شفق نيوز/ أثار قرار المحكمة الاتحادية العليا الأخير والمتعلق بعدم صحة القرارات الصادرة من قبل مجلس الوزراء بشأن إرسال الأموال إلى إقليم كوردستان تساؤلات عن دستوريتها، وبينما يرى قانونيون أن قانون المحكمة الاتحادية في الأساس لا يتفق مع الدستور، وأن قرارها الأخير لا يخلو من الجنبة السياسية، يؤكد آخرون أن قانون النفط والغاز هو من سيحل الأزمة الحالية.
يقول القاضي رزكار محمد أمين، إنه "ليس من العدالة أن يتحمل الشعب الذين هم بحاجة إلى العيش المشاكل بين حكومتي بغداد والإقليم، كما أن تجويع جزء من الشعب غير دستوري، بل مخالف له، لأن هناك حقوقا متساوية لأبناء الشعب العراقي كافة بموجب الدستور، وعدم إعطاء حقوق هذا الجزء مخالف للدستور".
ويضيف أمين لوكالة شفق نيوز، أن "قانون المحكمة الاتحادية هو في الأساس لا يتفق مع الدستور، لأن بموجب الدستور يجب أن تتشكل المحكمة من قضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء في القانون أيضا، وهذا إلى الآن لم يشرع قانون لتشكيل محكمة تشكيلا دستوريا".
ويتابع، أن "المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل يجب أن تعالج بالحوار البنّاء، والرجوع إلى أحكام الدستور، وعلى القضاء أن يقف في الوسط ويراعي في قراراته الجانب الإنساني والعدالة قبل الجانب القانوني".
ويوضح، أنه "ولا شك أن المحاكم الدستورية لها بعد سياسي باتخاذ القرار إضافة إلى الجانب القانوني، لأنها تتعامل مع الدستور الذي هو وثيقة سياسية واجتماعية واقتصادية وقانونية، ومن المهام الأساسية للمحكمة حماية الحقوق والحريات، وأن تدافع عن المبادئ الدستورية وتحمي حقوق المواطن العراقي أينما كان، ومهما كانت قوميته أو دينه أو مذهبه".
وقضت المحكمة الاتحادية العليا، أمس الأربعاء، بعدم دستورية إرسال مجلس الوزراء الاتحادي مبالغ مالية لتمويل المرتبات الشهرية للموظفين والعاملين في القطاع العام في إقليم كوردستان.
وعدت حكومة إقليم كوردستان القرار بأنه "جائر" وخرق صارخ للدستور ومخالف لاتفاق تشكيل الحكومة العراقية، فيما دعت الحكومة الاتحادية إلى عدم الخضوع لهذا القرار، والإيفاء بالوعود التي قطعتها بإرسال المستحقات المالية لإقليم كوردستان.
وأبدى مواطنون كرد استياءهم إزاء قرار المحكمة الاتحادية العراقية الخاص بمنع ارسال مبالغ شهرية لرواتب موظفي إقليم كوردستان عادين اياه "قراراً مجحفاً وغير منصف".
وعدّ رئيس اقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، أمس الأربعاء، قرار المحكمة الاتحادية بعدم قانونية ارسال الحكومة العراقية رواتب موظفي الإقليم، بغير العادل، لافتاً إلى أن هذا القرار يستهدف العملية السياسية والاتفاق السياسي الذي تشكلت عليه الحكومة العراقية الجديدة.
تاريخ من الجدل
تشكلت المحكمة الاتحادية العليا وفق المادة 44 من قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية، لسد الفراغ القضائي الذي صاحب مرحلة ما بعد 2003، باعتباره بمثابة الدستور المؤقت، وحقيقة الجدل حول مشروعية المحكمة يكمن في إقرار الدستور العراقي لاحقا عام 2005، فيما بقيت المحكمة تمارس نشاطها، بحسب الحقوقي محمد العبيدي.
وعن أهم المهام التي تتناولها المحكمة، يوضح العبيدي لوكالة شفق نيوز، "هي فك الاشتباك بين تفسير القوانين، وعدم دستورية القوانين والدعاوى التي تتعلق بالحكومة المركزية والإقليم، والبت في بعض القوانين مثل قانون الانتخابات، وأثار القرار الأخير للمحكمة الاتحادية والذي تم بموجبه وقف التخصصات المالية لرواتب الموظفين في الإقليم الجدل بعد الدعوة المقدمة من قبل النائب مصطفى سند للمحكمة المذكورة".
وتابع، أن "هكذا قرارات قد أخذت جنبة سياسية، كونها تمس شريحة من الموظفين كورقة ضغط على حكومة الإقليم، وينبغي على القادة السياسيين حل المسائل العالقة بشكل لايؤثر على أرزاق المواطنين بغض النظر عن القومية والعرق والدين".
وكان عضو مجلس النواب العراقي مصطفى جبار سند قد أعلن في مؤتمر صحفي بوقت سابق، أن "المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في البلاد) قررت إلغاء كل القرارات الخاصة بتحويل الأموال إلى اقليم كردستان خلافا للقانون وخلافا للدستور بناء على الدعوى التي أقامها هو في هذا الصدد".
وأضاف أن قرار المحكمة الاتحادية سيكون معياراً، ومرجعاً قانونياً لجميع الحكومات اللاحقة ومن ضمنها الحكومة الحالية في عدم دستورية تحويل الأموال إلى الإقليم، مؤكدا أن هذه الدعوى جاءت بناءً على شكوى رفعها هو وانها تكللت بالنجاح وقد كسبها.
في غضون ذلك قالت المحكمة الاتحادية العليا في بيان بصدد القرار، إنها قررت الحكم بعدم صحة القرارات الصادرة من قبل مجلس الوزراء المرقمة ((194) في 15/6/2021 و (226) في 6/7/2021 و(257) في 3/8/2021 و (335) في 22/9/2021 و (401) في 2/11/2021 و (8) في 11/1/2022) حكماً باتاً وملزماً للسلطات كافة استناداً الى أحكام المادتين (93/ ثالثاً و94) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 والمادتين (4/ ثالثاً و5/ ثانياً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم (25) لسنة 2021 وأفهم علناً .
وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد أثارت الجدل سابقا بعدما ردت دعوى لحل البرلمان تقدم بها التيار الصدري وأطراف سياسية مستقلة في (7 أيلول 2022) "لعدم الاختصاص"، مشيرة إلى أن استقرار العملية السياسية في العراق يفرض الالتزام بأحكام الدستور.
وأسهمت بعض تفسيرات المحكمة الاتحادية، بالإضافة إلى جملة من قرارات أصدرتها في فترات متفاوتة، في رسم أو تغيير خارطة المشهد السياسي في البلاد إلى حد ما، وأبرز قراراتها والتي كانت بمثابة الخطوة الأولى لإبطال مشروع التحالف الثلاثي بين مقتدى الصدر ومسعود بارزاني ومحمد الحلبوسي، كان رفض ترشيح مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري عقب شكوى مُقدّمة من نواب من الاتحاد الوطني الكردستاني أمام المحكمة ضد ترشيحه.
ومن بين أكثر قراراتها التي زادت من غضب مقتدى الصدر تفسيرها لنصاب انتخاب رئيس الجمهورية، والقاضي بانعقاد مجلس النواب بثلثي عدد أعضاء مجلس النواب، وهذا ما دفع أنصار الصدر للاعتصام أمام مجلس القضاء الأعلى لمدة الأسبوع قبل أن ينسحبوا في (23 آب 2022).
حل الأزمة
يقول الخبير القانوني، أمير الدعمي، إن "قرار المحكمة الاتحادية الأخير، استند على قرار 59 بخصوص الأموال التي تُجبى من تصدير نفط اقليم كوردستان دون الرجوع الى الخزينة المركزية"، مبينا أن "هذا القرار اشترط على أن تكون هذه الأموال ترجع إلى خزينة الدولة بالحكومة الاتحادية مقابل ارسال الأموال من الحكومة الاتحادية إلى كوردستان".
ويوضح الدعمي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، "لكن حكومة إقليم كردستان لم تلتزم بهذا القرار، وظل بيع النفط خارج إرادة الحكومة المركزية أو خارج شركة سومو المسؤولة عن تصدير النفط، وبالتالي فإن هذا القرار استند على القرار السابق، بأنه لا يمكن أن تُحوّل الأموال الا بعد تسوية أموال بيع نفط الإقليم".
ويتابع، أن "هذه الأزمة ستظل مستمرة إلى أن يتم إقرار قانون النفط والغاز الذي ينظم عملية البيع من خلال الحكومة الاتحادية أو بالاتفاق مع الإقليم أو المحافظات التي تصدّر النفط، وكل ما يجري خارج قرار المحكمة الاتحادية يعد اتفاقا وعُرفا، ونحن اعتدنا على الاعراف والاتفاقات بين السياسيين خارج نطاق القانون، لكن الآن قرار المحكمة الاتحادية ملزم وفق قرار المادة 94 من الدستور، ويجب تسوية ملف الخلاف بين الاقليم وبغداد بما صُدّر من النفط خلال السنوات السابقة".
ويؤكد مسؤولون حكوميون في كوردستان انه من دون هذا التمويل الشهري الذي ترسله بغداد الى الاقليم فإنه من الصعوبة بمكان صرف رواتب مئات الآلاف من الموظفين والمتقاعدين كاملة ومن دون استقطاع.
وتوفر حكومة الإقليم باقي المبالغ لصرف الرواتب من الإيرادات المالية الداخلية في كوردستان.
وأكد مجلس وزراء إقليم كوردستان في مرات عدة أن الحكومة الاتحادية، لم ترسل مستحقات الإقليم الشهرية والبالغة 200 مليار دينار، لعدة أشهر ومنذ عام 2020.
وتتطلب الرواتب الشهرية الإجمالية، لموظفي إقليم كوردستان، نحو 616 مليون دولار، ويتم توفيرها بشكل عام على النحو الآتي: الإيرادات النفطية 350 مليون دولار، الإيرادات الداخلية 128 مليون دولار، الأموال التي ترسلها الحكومة الاتحادية (200 مليار دينار) 138 مليون دولار، وفقا لوزارة المالية والاقتصاد في إقليم كردستان.
وكان رئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي قد قرر في شهر حزيران من العام 2021 صرف 200 مليار دينار كسلفة مخصصة لدفع رواتب موظفي الاقليم الشهرية.