شفق نيوز/ وزير العدل الأميركي السابق رمزي كلارك الذين اعلن عن وفاته، كان من بين الشخصيات الاميركية الاكثر اثارة للجدل من خلال نشاطه الحقوق، سواء في مسائل مرتبطة بقضايا اميركية داخلية، او بنشاطه على الساحة الدولية والتي من بينها انضمامه الى الى فريق الدفاع القانوني عن الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين.
وتولى كلارك (93 سنة) منصب وزير العدل بين عامي 1967 و1969، خلال عهد الرئيس الاسبق ليندون جونسون، وكان ثاني أصغر وزير عدل في تاريخ الولايات المتحدة. وأمضى غالبية حياته معارضا للسياسات الخارجية للولايات المتحدة ولنظامها القضائي. وكان خدم قبل ذلك في ادارة الرئيس جون كينيدي.
وعرف قبل ذلك بكثير بمواقفه الليبرالية والتي استخدمها من اجل بلورة مواقفه المعارضة لسياسات الاحتكار والعنصرية، وتأييده المطلق للحريات والحقوق المدنية للاميركيين من كل الاعراق، حتى انه اشرف على صياغة قانون حق التصويت في العام 1965. وساهم ايضا في تطوير "قانون الإسكان العادل" الذي يمنع التمييز في الإسكان والتوظيف.
واستخدم كلارك مهاراته القانونية التي تلقاها في اطار شهادته الجامعية في الدكتوراه بالقانون من جامعة شيكاغو العام 1951.
وبعدما خرج من مقاعد السلطة، أصبح اكثر تقدمية في مواقفه والتي عبر عنها مثلا في حركته النشطة ضد السياسيات الاميركية المتعلقة بالحرب على الارهاب ويعتبرها بمثابة "حرب على الاسلام". وعارض ايضا الحروب الاميركية من فيتنام الى غرينادا وليبيا وبنما وصولا الى الخليج.
ولم يكن من السهل ان يشكك معارضوه بمواقفه خاصة انه كان من الجنود القدامى الذين خدموا في الحرب العالمية الثانية في القتال على الاراضي الاوروبية ضد القوات النازية.
وفي اطار قناعاته هذه، كان أيضا من أشد المعارضين لعقوبة الاعدام داخل بعض الولايات الاميركية، ووسع نضاله في هذا الاطار الى خارج الولايات المتحدة، ووقف ضد العديد من الادارات الاميركية في سياساتها الخارجية، بما في ذلك الحصار المفروض على كوبا منذ خمسينيات القرن الماضي. ولهذا لم يكن غريبا ان حكومة هافانا كانت من اوائل المعزين بوفاته.
كما كان كلارك من ابرز المعارضين للحرب الاميركية في فييتنام التي زارها تضامنا مع اهلها ضد القصف الاميركي المدمر للعاصمة هانوي في العام 1972.
كما عرف بمعارضته للحصار الذي قادته الولايات المتحدة على العراق منذ التسعينيات، ثم معارضته للغزو الاميركي في العام 2003. وذهب كلارك بعيدا باعلانه الانضمام الى حملة الدفاع عن محاكمة صدام حسين في العراق حيث كان يعتبر ان الاطار للقانون للمحاكمة ليس عادلا، لان الاميركيين بصفتهم "قوة احتلال" هم من نظموا عمل المحكمة وتشكيلها، وهو ما يخالف القوانين الدولية، وثانيا لان المحكمة كانت تضم قضاة معروفين بمواقفهم المعارضة ل"المتهم"، وبالتالي تنتفي النزاهة عن قرارتهم المحتملة.
وكانت علاقة كلارك بالعراق تعود الى ما قبل كثير، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 1990، زار العراق فيما كانت واشنطن تحشد قواته في اطار معركة تحرير الكويت. ثم عاد بعدها بثلاثة شهور الى بغداد للاطلاع على اثار الغارات الاميركية والتنديد ب"المأساة" التي ارتبكتها الولايات المتحدة.
كما شارك في حملات دعم انسانية للعراق، والتقى صدام حسين اكثر من مرة، بما فيها لقاء عقد عشية بدء الغزو الاميركي العام 2003، وهو هجوم عارضه من خلال تنظيم تظاهرات منددة بالحرب في واشنطن وغيرها من المدن الاميركية.
ولم يكن صدام حسين "موكله" الوحيد، من ضمن شخصيات ودول من "اعداء اميركا"، فقد عرف كلارك ايضا بنشاطه القانوني في الدفاع عن الرئيس الصربي المخلوع سلوبودان ميلوسيفيتش الذي اتهم بارتكاب جرائم حرب. وحاول ايضا الدفاع عن قادة جماعة الاخوان المسلمين في مصر، والداعية الإسلامي المصري عمر عبد الرحمن الذي اتهم بالارهاب بعد تفجيرات نيويورك الاولى في العام 1993.
وفي العام 1997، دافع من دون نجاح عن الاسقف الرواندي اليزفان نتاكيروتيمانا (73 سنة) الذي كان مقيما في تكساس، وتطالب الامم المتحدة بمحاكمته امام محكمة جرائم الحرب حول الابادة في رواندا، حيث اتهم بتحريض الهوتو على ارتكاب جرائم ضد التوتسي. وقد ارسل الى تنزانا وحوكم بعشرة اعوام سجن.
وكان كلارك يردد ان واشنطن "تشيطن" اعدائها لدرجة تجعل من الصعب عليهم الدفاع عن انفسهم في المحاكم وامام الرأي العام، وهذا النوع من المتهمين هم من كانوا يلفتون انتباهه اكثر من غيرهم.
وفي العام 1980، وبنيما كانت ايران تحتجز 53 رهينة اميركية في السفارة الاميركية في طهران، قام كلارك بزيارة الى ايران للمشاركة في مؤتمر حول جرائم اميركا، وندد هناك بالمحاولات العسكرية الاميركية غير المشروعة التي تبذل ضد ايران.
قال في تصريح العام 1991 "اذا لم تكن قادرا على تسلم القضايا الاكثر صعوبة، فلا قيمة لك. القضايا سهلة، سهلة".
وقال لشبكة "سي ان ان" الاميركية في العام 2005 "لا اعرف اذا كنت انجذب اليهم ام انهم ينجذبون الي"، وذلك ردا على سؤال عن توليه قضايا دفاع عن زعماء وشخصيات كهؤلاء. واضاف "انا محامي واؤمن بحقوق الانسان".
وفي العام 1986، بعد شهرين على الغارات الاميركية على ليبيا، زار كلارك طرابلس والتقى العقيد معمر القذافي، ولاحق بعدها قضائيا واشنطن ولندن لمقاضاتهما بسبب الخسائر البشرية والاقتصادية التي اصابت الليبيين بسبب الغارات، لكنه لم ينجح.
وفي المقابل، فان كلارك دافع ايضا عن نشطاء السلام ونزع السلاح، وعن المعارضين المنشقين في إيران وتشيلي والفلبين وتايوان.
وأعلنت المؤسسة والمكتبة التي تحمل اسم ليندون جونسون، الرئيس الذي خدم في عهده، عن "فقدان رمزي كلارك، الموظف الحكومي المتفاني ووزير العدل الأسبق" بين عامي 1967 و1969. وتوفي كلارك في منزله في مانهاتن. وهو حاصل على جائزة من الامم المتحدة حول حقوق الانسان في العام 2008 مشابهة لتلك التي حصل عليها ايضا الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا.