شفق نيوز/ وصف موقع "أمواج" البريطاني، المفاوضات التي تخوضها تركيا مع حزب العمال الكوردستاني وغيره من القوى الكوردية ما بين العراق وسوريا، بأنه "تحول تكتوني".

كما سلط الموقع الضوء على إعادة تنظيم الاتفاقات الدقيقة والمتشابكة بين الأحزاب الكوردية في إقليم كوردستان وحلفائها، خصوصاً من جانب الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني الذي قد يقوم بوساطة بين أنقرة وحزب العمال الكوردستاني.

حزب العمال الكوردستاني

وذكر التقرير البريطاني الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، أن تركيا التي بدأت بعملية سلام متجددة مع حزب العمال الكوردستاني، وهي "خطوة قد تعيد تشكيل جيوبوليتيك المنطقة بشكل كبير"، في وقت هناك مخاوف من أن اتساع الصراع بين إسرائيل وإيران قد يخلف تداعيات سلبية على تركيا، حيث يشكل تراجع دور طهران على الساحة الإقليمية مصدر قلق لتركيا لأن إسرائيل قد تملا الفراغ الدبلوماسي وتتحالف مع القوى الكوردية ضد المصالح التركية.

وبحسب التقرير، فأنه من المرجح أن خطة السلام التركية التي يقودها الزعيم القومي التركي دولت بهجلي، وبدعم من الرئيس رجب طيب أردوغان، تدفعها الرغبة في ترتيب "الجبهة الداخلية" التركية، بالإضافة إلى أن السلام مع حزب العمال الكوردستاني قد يسهل على الصعيد الشعبي الطريق أمام التعديلات الدستورية اللازمة لتمكين أردوغان من السعي إلى ولاية رابعة في العام 2028.

وأوضح التقرير أنه برغم أن خطوة السلام التركية، تمثل "ضرب عدة طيور محلية بحجر واحد"، إلا أن أي اتفاق سلام بين أنقرة وحزب العمال الكوردستاني، سيقود حتماً إلى تغيير في العلاقات بين الكورد، مشيراً إلى أن خطوة السلام نالت دعماً من جانب زعماء كورد رئيسيين في العراق وسوريا.

إقليم كوردستان

وأضاف أنه إذا تقدمت عملية السلام هذه، فأن "صناع السياسات في إقليم كوردستان سوف يتابعون عن كثب كيف يعمل هذا التحول التكتوني على إعادة تنظيم الاتفاقات الدقيقة والمتشابكة بين الأحزاب الكوردية في الإقليم وحلفائها".

ورجح التقرير أن أردوغان يعتبر أن عملية السلام مع حزب العمال الكوردستاني ستكون وسيلة لاستباق أي تحركات محتملة من جانب إسرائيل، لضم قوى كوردية إلى صفوفها، في حين أن إنهاء النزاع مع حزب العمال الكوردستاني، سيعزز الاستقرار الداخلي في تركيا والمكانة السياسية للرئيس قبل انتخابات العام 2028، حيث يراهن أردوغان على كسب أصوات الناخبين الكورد.

السلام ونيجيرفان بارزاني

وذكرّ التقرير بأن قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في أربيل أعربت عن دعمها لمبادرة السلام التركية، بما في ذلك من جانب زعيم الحزب مسعود بارزاني ورئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، مشيراً إلى أن رئيس الإقليم، وقبل أيام من دعوة بهجلي إلى التوصل لاتفاق مع عبد الله أوجلان، التقى في أنقرة مع أردوغان ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان ورئيس الاستخبارات إبراهيم كالين.

ولفت التقرير إلى أن الرئيس نيجيرفان بارزاني أدلى بتصريحات إيجابية عن الصفقة التركية الكوردية المحتملة قائلاً إنها "ستعود بالنفع على المنطقة بأكملها".

واعتبر التقرير البريطاني أن هذه الدبلوماسية ربما تشير إلى رغبة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في أداء دور الوسيط بين أنقرة وحزب العمال الكوردستاني، مذكرّاً بأنها ليست المرة الأولى التي يلعب فيها الحزب دوراً تحكيمياً، بعدما انخرط عن كثب في وقف إطلاق النار بين أنقرة وحزب العمال الكوردستاني في الفترة 2013-2015.

ورأى التقرير أن الدعم الدبلوماسي الذي عبر عنه الحزب الديمقراطي الكوردستاني لمبادرة السلام الجديدة، قد يكون نابعاً من التحالف التاريخي لهذا الحزب مع أنقرة، بالإضافة إلى رغبة صناع القرار في أن يشاهدوا تراجع نفوذ حزب العمال الكوردستاني في الإقليم.

بغداد وحزب العمال

وذكرّ التقرير بأن حكومة بغداد، وكاستجابة للضغوط التركية الضخمة، تحركت في آذار/ مارس 2024 لفرض عقوبات على حزب العمال الكوردستاني باعتباره منظمة "محظورة"، برغم أن هذه الجماعة تحتفظ بوجود في الإقليم منذ ثمانينيات القرن الماضي.

ورأى التقرير أنه في حال تطورت محادثات السلام وانبثق عنها اتفاق رسمي بين أنقرة وجماعة أوجلان، فأنه سيصبح من الصعب على هذه الجماعة الكوردية المسلحة أن تبرر استمرار تمركزها في العراق.

ولم يستبعد التقرير أن يمثل مذل هذا التطور "انقلاباً" ضد حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني في السليمانية، بعدما تزايدت الاتهامات الموجهة إلى هذا الحزب بدعمه لحزب العمال الكوردستاني إلى جانب جماعات مسلحة كوردية أخرى، وذلك كجزء من تحالف مع طهران لإقامة توازن قوى بين الأحزاب الكوردية وحلفائها الإقليميين.

ومع ذلك، فأن التقرير أكد أنه برغم المصالح المتناقضة بشكلها الظاهري، فإن اتفاق السلام قد يتحول في نهاية الأمر إلى نعمة للأطراف كافة، موضحاً أنه في حال ألقى حزب العمال الكوردستاني سلاحه في تركيا، فإن ذلك سيساهم في إضعاف أحد الذرائع الرئيسية التي تستخدمها أنقرة لكي تبرر وجودها العسكري المتواصل في شمال العراق.

الوجود التركي والنفوذ الإيراني

وأضاف أنه بينما من شأن ذلك أن يؤدي بشكل مؤكد إلى تعزيز الحكم الذاتي للثنائي الحاكم في إقليم كوردستان، إلا أن قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني ستكون مرحبة لوجود عسكري تركي محدود، لتكون قوة موازنة أمام النفوذ الإيراني، خصوصاً في ظل تفاوض القوات الأمريكية على انسحابها من العراق.

ورأى التقرير أن تسوية ناجحة للنزاع بين تركيا وحزب العمال الكوردستاني قد تحمل آثاراً جيوسياسية أوسع على الكورد العراقيين، إذ أنها قد تعزز مجال المناورة الدبلوماسية للأحزاب الكوردية على الدفع مجدداً من أجل مزيد من الحكم الذاتي أو حتى الاستقلال، لكنه أشار إلى أن أي خطوة في هذا المجال حالياً، تتطلب إدارة دقيقة للعلاقات مع هذه القوى المجاورة.

إلى جانب ذلك، قال التقرير إن عملية سلام ناجحة بين أنقرة وحزب العمال الكوردستاني قد تفتح آفاقاً جديدة في شمال سوريا، من خلال التعاون بين الفصائل الكوردية المتنافسة.

ومع ذلك، قال التقرير إن مثل هذه التطورات لن تجري من دون مخاطر، موضحاً أن ضعف حزب العمال الكوردستاني أو تفككه، قد يدفع الأحزاب المؤيدة لحزب العمال الكوردستاني إلى السعي لانخراط سياسي أكبر داخل إقليم كوردستان نفسه، وهو ما قد يشكل تحدياً لهيمنة كل من الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني على الساحة السياسية.

وتابع قائلاً إنه في حال جرى إطلاق سراح أوجلان كجزء من أي تسوية محتملة مع تركيا، فأنه قد يصعد باعتبار أنه زعيم منافس جديد داخل السياسة الكوردية الداخلية ويتنافس مع مراكز القوة التقليدية مثل الحزب الديمقراطي الكوردستاني أو الاتحاد الوطني الكوردستاني.

ولهذا، ختم التقرير بالقول إن هذه الديناميكيات التي قد تتطور، تشكل الكثير من المجهول الحافل بالمخاطر للجهات الفاعلة كافة.

ترجمة وكالة شفق نيوز