شفق
نيوز- أربيل
تشهد
الساحة السياسية العراقية مرحلة إعادة تشكل عميقة بعد الانتخابات الأخيرة، مع بروز
اصطفافات جديدة داخل المكونات الأساسية.
فبعد
إعلان الإطار التنسيقي الشيعي إعادة ترتيب بيته الداخلي، وظهور المجلس السياسي
الوطني السني كأوسع مظلة جامعة للمكون السني منذ سنوات، تتجه الأنظار نحو البيت
الكوردي الذي يبدو حتى اللحظة الأكثر تفككاً بين المكونات الثلاثة.
وفي
ظل هذه التحولات، تُطرح تساؤلات بشأن فرص إحياء التحالف الكوردستاني التاريخي،
والمعوقات التي تواجه هذا المسار، والسيناريو الأقرب لمسار التنسيق الكوردي خلال
مرحلة تشكيل الحكومة المقبلة.
الكورد
في موقع الانتظار
وفي
هذا السياق، يقول عضو الحزب الديمقراطي الكوردستاني وفاء محمد كريم، إن تشكيل
الكتلة الأكبر داخل الإطار التنسيقي لا يعني إطلاقاً الاتفاق على اسم رئيس
الوزراء، حيث إن عقدة الاسم المرشح لرئاسة الحكومة ما تزال قائمة، تماماً كما أن
السنة لم يحسموا حتى الآن اسم رئيس البرلمان الذي يحتاج إلى توافقات واسعة.
ويضيف
كريم لوكالة شفق نيوز أن "البيت الكوردي للأسف لم يتحد لغاية الآن"، لكن
حسم منصب رئيس الوزراء سيُجبر القوى الكوردية على تسريع خطواتها قائلاً: "حتى
لو ذهب الكورد باسمين إلى مجلس النواب، سيتم اختيار واحد منهما، لذلك فالعقبة ليست
بتسمية رئيس الجمهورية".
ويشدّد
على أن الحزب الديمقراطي، الفائز الأول على مستوى العراق، لا يمانع تأييد مرشح
الاتحاد الوطني لرئاسة الجمهورية إذا كان اسماً يعيد الهيبة إلى المنصب، إذ أن
رئاسة الجمهورية فقدت مكانتها في السنوات الماضية باستثناء فترة الرئيس الراحل
جلال طالباني.
ويتابع
أن "مشكلة الديمقراطي ليست المناصب بل تنفيذ المطالب القومية، فإذا اتحدت
المطالب الكوردية في ملفات مثل المادة 140 وقانون النفط والغاز والموازنة وتعديل
قانون الانتخابات، سيقدم الحزب الديمقراطي تنازلات كبيرة".
ويعتبر
أن الإسراع في تسمية رئيس البرلمان ورئيس الوزراء سيعجل تلقائياً في حسم رئاسة
الجمهورية خلال المفاوضات المقبلة.
وحدة
البيت الكوردي ضرورة
من
جهته، يرى عضو الاتحاد الوطني الكوردستاني محمود خوشناو أن المشهد الكوردي
"لا يُحسد عليه"، مقابل تماسك واضح لدى الشيعة عبر الإطار التنسيقي ولدى
السنة عبر مظلتهم الجديدة، لافتاً إلى أن الكورد كانوا دائماً من المطالبين بتماسك
المكونات العراقية، لأن أي اتفاق بين المكونات يصب في استقرار الدولة.
ويقول
خوشناو لوكالة شفق نيوز: "يجب أن تكون الأحزاب الكوردستانية كافة ضمن ورقة
عمل واحدة ورؤية ثابتة، سواء كانت ممثلة في البرلمان العراقي أم خارجه، فوجود رؤية
موحدة تجاه الحكم الاتحادي سيؤثر إيجاباً على استقرار العراق وكوردستان
معاً".
ويحذر
من أن استمرار الخلاف بين الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي والاتحاد الوطني، سيقود
إلى نتائج سلبية قائلاً: "من يعتقد أنه قادر على المضي منفرداً فهو مخطئ،
التجارب السابقة أثبتت أن تراجع الدور الكوردي في بغداد كان بسبب مزاحمة البعض
والالتفاف على الاتفاقيات".
ويشدد
على ضرورة تجاوز "النشوة الانتخابية" والابتعاد عن سياسة ليّ الأذرع
داخل البيت الكوردي، معتبراً أن أي انتصار حزبي لا يجب أن يكون على حساب حقوق
المكونات أو استقرار الدولة، مؤكداً: "نؤمن بوحدة العمل رغم الصراعات، ونأمل
أن تصل القوى الكوردستانية إلى صيغة مشتركة تخدم المصلحة العليا".
ضعف
التمثيل في بغداد
أما
القيادي في الاتحاد الإسلامي الكوردستاني مصطفى عبد الله فيؤكد أن الساحة السياسية
في بغداد تشهد تماسكاً واضحاً لدى الشيعة والسنة، مقابل غياب أي صيغة تحالفية
كوردية تمثل المواطنين بفعالية داخل العاصمة الاتحادية.
ويقول
عبد الله لوكالة شفق نيوز إنّ الحاجة إلى تحالف كوردستاني جامع باتت مطلباً ملحاً،
لكنه يصطدم بجدار الخلافات بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، وهما ـ بحسب
قوله ـ "المسؤولان المباشران عن تعطل أي محاولة لتوحيد البيت الكوردي".
ويشير
إلى أن مرور أكثر من سنة على انتخابات برلمان الإقليم دون تشكيل حكومة "يعكس
بدقة حجم الهوة السياسية بين الحزبين"، مبيناً أن "الأحزاب الكوردية لم
تمثل المواطنين بقدر ما مثلت كياناتها السياسية، والنتيجة كانت تراجعاً حقيقياً في
حقوق الكورد داخل بغداد".
ويرى
عبد الله أن الأحزاب خارج الحزبين الرئيسيين، رغم حضورها المحدود، لم تقدم مبادرات
جادة لبناء تحالف سياسي جامع، ما جعل المشهد الكوردي "رهينة للخلافات
الثنائية".
تحالفات
تهدد الاستحقاقات
بدوره
يؤكد المتحدث باسم الحزب الاشتراكي الكوردستاني فرهاد توفيق أن الحزب كان قد دعا
قبل الانتخابات إلى تشكيل تحالف كوردستاني يضمن اتحاد جميع الأطراف الكوردية من
جهة، ويجمع المواطنين تحت خيمة واحدة بعيداً عن الانشقاق وتشتيت الأصوات.
ويضيف
توفيق لوكالة شفق نيوز، أن المرحلة الحالية تتطلب وحدة أكبر مما كانت عليه قبل
الانتخابات، ما يستوجب على جميع الأحزاب الكوردية الوقوف تحت مظلة واحدة، خاصة في
ظل وجود تحالفات قوية تواجه المكون الكوردي وتمثل تحدياً للحصول على استحقاقاته.
ويلفت
الانتباه إلى أن الوضع الكوردي الآن يمر بحالة قلق، وأن المناصب التي تُعد من حصة
الكورد قد تكون أيضاً مهددة إذا استمر التشتيت بهذا الشكل.
ويتابع
أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى وحدة الصف والعمل بروح الفريق الواحد، مع ضرورة
اختزال الصراعات داخل الإقليم والتوجه إلى بغداد بصف واحد لضمان حقوق المكون
الكوردي.
كما
يدعو توفيق في نهاية حديثه إلى إطلاق مبادرة وطنية قومية في إقليم كوردستان تجمع
جميع الأطراف، بما فيها المعارضة، للعمل سوية من أجل قضية واحدة.
وكانت
نتائج انتخابات مجلس النواب العراقي التي أجريت في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري
أظهرت أن القوائم الشيعية حصدت 187 مقعداً، متضمنة بعض المقاعد ضمن القوائم
السنية، فيما نالت القوائم السنية 77 مقعداً، وحصلت القوائم الكوردية على 56
مقعداً.
وأسفرت
النتائج عن تصدر ائتلاف الإعمار والتنمية بقيادة رئيس الوزراء المنتهية ولايته
محمد شياع السوداني بـ46 مقعداً من أصل 329، يليه ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري
المالكي بـ30 مقعداً، ثم الحزب الديمقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود
بارزاني بـ28 مقعداً.