شفق نيوز / بينما يستذكر العراق مرور 40 عاما على تدمير إسرائيل لمفاعله النووي "تموز" في السابع من حزيران 1981، تباهت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية بخطة وأحداث تدمير المفاعل "اوزيراك" ووصفته بـ"عمل شجاع" شكل مجازفة خطيرة، لكنها منعت التهديد المحتمل عن اسرائيل، واحتمال احتجاز صدام حسين المنطقة كرهينة.
وذكرت الصحيفة الإسرائيلية، في تقرير لها ترجمته وكالة شفق نيوز، أن "أحدا لم يقم من قبل بقصف مفاعل نووي، والى انه بالنسبة للسياسيين والجنرالات والطيارين الذين استعدوا في 6 حزيران 1981 لتدمير (مفاعل تموز) الذي شيدته فرنسا في العراق، كان هذا عالما جديدا وشجاعا".
أهمية "مفاعل تموز"
وأوضحت أن "التخطيط استمر لسنوات واستخدمت إسرائيل طائرات متطورة لمهاجمة الهدف وتدميره بالكامل من خلال طائرات اف 16 الاسرائيلية التي طارت الى سماء العراق لنسف المفاعل النووي الذي يمكن ان يهدد اسرائيل والمنطقة يوما ما"، وفقا للصحيفة.
وأضافت أن "هذه العملية نجحت، بمنع العراق صدام حسين من تطوير اسلحة نووية وجعل المنطقة رهينة، ولو فشلت لكان صدام حسين (رئيس النظام العراقي السابق) سيظهر أقوى من إسرائيل، المعزولة بالفعل على المسرح العالمي حينها، ويمكن أن تصبح أكثر عزلة وقد يمتلك للعراق سببا للرد عليها".
واستعادت الصحيفة الاسرائيلية الاجواء التي كانت سائدة وقتها، حيث كانت إسرائيل تتعرض للتهديد من لبنان من جانب الجماعات الفلسطينية المسلحة، وكانت غالبية المنطقة ضد الدولة اليهودية، بما في ذلك العراق الذي كان قويا وناجحا اقتصاديا، أما إيران، فقد برزت ايضا كمعارض رئيسي لإسرائيل بعد الثورة الاسلامية وكانت هناك حركات احتجاج في الضفة الغربية، بحسب الصحيفة.
وقد وقعت اسرائيل معاهدة سلام مع مصر، وهي مناسبة بالغة الاهمية، وكانت تسحب قواتها من سيناء، كما صدر قرار الامم المتحدة الذي أعلن مساواة "الصهيونية بالعنصرية" في العام 1975 ولا يزال موجودا في الكتب والذي لم يتم الغاؤه سوى في العام 1991.
قوة العراق
كما انه خلال العام 1980، كانت تهيمن على الشرق الاوسط مجموعة من الأنظمة القوية غير الديمقراطية، ومن بين هؤلاء صدام حسين الذي وصل الى السلطة متعهدا بتعزيز الصناعة العراقية، وكان العراق أحد القوى الرئيسية في المنطقة في ذلك الوقت بمن خلال جيش وصل الى ما يقرب من مليون عسكري، وبحلول التسعينيات كان رابع أكبر جيش في العالم.
وحصل العراق على حوالي 5700 دبابة، بما في ذلك دبابات "تي -72" المتطورة والاف قطع المدفعية. كما اشترى العراق اسلحة من دول حول العالم، بما في ذلك الصين والاتحاد السوفيتي وايطاليا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها، واستورد معدات عسكرية بنحو 24 مليار دولار، وكانت مراكمة العراق لهذه القوة تأثير بالغ على المنطقة.
واعتبرت الصحيفة ان "العراق امتلك اسلحة دمار شامل وهو ما قاد إلى الغارة الاسرائيلية على مفاعله النووي العام 1981، كما أن العراق حصل على اسلحة كيماوية استخدمها في الحرب العراقية الإيرانية".
تفاصيل الغارة
وحول الغارة الاسرائيلية، كتبت الصحيفة العبرية، أن 14 طائرة مقاتلة من طرازي "اف 15" و"اف 16" ألقت عشرات الصواريخ والقنابل على المفاعل، قتل فيها خبير فني فرنسي.
واعتبرت الصحيفة انه "خلال بضع دقائق فقط من ذلك اليوم، اقامت اسرائيل مبدأ مفاده انها ستعمل على منع اي تهديد وجودي يتعلق بأسلحة الدمار الشامل في المنطقة"، مذكرة بتصريحات لرئيس الوزراء وقتها مناحيم بيغن، أن "اسرائيل لن تسمح بوجود اسلحة نووية في المنطقة لتهديد إسرائيل".
واشارت الى ان "بعد مرور سنوات، لا يزال الجدل حول البرنامج النووي الايراني محددا وفقا لقواعد 7 يونيو 1981".
تبرير الضربة
وعددت الصحيفة، أمثلة اعتبرت فيها أن "المجتمع الدولي لجأ منذ انشاء اسرائيل الى تبرير الحروب التي لا تنتهي ضد الدولة اليهودية، بما في ذلك من خلال تسليح انظمة عربية معادية لإسرائيل".
وأشارت إلى أن "المجتمع الغربي كان يبرر الارهاب ضد إسرائيل"، مضيفة أن "الارهابيين أنفسهم تلقوا دعما من دول الكتلة السوفيتية ومساعدة من انظمة مثل عراق صدام حسين".
وتابعت انه حتى في بداية التسعينات عندما كانت الشرور الكاملة لنظام صدام واضحة بالفعل، بعد ان ارتكب هجمات ابادة جماعية ضد الكورد في الثمانينيات باستخدام الغازات السامة وغزو الكويت في العام 1990، كان لا يزال هناك خبراء يجادلون ضد أفعال إسرائيل".
ولفتت الصحيفة العبرية إلى ان "سابقة صدام باستخدام الغازات السامة لمحاولة إبادة الكورد في العراق، لسبب ما لم يكن ذلك مشكلة للسلام الدولي، لكن قصف اسرائيل لمفاعل صدام كان كذلك".
واعتبرت أن "غارة اوزيراك تظهر انه بغض النظر عما تفعله اسرائيل، فهي دائما المشكلة"، موضحة أن "الرافضين لديهم وجهة نظر واحدة عن اوزيراك، وهم لم يرغبوا في أن تدافع اسرائيل عن نفسها، ومن المحتمل انهم فضلوا عراق صدام لامتلاك اسلحة نووية" مثلما يجري في حالة إيران اليوم حيث يؤيد هؤلاء برنامجها النووي بحجة دعم السلام بينما في الحقيقة فانه يمهد الطريق لإيران لتطوير اسلحة نووية".
ونوهت الصحيفة إلى أن "الغارة على المفاعل العراقي كانت ضربة وقائية، وذكرت بان العراق تمكن من الحصول على مفاعل من خلال علاقاته الوثيقة مع فرنسا برغم ان العراق كان لا يزال في حالة حرب مع اسرائيل حيث تم ارسال العراقيين الى الخطوط الامامية في الجولان لمحاربة اسرائيل في العام 1973".
قدرات العراق
وبعدما اشارت الى ان العراق كان متطورا في نواح عديدة بما فيها التعليم وتخطيط المدن وتطوير المناطق الريفية والرعاية الصحية مقارنة بدول المنطقة في ذلك الوقت، اضافت ان صدام حسين تواصل مع الفرنسيين للحصول على مفاعل يورانيوم قادر بإمكانيات تخصيب تصل نسبتها الى 93٪.
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية، عن دراسة أمريكية أشارت إلى أن "امتلاك مفاعل من نوع اوزوريس الفرنسي يقدم فوائد لصدام حسين من بينها انها توفر له مصدر محتمل لمواد نووية صالحة لصنع الاسلحة بما في ذلك من خلال لوقود المستخدم، وذكرت بان صدام حسين قال صراحة ان "الاتفاق مع فرنسا سيقود الى صناعة اول قنبلة ذرية عربية".
وأوضحت أن "العراق سعى للحصول على مفاعل 70 ميغاواط على غرار اوزوريس ومفاعل تدريب اخر، كما سعى الى فصل البلوتونيوم من خلال المساعدة الايطالية، وبدأ تشغيل مفاعل التدريب المسمى "تموز 2" في فبراير/شباط 1980. ووصل اليورانيوم المخصب الى العراق، مضيفة ان "النافذة لإيقاف العملية كانت تغلق" لأنه بمجرد تشغيل المفاعلات فان الضربة الجوية، يمكن ان تتسبب في انتشار المواد المشعة في جميع انحاء العراق".
وتابعت الصحيفة، أن "من المفارقات ان الايرانيين كانوا اول من حاول تدمير المفاعل مستخدمين طائرة من طراز "اف 4، وانه في حين كانت اسرائيل بعيدة وكان الايرانيون يواجهون وحشية صدام، الا ان العراقيين اوضحوا ان الاسلحة النووية ستستخدم ضد اسرائيل.
وبينت أن "إسرائيل حاولت منع حصول العراق على المفاعل من خلال محاولات عرقلة او ابطاء وتيرة البرنامج النووي العراقي، وممارسة الضغط الدبلوماسي على دول حول العالم"، لافتة إلى أن "اسرائيل حاولت الموازنة بين ردود الفعل الدولية والتداعيات السياسية الداخلية، وأنها خلصت الى ان المخاطر الايجابية لتنفيذ الضربة، تفوق السلبيات المحتملة".
ولم تكن اسرائيل تمتلك سوى طائرات الفانتوم "اف 4" و"سكاي هوكس أيه4" وهي طائرات ليست بعيدة المدى ولم تكن قادرة على تنفيذ المهمة، لكن ذلك تبدل مع نجاح الثورة الاسلامية في إيران، حيث زودت الولايات المتحدة اسرائيل بطائرات "اف 16" الحديثة وقتها، بدلا من استكمال صفقة بيعها المبرمة سابقا مع شاه ايران. وكانت هذه الطائرات المصنعة حديثا، "مثالية لتنفيذ المهمة"، ووصلت الطائرات الجديدة الى اسرائيل في العام 1980.
وبحصولها على "اف 16" و"اف 15"، وهما طرازان يتمتعان بنظام الملاحة المتطور، لم يكن الطيارون في مسارهم الطويل بحاجة الى دعم ومساندة من الأرض للوصول الى الوجهة المحددة، والقت الطائرات 16 قنبلة من نوع "ام كي 84" يبلغ وزنها نحو ألف كليوغرام لتحقيق اقصى قدر من الدمار".
وتجمع الطيارون الى جانب قائد سلاح الجو الجنرال دافيد ايفري ورئيس اركان الجيش رافائيل ايتان، في قاعدة عتصيون الجوية قبل الضربة، والتي أطلق عليها اسم "عملية بابل" (المعروفة ايضا باسم عملية اوبرا). وتم اطلاع الطيارين على تفاصيل المهمة.
وبحسب الرواية الإسرائيلية، فقد حلقت ست طائرات "اف 15" وثمانية طائرات "اف 16" في مهمة معقدة فوق السعودية، ثم عبرت الى سماء العراق عبر الصحراء المفتوحة التي تشكل الحدود بين العراق والمملكة السعودية. وكان يتحتم على الطيارين التحليق على ارتفاع منخفض، على ارتفاع عشرات الامتار، وبينما استخدمت طائرات ال "اف 15" الرادار وإجراءات حماية الكترونية مضادة، قامت طائرات ال "اف 16" بقصف المفاعل الواقع الى جنوب غرب بغداد.
تحذير أردني
وظهرت عقبات أخرى من بينها ان الملك الأردني حسين علم بعبور الطائرات تمر عبر اراضي المملكة، وتم ارسال تحذير الى العراق وفقا لتقرير مجلة القوات الجوية في العام 2012. وكانت الساعة بعد الرابعة مساء بقليل، والموعد المحدد لضرب المفاعل هو الساعة الخامسة عند الغروب. وتحتم على الطيارين التزام الصمت اللاسلكي وتجنب انظمة الانذار المبكر السعودية.
وخلص التقرير الى القول "ان نجاح المهمة لم يمنح اسرائيل احتراما عسكريا اضافيا حول العالم فحسب، بل ساعد ايضا في الردع. واثبتت اسرائيل مجددا قدرتها على استخدام أحدث الطائرات".
وأضاف التقرير، أن "اسرائيل كانت الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك هذه الطائرات والمعرفة التكتيكية حول استخدامها الامثل".
كما اعتبرت ان الغارة على اوزيراك شكلت لحظة فاصلة غيرت المنطقة وبشرت بعهد جديد من الهيمنة الاسرائيلية. وفي وقت كانت القدرات العسكرية الاسرائيلية تواجه المنافسة من قبل الجيوش التقليدية مثل مصر وسوريا، فانه بحلول الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، كانت اسرائيل تمتلك اقوى جيش في المنطقة".
وبينت أن هذا الوضع "لم يغير المعادلة عندما يتعلق الامر بالأسلحة غير التقليدية، مثل الاسلحة النووية او الصواريخ والطائرات الدرونز الايرانية، من النوع الذي استخدمته حماس مؤخرا"، مضيفة ان استخدام اسرائيل للطائرات الحربية المتطورة مثل الى "اف15" والـ"اف16" والان ال "اف 35"، ليس عصا سحرية للانتصار في الحروب.
وخلصت الصحيفة العبرية، إلى القول إن "بإمكان اسرائيل التصدي للمنشآت الخطرة، مثل المفاعل النووي السوري الذي دمر في العام 2007، لكن المزيد من التهديدات ستواصل الظهور".