شفق نيوز/ بعد انقضاء ثلاثة أسابيع على الانفجار المفجع الذي وقع في مرفأ بيروت، ينجرف لبنان صوب مزيد من المتاعب إذ يعجز الساسة عن الاتفاق على حكومة جديدة يمكنها أن توقف الانهيار المالي.
ففي الوقت الذي يكافح فيه لبنان للتكيف مع ما خلفه الانفجار الذي سقط فيه 180 قتيلا، تجمدت مواقف ساسته في محادثات غير مثمرة ترمي للاتفاق على رئيس وزراء جديد قد يتمكن من استئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ الإصلاحات. بحسب تقرير لوكالة رويترز.
وحتى قبل انفجار المرفأ الذي وقع في الرابع من أغسطس آب بسبب تخزين كيماويات دون اتباع إجراءات السلامة اللازمة، كان الانهيار المالي قد عصف بمعيشة اللبنانيين إذ غذى التضخم الجامح والفقر وقضى على قيمة المدخرات في الجهاز المصرفي الذي أصبح الآن لا حول له ولا قوة.
وأخفق تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المقرر أن يزور لبنان مرة أخرى في أول سبتمبر أيلول المقبل، في كسر الجمود بين قيادات الطوائف المسؤولة عن دفع لبنان إلى الأزمة.
وتقف المنافسات الشخصية المعهودة والمصالح الفئوية عائقا في سبيل تحقيق ذلك.
وترى ثلاثة مصادر رفيعة من مختلف الأطراف أن لبنان عرضة لخطر الانزلاق إلى فوضى أعمق إلا إذا حدث تصحيح للمسار.
وقال مصدر مسؤول إن مصرف لبنان المركزي حذر من أنه لا يمكنه دعم الواردات من السلع الأساسية سوى لفترة ثلاثة أشهر الأمر الذي أثار المخاوف من ارتفاع أسعار الوقود والقمح والدواء بشدة في وقت لاحق من العام الجاري.
وقال مصدر سياسي رفيع ”الوضع في غاية الخطورة. نحن في مفترق طرق، فإما السير في الطريق الصحيح أو الاستمرار في الطريق دون صندوق النقد الدولي ودون المساعدات الدولية ودون المال. وهذا يدفع بلبنان نحو الفوضى والانهيار التام“.
وقال دبلوماسي أوروبي كبير ”سرعة النشاط السياسي لا تعكس حرج الوضع. ألا يبين الرابع من أغسطس (آب) أن الأوضاع بحاجة للتغيير؟“
ويوم الثلاثاء قال وزير الخارجية الفرنسي إن على قيادات لبنان ألا تستغل الانفجار كذريعة لإخفاء الواقع الذي يشير إلى أن البلاد على حافة الهاوية.
وقال الوزير جان إيف لو دريان ”نأمل أن تكون هذه اللحظة هي اللحظة التي تسمح للسلطات اللبنانية والمسؤولين اللبنانيين باتخاذ القفزة اللازمة لتشكيل حكومة مهمتها البدء في الإصلاحات الأساسية التي يعلم الجميع (أنها ضرورية)“.
ويعد الانهيار المالي أكبر خطر يتهدد استقرار لبنان منذ الحرب الأهلية التي دارت وقائعها من 1975 إلى 1990.
وتريد الدول المانحة تنفيذ إصلاحات تحد من الهدر والفساد اللذين يعدان السبب الرئيسي في هذا الانهيار. غير أن ثلاث حكومات فشلت في إحراز تقدم في الإصلاح منذ تعهد المانحون بضخ أكثر من 11 مليار دولار في لبنان في 2018.
وهوت قيمة العملة اللبنانية بأكثر من 80 في المئة منذ أكتوبر تشرين الأول الماضي.
* ”لا نعرف من يتولى القيادة“
قدم رئيس الوزراء حسان دياب استقالته في العاشر من أغسطس آب بسبب انفجار المرفأ. وكان دياب شكل حكومته بترشيح من جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران وحلفائها في يناير كانون الثاني باستخدام الأغلبية التي يتمتعون بها في البرلمان. وسيبقى دياب رئيسا لحكومة تصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.
ويتعين بمقتضى نظام توزيع السلطات القائم على أسس طائفية أن يكون رئيس الوزراء مسلما سنيا.
وتطالب جماعة حزب الله وحركة أمل الشيعية المتحالفة معه بعودة سعد الحريري إذ تريان أنه في وضع يؤهله لبلورة الدعم الخارجي.
لكن ذلك يواجه مقاومة من عدة أحزاب لكل منها أسبابه الخاصة.
ومن المعارضين لذلك الرئيس المسيحي الماروني ميشال عون وصهره زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي اختلف مع الحريري منذ العام الماضي.
وعلى الجانب الآخر من الطيف السياسي، لا يريد حزب القوات اللبنانية المسيحي الذي يرى البعض أنه مقرب من السعودية ولا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عودة الحريري إلى منصب رئيس الوزراء الآن.
وقال سياسي كبير مطلع على تفكير حزب الله وأمل ”أنا مع نظرية أنه إذا لم يأت سعد الحريري، فسنبقى مع حكومة تصريف الأعمال“ حتى نهاية ولاية عون في عام 2022.
وقال السياسي ”نحن حاليا في حالة من الفوضى“. وبدون اتفاق على حكومة جديدة ”سنذهب إلى المزيد من الفوضى في الشارع“.
وقد أعلن الحريري يوم الثلاثاء أنه ليس مرشحا للمنصب. وهو يصر على أنه لن يصبح رئيس وزراء إلا لحكومة من الخبراء غير الحزبيين من أصحاب الخبرات في القطاع العام والقادرين على دفع الإصلاحات.
وقال السفير السعودي في لبنان وليد بخاري ”يهم المجتمع الدولي برنامج الحكومة المقبلة وسياساتها الضامنة التي تلبي تطلعات اللبنانيين وتستعيد ثقته“.
وأضاف ”المملكة تتطلع إلى أن يعم لبنان الأمن والسلام بإنهاء حيازة واستخدام السلاح خارج إطار الدولة، وتقوية الدولة اللبنانية لصالح جميع اللبنانيين دون استثناء.
”من لا يمتلك قراره السياسي لن يستطيع أن يقدم مشروعا إنقاذيا وتنفيذه.“
وبدون التوصل إلى تسوية بخصوص الحريري يصبح الخيار الآن بالنسبة لحزب الله وعون ونبيه بري رئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل هو إما السعي لاختيار رئيس وزراء سني جديد أو إبقاء دياب رئيسا لحكومة تصريف الأعمال.
وقال السياسي المطلع على تفكير حزب الله وحركة أمل إنهما لا يريدان سوى الحريري.
وقال وزير سابق ”الآن وبعد ثلاثة أسابيع لم يحدث شيء. لا نعرف من يتولى القيادة“.
وأضاف ”لم يتزحزح أحد في النخبة الحالية قيد أنملة“ لتلبية المطالب بتشكيل حكومة تنفذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية. ”لا أحد يسأل ’ما الذي يجب أن نفعله؟‘. لا أحد يقترح أي شيء“.
وقال مسؤول كبير في المعارضة مطلع على موقف حزب القوات اللبنانية إن الأغلبية الحاكمة في المؤسسة السياسية ربما تضغط على المصرف المركزي لاستخدام احتياطيات الذهب في دعم أسعار السلع لفترة أطول درءا للفوضى، مشيرا إلى احتياطيات قدرت قيمتها بمبلغ 18 مليار دولار حتى 15 أغسطس آب.
لكنه أضاف ”ليس بإمكاني رؤية أي حكومة محل اتفاق قادرة على إجراء أي إصلاحات ولا يمكنني أن أتوقع اتفاقهم على حكومة مستقلة. وهذا يدفع بالبلد إلى مزيد من الفوضى في أي من الاتجاهين“.