "طهران ليست خائفة من نتائج الانتخابات العراقية، لكنها قلقة من التدخلات الأميركية والتركية وبعض الدول العربية في مسارها ومحاولاتها تغيير قواعد اللعبة السياسية في المنطقة"، بحسب قوله.
ويضيف عزيزي لوكالة شفق نيوز أن "هناك تخوفاً من عودة فلول حزب البعث المنحل أو بعض الجماعات المتطرفة منها تنظيم داعش بواجهات سياسية جديدة"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "التجربة الديمقراطية العراقية أثبتت قوتها وقدرتها على الصمود".
ويوضح أن "إيران لا تتدخل في العملية الانتخابية العراقية، لكنها تراقبها عن قرب لأن استقرار العراق واستقلاله السياسي يخدم الأمن والمصلحة الإيرانية".
ويلفت عزيزي في نهاية حديثه إلى الدور الإيجابي الذي لعبه العراق مؤخراً "في الوساطة بين واشنطن وطهران وفي دعم القضية الفلسطينية"، معتبراً أن "المشهد السياسي العراقي يسير نحو مستقبل أكثر استقراراً رغم الضغوط الخارجية".
هذا ومن المقرر أن تجرى الانتخابات التشريعية في العراق يوم الثلاثاء المقبل (11 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي)، حيث يحق لنحو 30 مليون عراقي من أصل 46 مليون نسمة الإدلاء بأصواتهم لاختيار ممثليهم في مجلس النواب الجديد، غير أن نحو سبعة ملايين منهم سيُحرمون من المشاركة بسبب عدم امتلاكهم بطاقات انتخابية نتيجة عدم تحديث بياناتهم.