شفق نيوز/ اعتاد المسلمون الشيعة في العراق على إقامة مآدب الطعام والولائم ووضع القدور الكبيرة في الشوارع خلال أيام شهر محرم، وخاصة في يوم عاشوراء - ذكرى استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته ورفاقه في واقعة الطف - كما تشترك بعض العائلات في طبخ أنواع معينة من الطعام، التي تشهد إقبالاً كثيفاً عليها من قبل الفقراء والأغنياء على حد سواء، للتبرك والدعاء واستذكار هذا اليوم.
ومن العادات التي دأب عليها العراقيون عامة - إلى جانب مجالس العزاء والسير في المواكب - طبخ أكلات من المطبخ العراقي، لكن هناك أكلات معينة خصصت لأيام عاشوراء وتوزيعها على روح الإمام الحسين بين الجيران والمواكب، ومن أبرز الأكلات هي التمن والقيمة والهريسة والزردة وغيرها.
أم محمد (53 عاماً) من محافظة كربلاء، نوهت إلى أنها توارثت إعداد الطبخ عن أجدادها في شهر محرم ثواباً للإمام الحسين، "ففي الأيام الأولى يتم طبخ التمن والقيمة بإشراف طباخين وتوزع على الزائرين والمواكب، وفي اليوم السابع من محرم يتم طبخ الزردة وتوزيع على حاضري المجلس الحسيني الذي نقيمه وكذلك على الجيران سواء للفقراء أو الأغنياء".
ولفتت أم محمد، خلال حديثها للوكالة، إلى أن "الطبخ عادة ما يقلّ في أطراف الأقضية والنواحي على خلاف مراكز المدن، رغم أن أغلب سكانها من الأسر الفقيرة، لذلك يتم إعداد قدور وإيصال الثواب إلى تلك المناطق".
بدوره، ذكر الشيف خلف البصراوي، أن "بعض الأسر ترغب بطبخ طعام سهل التحضير ثواباً لأبي عبد الله الحسين، ومن أبرز أكلات شهر محرم هي القيمة، أما مكوناتها وطريقة تحضيرها، فإنه مع كل كيلو لحم مقابله كيلو حمص ونصف كيلو بصل، نبدأ بإنزال البصل في القدر ليحمص ومن ثم نضيف إليه اللحم ليحمص أيضاً، وبعدها نضيف اللبلبي المنقوع ويطبخ جميعه إلى أن يستوي اللحم ومن ثم نهرس المقادير ونحضر الصلصة وهي البهارات المختصة بالقيمة".
وعن مكونات هذه الصلصة، بيّن البصراوي للوكالة، أن "هذه الصلصة مكونة من نصف علبة المعجون الصغيرة مع كل كيلو لحم، مع بهارات ونومي بصرة وكمون ودارسين وثوم مجفف، واليانسون - حسب الرغبة - لتضيف نكهة معززة للبهارات، وعندما تصبح القيمة علوجة نضيف عليها الصلصة وتترك بعدها على نار هادئة لمدة 10 دقائق، وبعدها تصبح جاهزة للتقديم".
وأضاف: "أما الهريسة، فهناك بعض الطرق لطبخ الهريسة، فمنهم من يطبخها بالدجاج والآخر باللحم وثالث بالشحم، وتختلف مكوناتها حسب المحافظات، حيث هناك من يطبخها بالخضروات أيضاً، أما في الجنوب فإن الهريسة تطبخ بداية بتنقيع الهريسة قبل ساعات، ومن ثم نضع اللحم بالقدر مع الهريسة ونضيف الماء وتترك المكونات لتطبخ معاً، وهناك قسم يضيف الماء والحليب، وقسم يتركها سادة، لكن طريقة الجنوب تترك سادة بإضافة الماء فقط، ويستمر تحريك المكونات حتى يصبح اللحم علوجة، وبعدها تقدم بصحن ويضاف الدارسين والسكر والدهن الحر أو العادي".
وتابع البصراوي: "أما الزردة بالرز، فإن من مكوناتها التمن الذي ينقع بالماء قبل يوم بعد غسله وتنظيفه، وبعدها يطبخ التمن، وهناك من يطبخ التمن بالماء ويضيف له النشا، وقسم يطبخه بالحليب، ويضيف له سلطة الكاري ليكون لونه أصفر، أما طريقة الجنوب فإنه يطبخ بالماء ويضاف له سلطة الكاري والسكر ويهرس حتى يصبح مطحوناً ناعماً وعلوجة، وإذا لم يصبح علوجة، يتم إضافة ملعقة نشا مع نصف كوب ماء وتخلط، فتصبح أشبه بحلاوة الكاستر والنشا".
وأشار إلى أن "أكثر نوع تمن مستخدم في الطبخ بصورة عامة بما في ذلك المناسبات الدينية هو تمن البسمتي وملك البنجاب والجوكر وأبو العربة والحبة الذهبية، فهذه الأنواع المفضلة في المناسبات لكبر الحبة وتنفش في الطبخ".
وتبلغ أعداد المواكب في محافظة كربلاء أكثر من 600 موكب وهيئة خدمية جميعها تطبخ التمن والقيمة للزائرين، وبعض الهيئات تطبخ الهريسة، لكن المعتاد هو التمن والقيمة، وفق الإعلامي الحسيني حسين الجراح، مبيناً أن "أقدم موكب في كربلاء يعود إلى عام 1888، وهذا الموكب لا يزال موجوداً، كما يعد موكب طرف المخيم وكفيله الشيخ رياض نعمة من أقدم المواكب في المحافظة".
واستذكر الجراح خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أجواء الزيارة في النظام السابق بالقول "بعد المنع الأول عام 1979 للمواكب والهيئات الحسينية في عموم العراق وخاصة في كربلاء باعتبار هي مدرسة الشعائر الحسينية، تم اتخاذ طريقة ثانية".
أما الطريقة الثانية بحسبه، فكانت تتمثل بإقامة المجالس الحسينية والطبخ في البيوت والبساتين خفية عن أعين أزلام النظام السابق، وعند التوزيع يتم نقل الطعام بواسطة السيارات إلى طرق الزائرين في البساتين.
وخلص الجراح إلى القول، إن "الزائرين كانوا يتجنبون سلوك الطرق المعبدة، بل يعمدون إلى سلوك الطرق النيسمية والبساتين والأفرع الضيقة بعيداً عن أنظار السلطة، واستمر العمل الخفي لحين سقوط النظام، وبعدها في عام 2003 ظهرت الطقوس للعلن".