شفق نيوز/ خورخي ماريو بيرجوليو الذي أصبح البابا ال266 للفاتيكان، ويقوم بزيارة تاريخية الى العراق، هو أول بابا من خارج القارة الاوروبية منذ اكثر من الف سنة، وأول راهب يسوعي، وسرعان ما بدأت بصماته الاصلاحية في الكنيسة الكاثوليكية في العالم، منذ انتخابه حبرا أعظم في مارس/آذار 2013.
واختار اسم "فرانسيس" تيمنا باسم القديس فرانسيس الاسيزي الذي عاش قبل نحو 800 سنة، ونادى بإصلاح الكنيسة، وعاش زاهدا ومدافعا عن الفقراء، وزار هذا القديس مصر للقاء الملك الأيوبي للدعوة الى السلام والاخوة، برغم شلالات الدم التي جلبتها الغزوات الصليبية للمنطقة.
ولد البابا فرانسيس في الأرجنتين في 17 ديسمبر/ كانون الأول 1936، ووالده كان مهاجرا من ايطاليا، ووالدته من اصول ايطالية ايضا لكنها مولودة في الارجنتين، ويعتقد ان عائلته غادرت ايطاليا هربا من النظام الفاشي الحاكم وقتها. ويعرف عنه شغفه في صباه بالموسيقى والأفلام وكرة القدم. وبرغم تخصصه الجامعي وعمله في مجال الكيمياء، لكنه في العام 1958 دخل في العمل الكنسي وانضم الى الرهبنة اليسوعية وهو في عمر ال21 فقط.
وفي حين واصل تحصيل دراساته الدينية، كان التحول الكبير في مسيرته عندما اختاره بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني، ليكون أسقفا مساعدا لرئيس الاساقفة في بيونيس آيرس العام 1992، ثم اختياره ليكون رئيس الاساقفة في العام 1998.
وحتى قبل انتخابه حبرا اعظم، تميز البابا أثناء وجوده في الأرجنتين ببساطة نمط عيشه وتواضعه مقارنة بالصورة السائدة عن زعماء الفاتيكان والكنائس، ولهذا كثيرا ما وصفته وسائل الإعلام بأنه أحدث "ثورة" في الكنيسة. وهو مثلا برغم توليه منصب رئيس الاساقفة، فإنه التزم بالاقامة في شقة صغيرة بدلا من مقر رئاسة الاساقفة، كما امتنع عن استخدام سيارة الليموزين المؤمنة له مع سائق خاص واستخدم وسائل النقل العامة.
وعندما انتخب زعيما للكنيسة الكاثوليكية، اكتفى بارتداء عباءة بيضاء متخليا عن ارتداء الزي البابوي، ونأى بنفسه عن التزين بالحلى الذهبية، والتزم باستخدام الصليب الحديدي الذي كان يرتديه كرئيس للأساقفة، ولم يعتمد الصليب الذهبي. كما انه امتنع عن السكن في القصر الرسولي، قبالة ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، وقطن في المقابل في منزل صغير، لكنه يذهب الى القصر الرسولي لتفقد الحشود. ولاحظ الصحافيون ايضا انه لم ينتعل الحذاء البابوي الأحمر اللون، واكتفى بحذاء عادي أسود.
وتتراوح التقديرات حول ما اذا كان البابا يعتبر ليبراليا او محافظا. لكن بالنظر الى المواقف العديدة التي اتخذها من قضايا اجتماعية، فإنه بدأ محافظا في القضايا المرتبطة بالجنس، وليبراليا في الشؤون المتعلقة بالعدالة الاجتماعية. ففي سنوات عمله الكنسي في الأرجنتين، كثيرا ما تواجه مع الحكومة بسبب قرارات كانت تمس مثلا قمع المتظاهرين، او مصالح المزارعين والمهاجرين والمهمشين والفقراء. كما عرف عنه، بانه مؤيد للحوار وتقبل الاراء.
وفي السنوات الماضية، كان يحيي مراسم الأعياد المختلفة بطريقة مخالفة عن أسلافه، حيث حرص مرارا على أن يمضيها مع ناس من الفقراء والمهمشين. وكان في مسيرته الكهنوتية حريصا على اتباع تقاليد خميس الاسرار الذين يحيي غسل السيد المسيح لأرجل تلامذته. وفي العام الماضي، قام البابا بزيارة مركز للاجئين حيث غسل وقبل اقدام 12 لاجئا، بعضهم من المسلمين والفتيات المسلمات فغسل أقدامهم وقبلها، ليكون بذلك أول بابا للفاتيكان يغسل أقدام نساء او من غير الكاثوليك.
ولا تقتصر المفاجآت في شخصية البابا على ذلك. عندما كان في الأرجنتين، أعلن الاعتذار باسم الكنيسة عن "تقاعسها" إزاء مواجهة النظام العسكري الذي حكم الارجنتين، وارتكب العديد من الجرائم بحق المعارضين.
يقول البابا إن بإمكان المؤمنين والملحدين أن يكونوا "حلفاء أقوياء في جهودهم للدفاع عن الكرامة الإنسانية وبناء التعايش السلمي بين كل الناس والحماية الحريصة على الكون".
ومؤخرا، خالف التقليد المسيحي السائد، وأعلن عن تعيين، ناتالي بيكار، كأول امرأة في منصب وكيل مجمع الأساقفة، مع منحها حقوق التصويت في هيئة تدرس مسائل العقيدة الرئيسية. دعا ايضا الى توفير لقاحات كورونا للجميع وأن تكون الأولوية للفقراء والمحتاجين، معربا عن خشيته من أن يتوفر للأثرياء فقط. وانتقد البابا الراسمالية قائلا ان الوباء أظهر أن سياسات السوق الحرة لا يمكن أن تلبي جميع احتياجات البشرية الأكثر إلحاحًا. قال قبل سنوات "الفقراء يتعرضون للاضطهاد بسبب مطالبتهم العمل، والأغنياء يتم التصفيق لهم عندما يفرون من وجه العدالة".
كما عيّن في نوفمبر الماضي، ويلتون غريغوري ليصبح أول كاردينال أميركي من أصل افريقي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. وفي العام 2020، حفل نشاط البابا بالعمل والتحدث ضد قضايا الظلم الاجتماعي. وعندما قلت الشرطة الاميركية الاميركي الاسود جورج فلويد قال انه لا يمكن غض الطرف عن العنصرية التي وصفها بأنها "خطيئة".
وعندما وصفت بعض وسائل الاعلام لاعب كرة القدم الأرجنتيني "ميسي" بانه ك "الإله"، قال البابا الذي عرف عنه تشجيعه لنادي برشلونة الاسباني، معلقا ان ذلك "انتهاك للقدسية الالهية".
قبل عامين، عندما ارتكب مسلح مجزرة المسجدين في نيوزيلندا، قال البابا "دعونا نصلي من أجل أشقائنا المسلمين الذين قُتلوا". وفي فبراير 2019، عندما قام بزيارة رسمية الى دولة الامارات، ألقى كلمة استهلها بتحية "السلام عليكم" ووقع خلال الزيارة ما يسمى وثيقة الاخوة الانسانية او "اعلان ابوظبي". لكنه قبل وصوله الى أبوظبي المشاركة في حرب اليمن، وجه رسالة سياسية ضمنية ولكن شديدة الوضوح، عندما صلى من اجل اطفال اليمن "الجوعى والمنهكين"
رفض الحرب السورية ورفع الصوت مرارا بالصلاة والدعوات الى نبذ السلاح والاقتتال، كما رفض دائما الربط بين الإسلام وبين الإرهاب، معتبرا ان ذلك ليس صائبا.
في العام 2016، في ذروة الهجمات الارهابية بعد سيطرة داعش على مساحات واسعة من العراق وسوريا، استقبل البابا فرانسيس وفدا كبيرا يمثل مختلف الديانات في العالم، وقال "للأسف لا يمر يوم من دون أن نسمع عن وقوع أعمال عنف أو نزاع أو خطف أو هجمات إرهابية أو اغتيالات أو تدمير. من الفظاعة أن يتم أحيانا تبرير الأعمال البربرية أو الهمجية باسم الدين أو باسم الله". وتابع "فلتصدر إدانة واضحة لهذه الأعمال الشريرة التي تدنس اسم الله".
وقام البابا بزيارات الى المنطقة شملت الأردن وفلسطين وإسرائيل ومصر والمغرب والإمارات. وكان أول بابا يسافر مباشرة إلى الضفة الغربية في فلسطين، ويشير إلى الأراضي المحتلة بدولة فلسطين، وخلال زيارته توجه إلى الجدار العازل بين القدس وبيت لحم وتوقف للصلاة والدعاء.
وتكتسب زيارة البابا الى العراق اهمية كبيرة بالنظر إلى أنه ينظر اليها على انها زيارة الى ارض ولادة النبي ابراهيم، ولان العراق يمر بمرحلة جديدة في ما بعد بركان الحروب والمذابح في السنوات الماضية، ويراهن على تشجيع تمسك المسيحيين بأرضهم، والاهم تعايشهم جنبا الى جنب مع "اخوانهم" من الطوائف والاقليات الاخرى.
وفي العام 2014 خلال زيارته الى تركيا، قال البابا فرانسيس والبطريرك المسكوني الأرثوذكسي برثلماوس في بيان مشترك إنه لا يمكن القبول بوجود شرق أوسط خال من المسيحيين الذين يمارسون عقيدتهم فيه منذ ألفي سنة، وشددا على أن "الوضع المريع للمسيحيين وكل أولئك الذين يعانون في الشرق الأوسط يتطلب ليس فقط الصلاة باستمرار بل وأيضا ردا مناسبا من جانب المجتمع الدولي".