شفق نيوز/ كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تفاصيل عن مضمون اتصال هاتفي جرى بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني، والذي تضمن، بحسب مسؤول مقرب من السوداني، تهديدات ضمنية حول ضمان المصالح الامريكية، والتي قد تؤدي بحسب التقرير، الى استهداف حركة حزب الله-النجباء العراقية وزعيمها اكرم الكعبي.
وتأتي هذه التهديدات عقب هجوم على موقع في الحسكة السورية، اوقع قتلى وجرحى اميركيين قبل شهور.
وسلط التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، الضوء على الدور المتصاعد لزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، وما يثيره ذلك من هواجس داخل الاطار التنسيقي، وحقيقة موقف التهدئة الذي تدفع اليه طهران، استعدادا، لما يقول التقرير إنها الحرب المقبلة مع إسرائيل.
وبداية، ذكر التقرير، بهجوم شنته ثلاث طائرات مسيرة انتحارية على قاعدة التنف التي تتمركز فيها القوات الأمريكية في 20 كانون الثاني/ يناير، والتي أعلنت مجموعة مجهولة تطلق على نفسها اسم "الوارثين" مسؤوليتها عنه.
كما ذكر التقرير بالاتصال الهاتفي الذي أجراه بايدن بالسوداني بعدها بأسبوعين، حيث ان الرئيس الامريكي الى جانب الإعراب عن دعمه الثابت لعراق مستقر وامن ويتمتع بالسيادة، الا ان مسؤولين عراقيين قالوا ان بايدن عبر ايضا عن "استياء" ادارته من "الهجمات التي نفذتها الجماعات العراقية ضد القوات الامريكية في سوريا.
واوضح التقرير ان قراءة السوداني للاتصال الهاتفي تناولت هذه النقطة حيث اتفق الزعيمان على انه "لا ينبغي استخدام العراق كنقطة انطلاق لمهاجمة" جيرانه او القوات التابعة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وبحسب احد المقربين من السوداني، فان بايدن ذكر رئيس الحكومة العراقي ب"لطف" بان الادارة الامريكية "تدعم حكومته بدرجة واسعة، الا ان هذا الدعم ليس مجانيا ولا مفتوحا".
ونقل التقرير عن مساعد السوداني، وهو ايضا زعيم سياسي شيعي، قوله ان على السوداني "استغلال قربه من الفصائل العراقية المسلحة لكبح جماحها لضمان استمرار الدعم الامريكي. وهذا هو بالضبط محتوى تلك المكالمة".
ولفت التقرير الى ان السوداني اثار هذه القضية خلال اجتماع لقادة الاطار التنسيقي.
ونقل التقرير عن احد قادة الاطار قوله ان "تم الاتفاق في الاجتماع على تجنب احراج السوداني وعدم الصدام مع الامريكيين في ذلك الوقت"، مضيفا ان هذا القرار "يلائم مصالحهم، ولم يطعن في القرار اي من قادة الاطار رغم ان بعضهم فضل التزام الصمت".
وتابع التقرير ان الهجمات في الاسابيع التالية لم تتوقف عن استهداف القوات الامريكية في سوريا، الا انها تراجعت بشكل ملحوظ، مشيرا الى ان مرد ذلك قد يكون الزلزال المدمر الذي اشغل الجميع في شباط/فبراير الماضي. كما ان الاتفاق التاريخي بين ايران والسعودية في اذار/مارس، بحسب التقرير، ساهم في التهدئة في المنطقة.
وبرغم ذلك، ذكر التقرير انه بينما انهمكت معظم الفصائل العراقية المسلحة، التابعة لايران او غير ذلك، بنقل المساعدات الى اجزاء من شمال سوريا للناجين من الزلزال، فان احدى هذه الفصائل قامت بشن هجوم في شمال شرق سوريا، في 23 مارس/اذار، حيث هاجمت طائرة مسيرة مسلحة منشأة صيانة في قاعدة عسكرية امريكية بالقرب من الحسكة، وهو هجوم قالت وزارة الدفاع الامريكية انه ادى الى مقتل متعاقد امريكي واصابة اخر، كما اصيب خمسة جنود امريكيين.
واشار الى ان واشنطن تشتبه بان الطائرة من اصل ايراني، وهي قامت برد بعد ساعات بسلسلة من خلال ضربات جوية على مقرات ومخازن اسلحة تابعة للجماعات المدعومة من ايران في ريف دير الزور والميادين والبوكمال حيث قالت مصادر محلية ان 11 مقاتلا مواليا لايران على الاقل قتلوا في تلك الضربات.
وتابع التقرير ان جماعة "لواء غالبون" اعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، لكن بخلاف مجموعة "الوارثين"، فانها لم تكشف عن اي ارتباط مباشر لها بالفصائل العراقية، ولم يتم تداول بيانها على نطاق واسع على منصاتهم الاعلامية كما هو معتاد.
واضاف التقرير انه على غير العادة، فقد سارع كل من كتائب حزب الله وعصائب اهل الحق، الى اعلان عدم مسؤوليتهما من الهجوم. وبحسب احد مستشاري السوداني، فان رئيس الوزراء العراقي سعى "لتهدئة الوضع" وتقديم ضمانات للامريكيين والفصائل المسلحة، على امل تهدئة الموقف "خوفا من خروج الامور عن السيطرة".
ونقل التقرير عن قيادي باحدى الجماعات المسلحة قوله انه "رغم ان العملية كانت ناجحة وكان التخطيط والتنفيذ على مستوى عال، الا ان معظم قادة الفصائل نفوا صلتهم بها والتزم بعضهم الصمت".
واوضح القيادي ان "العملية مثلت خرقا للهدنة التي اعلنتها الفصائل قبل اشهر واثارت احراجا كبيرا للسوداني والحكومة، ما اجبره على التدخل بسرعة ووقف كرة الثلج المتدحرجة قبل انهيار ما بناه هو وزعماء الفصائل المتحالفة معه".
الا ان التقرير اشار الى ان الموضوع لم ينته عند هذا الحد، ففي منتصف نيسان/ابريل تلقى احد قادة الفصائل المسلحة تحذيرا من زعيم كوردي.
وبحسب قيادي شيعي منخرط في الموضوع، فان القيادي الكوردي قال ان الامريكيين تسللوا الى عدة فصائل عراقية مسلحة وكانوا يخططون لاستهداف قادتها ومخازنهم ومقارهم السرية في محافظتي واسط وذي قار الجنوبيتين "في حال استمرت الهجمات على قوات التحالف في سوريا".
وبحسب القيادي الشيعي الذي لم يحدده "ميدل ايست آي"، فان القلق تزايد والخلافات بدأت تطفو على السطح بين قادة الفصائل بسبب "الزعيم الذي انحرف عن الاجماع وعمل دون مراعاة مصالح الجميع"، وذلك في اشارة الى هجوم الحسكة.
واوضح التقرير ان قادة هذه الفصائل بدأوا بإجراء تحقيقاتهم الخاصة، وتلقوا سيلا من الرسائل من مصادر مقربة من السلطات الامريكية تعمل كقناة تواصل خلفية بين الجانبين، مضيفا انها اكدت على "خطورة الامر" وتناولت تفاصيل جديدة، من بينها اسم الفصيل الذي القت الولايات المتحدة باللوم فيه على الهجوم، وهو حركة حزب الله -النجباء.
وتابع التقرير ان تلك الرسائل حذرت الجماعات المسلحة من ان زعيم الفصيل اكرم الكعبي "سيتم القضاء عليه اينما كان". وتاكيدا لمخاوفهم بشكل اكبر، قال احد قادة حركة حزب الله النجباء ان ايران طلبت من الكعبي "مراجعة اجراءاته الامنية"، مضيفا ان الحركة كانت تظهر تمسكها بتحد بمبادئ حركة المقاومة عندما بدا ان الفصائل الاخرى ادارت ظهرها للنضال.
وتابع القيادي في الحركة القول ان "الكعبي هو الوحيد الذي بقي متمسكا بمبادئه، والنجباء وحيدة حاليا في الميدان وبقية الفصائل لم تعد تشكل خطرا حقيقيا على الامريكيين".
واضاف القيادي ان "الخيانة دائما تاتي من الداخل بسبب تضارب المصالح، لذلك نجح الامريكيون في اختراق تنظيماتنا. ونحن ندرك ان امريكا لن تدخل في حرب مفتوحة مع احد الان، لكنها لن تتردد في تنفيذ عملية اغتيال".
الى ذلك، ذكر التقرير ان زعيم عصائب اهل الحق قيس الخزعلي لعب دورا محوريا في تسمية السوداني لرئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة، بينما نجح نواب كتائب حزب الله في العمل كجماعة ضغط في البرلمان، حيث قاموا بتسهيل العديد من بنود الميزانية التي عارضتها الاحزاب الكوردية والسنية.
وبحسب الخزعلي نفسه، فان الفصائل المدعومة من ايران، قررت بعد تشكيل حكومة السوداني التوقف عن استهداف المصالح والقوات الامريكية "لمنح فرصة لتشكيل حكومة تعمل على تقديم الخدمات".
ولفت التقرير الى ان نفوذ عصائب اهل الحق تنامى على مدار العام الماضي، بشكل كبير، في حين ان الخزعلي يتصرف كنوع من الوصي على حكومة السوداني. ونقل التقرير عن قيادي فصيل مدعوم من ايران قوله ان هذه الديناميكية تخلق عداوة بين رفاق الخزعلي في الفصائل الاخرى والشركاء السياسيين المتخوفين الذين بداوا يشعرون ان الخزعلي قد تحول الى "قطار يمكنه دهس اي شخص يعترض طريقه".
وتابع القيادي قوله ان "الخزعلي يعتبر هذه الحكومة هي حكومته وقراراته في الطليعة ضمن الاطار التنسيقي حاليا".
واضاف القيادي انه بالنسبة الى الباقين فإنهم لا يستطيعون مواكبة سرعة صعود الخزعلي او نفوذه، والكل يشعر ان الخزعلي قد يتنازل عنه اذا لزم الامر، او يسحقه وهو يمضي في طريقه لتحقيق اهدافه.
الا ان التقرير قال انه برغم ان الاداء الاعلامي للخزعلي وغيره من قادة العصائب يعزز من هذه الصورة، فان ثلاثة من مستشاري السوداني حرصوا على التقليل من هيمنة عصائب اهل الحق حيث قالوا انها "صورة ترسم ويروج لها" من جانب قادة العصائب من اجل "كسب ولاء كبار المسؤولين والضباط في مختلف المؤسسات الحكومية".
وبحسب احد مستشاري السوداني، فان لدى الخزعلي مشروع سياسي ويسعى الى ادماج مجموعته بشكل اكبر في المشهد السياسي، ولهذا فانه يدعم الحكومة ويعمل على الانخراط اكثر في أنشطتها، مضيفا ان العصائب "اكثر تنظيما ومؤسساتية من باقي الفصائل وهذا يسرع من عملية اندماجها في المشهد السياسي الامر الذي يثير قلق الباقين".
ومع ذلك، لفت المستشارون الى ان الخزعلي اصبح "مقصدا" للسفراء والدبلوماسيين، بمن فيهم من جانب الاتحاد الاوروبي والذين يلتقطون الصور معه.
وبحسب مستشار اخر للسوداني، فان "الخزعلي يلعب دورا اساسيا في الاستقرار السياسي والامني الحالي"، مضيفا انه من خلال قيامه باحباط النشاطات التي قد تزعزع الامن، فانه يضعف الفصائل والشخصيات التي تريد ان تظل عدوانية ويكشفها.
وبحسب دبلوماسيين غربيين، فإن وجود الفصائل المسلحة المدعومة من ايران في السلطة قد قلص بقوة من انشطتها غير المشروعة والمدمرة، مشيرين الى ان عدد الهجمات التي تستهدف قوات التحالف في العراق وسوريا منذ حزيران/يونيو من العام الماضي، تراجع بشكل كبير.
وذكر التقرير انه بينما نسب الخزعلي ذلك الى "الهدنة المؤقتة"، فان رفاقه في الفصائل الاخرى يرون الامر من زاوية اخرى حيث قال احدهم ان "معظم الفصائل بدلت من تكتيكاتها ولم تعد تمثل تهديدا حقيقيا للامريكيين".
وقال احد القياديين انهم "اصبحوا اصحاب سلطة، والسلطة بحاجة للانخراط في التسويات وتقديم تنازلات للحفاظ عليها، ومهما كان سيجري فانهم لن يفعلوا شيئا سوى اصدار بيانات استنكار وتهديدات هنا وهناك لحفظ ماء الوجه".
الاولوية للمعركة المقبلة
ذكر التقرير ان لجنة تنسيق المقاومة الاسلامية المسلحة في الشهر الماضي، عقدت مؤتمرا في طهران، بمشاركة قادة كافة الفصائل المدعومة من ايران، وجمع وفودا من جميع انحاء الشرق الاوسط لدعم القضية الفلسطينية. ولفت التقرير الى ان الوفد العراقي كان برئاسة هادي العامري.
ونقل التقرير عن احد قادة الاطار التنسيقي المطلع على تفاصيل المؤتمر، قوله ان "الاجتماعات كانت روتينية، وركزت جميع المحادثات على الاحداث الاخيرة في جنين". لكن التقرير لفت الى ان المفاجأة تمثلت في ان المرشد الاعلى الايراني علي خامنئي حضر بنفسه الاجتماعات التي عقدت مع كل وفد على هامش المؤتمر. وقال القيادي في الاطار التنسيقي ان نتائج هذه الاجتماعات "كانت جيدة".
وبحسب القيادي نفسه، فان خامنئي قال للوفود انه يجب دعم الاستقرار في العراق والالتزام بقرارات الاطار التنسيقي، لكنه يتحتم عليهم ايضا الضغط على الحكومة العراقية "حتى لا تذهب بعيدا في اتجاه الغرب وتصبح رهينة بايديهم".
وبحسب القيادي في الاطار، فان الايرانيين يعتقدون انهم قلصوا من الوجود الامريكي في العراق وسوريا، وهم حريصون على عدم قيام الفصائل المسلحة باي اجراء من شانه ان يوفر لواشنطن سببا للعودة باعداد كبيرة.
ويتابع القيادي قوله "هناك منعطف حاد في المنطقة، خاصة بعد الاتفاق الايراني السعودي. فالايرانيون لا يثقون بان الفصائل العراقية المسلحة تستوعب بشكل كامل التغيرات الاخيرة في المنطقة وبانهم سيتصرفون بشكل جيد، ولهذا، فان السيد خامنئي قام بالتدخل شخصيا للتاكيد على اهمية المسألة".
ونقل التقرير عن الباحث في "مجلس الامن والديانة" في روما ايلي ابوعون قوله ان "موقف الايرانيين ليس مرتبطا حصريا بالتغييرات داخل العراق او الاتفاق مع السعودية، وانما هو مرتبط بما يحدث في المنطقة ككل"، مضيفا ان "كل الساحات في المنطقة، بما في ذلك ليبيا واليمن ولبنان، تتجه نحو التسوية والتهدئة. والايرانيون يريدون ان يكونوا جزءا من هذه التسوية في اطار التحضير للجبهة المقبلة مع اسرائيل".
وبحسب ابو عون فان الايرانيين "لا يريدون فتح هذه الجبهة قبل التسوية في الجبهات الاخرى، او على الاقل التهدئة. هناك تغيير في التكتيكات، واية معارك غير ضرورية، يجب ان تتوقف الان، لان المعركة الحقيقية هي مع اسرائيل".