شفق نيوز/ خلال فترة قصيرة لا تتعدى الـ48 ساعة فقط جنى مضاربون بالعملة الملايين من الدولارات، بعد ان نشروا وضخّموا الشائعات عن سعي الحكومة لتغيير سعر صرف الدولار في موازنة العام الحالي 2022 لتبدأ عمليات شراء واسعة للدولار من المواطنين الذين كان يدخرون البعض منها ليقوموا ببيعها خوفا من الخسارة، لتعاود الاسعار مرة اخرى للارتفاع بعد نفي البنك اي تغيير على سعر الصرف.
وكان البنك المركزي العراقي اعلن، في (19 كانون الأول 2020)، رسمياً عن تعديل سعر صرف العملة الأجنبية (الدولار الأمريكي) لتكون 145 ألف دينار مقابل كل 100 دولار، وفقاً للموازنة العامة للدولة للعام 2021 التي اقرها مجلس النواب.
ونتيجة لذلك، كما يرى مختصون، ارتفع التضخم السنوي في العراق بشكل كبير، لتشهد جميع أسعار المواد والسلع في السوق العراقية، ارتفاعاً كبيراً، ما أثار موجة استياء شديدة بين الأوساط الشعبية، فضلاً عن اعتراضات بعض المهتمين بالشأن الاقتصادي.
ركلة البداية: دعوة الصدر ورفض علاوي
ويقول الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي لوكالة شفق نيوز إن "تغريدات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر واصرار كتلته على استضافة وزير المالية ومحافظ البنك المركزي خلق شعوراً بأن تغيير سعر الصرف سيتم خلال ساعات لذلك توجه الاغلبية للبيع مع غياب المشترين ما أسهم بخفض سعر شراء الدولار مقارنة بسعر اليوم الذي قبله".
ويضيف علي ان "تصريحات محافظ البنك المركزي الذي اكد عدم وجود تغيير في سعر الصرف ادى الى رفع قيمة الدولار مرة اخرى"، مؤكدا ان "القضية هي قضية عرض وطلب استغلها المضاربون في تحقيق ارباح من هذه اللعبة".
وكان الصدر أوضح في تغريدة له، في 16 شباط 2022، انه "بعد ارتفاع أسعار صرف الدولار وما فيه من فوائد ومضار، فإنه لا ينبغي على الاطلاق أن يكون ارتفاعه ارتفاعا لأسعار السوق ولا سيما ما يخص السلع المهمة التي يحتاج لها الشعب في حياته اليومية على الاطلاق".
كما قررت رئاسة البرلمان، في 17 شباط 2022، استدعاء وزير المالية ومحافظ البنك المركزي، في قبة مجلس النواب فوراً للتحدث حول ملف سعر الدولار وإدارة السياسة المالية في العراق، الامر الذي رفضه وزير المالية علي عبد الأمير علاوي، وأعلن أنه سيطلب التصويت على منحه الثقة.
وتصاعد الموقف بشكل متسارع بعد أن عد ّالوزير الاستدعاء نتيجة تغريدة زعيم التيار الصدري الذي ينتمي إليه نائب رئيس مجلس النواب، وان العملية برمتها غير مقبولة ولا يجب السكوت عنها، مما دعا النائب الأول لرئيس مجلس النواب، حاكم الزاملي، لإصدار طلب للادعاء العام لمنع سفر بحق وزير المالية، علي عبد الأمير علاوي، لحين اكمال متطلبات حضوره إلى مجلس النواب للإجابة عن الاسئلة بعد ذلك من حقه الاستقالة أو البقاء.
واتهم الزاملي وزير المالية بنقل تجاربه الخاسرة للشركات التي أدارها خارجاً الى العراق، ولم يقدم أي شيء للبلد، وساهم بارتفاع ديون العراق الى 27 تريليون دينار في عام واحد فقط.
وعلى وقع هذا التصعيد الحكومي-البرلماني انخفضت اسعار الدولار في الاسواق المحلية مصحوبة بشائعات تشير الى نية الحكومة خفض سعر الدولار ما ادى الى قيام المواطنين ببيع الدولار الذي بحوزتهم بأسعار وصلت الى اقل من 141 الف دينار مقابل 100 دولار بعد ان كانت 148 الف دينار مقابل 100 دولار.
"عجز حكومي عن معالجة الوضع"
من جهته يقول الخبير المالي هلال الطحان لوكالة شفق نيوز إن "الحكومة لم تعالج نتائج ارتفاع اسعار الدولار بشكل صحيح وتركت المواطن عرضة لارتفاع الاسعار في الوقت الذي كانت تجني هي ايجابيات هذا الارتفاع، ما خلق ردود افعال رافضة من قبل المواطنين"، مبينا ان "الحكومة استخدمت اسلوب الصدمة في معالجة اوضاع الاقتصاد العراقي".
ويشير الطحان الى ان "ما حدث خلال الاسبوع الماضي من كلام حول تخفيض اسعار الدولار قد تم تهويلها من قبل تجار العملة لصالحهم من اجل الحصول على مكاسب جراء خفض اسعار الدولار ومن ثم الاستفادة من الفروقات المالية عند ارتفاعها".
الاستدعاء ولد الخوف
من جهته يؤكد رئيس غرفة تجارة بغداد فراس الحمداني لوكالة شفق نيوز إن "السوق العراقي غير مستقر ولا يوجد نظام وقانون يحد التاجر والذي يعمل بالعملة من بيع العملة برقم معين".
ويضيف الحمداني ان "الارباك الذي حدث يتمثل بطلب استدعاء محافظ البنك ووزير المالية وعدم حضور الأخير، ما ولّد لدى بعض التجار والشركات خوف حقيقي من انخفاض سعر الدولار".
ويشير الحمداني الى ان "الفاهمين للاقتصاد العراقي والموازنة يعرفون ان الدينار مسعر بموازنة 2021 ومصادق ليه من قبل مجلس النواب والحكومة، وبالتالي لن يكون هناك سعر صرف جديد وينزل بالمعنى الذي يتخوف منه المواطن".
لا نية لتغيير سعر الصرف
من جانبه أكد مصدر مخول في البنك المركزي العراقي في 20 شباط بعد سلسلة من الانخفاضات لسعر صرف الدولار الذي شهده السوق العراقية عدم وجود أية نوايا لتغيير سعر الصرف الحالي، لاسيما بعد النتائج الإيجابية التي حققها خلال المدة الماضية.
واكد المصدر أن "النقاشات التي دارت أثناء استضافة محافظ البنك المركزي العراقي في مجلس النواب أكدت على ضرورة تضافر جهود مؤسسات الحكومة كافة لتحسين المستويات الاقتصادية والمعيشية للطبقات الفقيرة التي تأثرت بارتفاع معدل التضخم".. داعياً الجمهور الى "عدم التعاطي مع الأخبار التي تشير إلى احتمالات تغيير السعر وان البنك المركزي يمتلك احتياطيات أجنبية كافية لاستقرار سعر الصرف الحالي".
رمي الكرة بملعب التجار
في الوقت الذي رفض وزير المالية محمد علاوي استضافته في مجلس النواب، اصدرت المالية توضيحات تدافع عن نفسها حول اسعار سعر الصرف، مبينة ان رفع اسعار الدولار لم يكن السبب في ارتفاع اسعار السلع في البلاد .
وبينت ان التضخم في الاسعار الذي حصل يعود الى التضخم هو ظاهرة عالمية غير مرتبط بتخفيض قيمة العملة، فضلا عن استغلال بعض المستوردين والتجار بفرض اسعار اضافية لأغراض المنافسة وتحقيق المكاسب.
الاسعار تحت السيطرة
ويؤكد المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح لوكالة شفق نيوز ان "السياسة النقدية للدولة العراقية لا تعاني من ضغوط سعرية كبيرة بالرغم من انخفاض سعر الصرف للدينار العراقي"، مبينا ان "الاسعار تحت السيطرة وما زال التضخم اقل من مرتبة عشرية".
ويوضح صالح ان "وظيفة البنك المركزي محاربة الجهات التضخمية الحادة والقوية" لافتا الى ان "البنك يبني احتياطيات جيدة ويحقق شيء من الاستقرار داخل الاقتصاد".
وتبقى اسعار الدولار أسيرة لدى المختصين والقائمين في البنك المركزي في تقييم حالة البلاد المالية، ما دام الدولار لا يخضع للتعويم.